أثارت وفدا من منتدى غربي يضم صحفيا إسرائيليا، سبق أن عمل في قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى العاصمة
اليمنية المؤقتة،
عدن، حيث مقر الحكومة المعترف بها، بتنسيق مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات، أسئلة عدة حول دوافع هذه الزيارة وهل بدأ حلفاء أبوظبي في رفع مستوى التنسيق مع دولة الاحتلال بعد مغازلات سابقة بالاعتراف بها بعد تحقيق الانفصال عن شمال اليمن.
وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" إن وفدا من منتدى الشرق الأوسط، يضم صحفيا إسرائيليا، زار العاصمة اليمنية المؤقتة عدن منتصف تموز/ يوليو الماضي، وذلك بترتيب وإشراف من المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث استُقبل الوفد في مقر الهيئة الوطنية للإعلام الجنوبي بحضور مختار اليافعي وعدد من قيادات المجلس.
وأضافت الصحيفة أن الوفد التقى علي الكثيري، رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، في مكتبه بعدن، إلى جانب أبو نصر، رئيس الاستخبارات في المجلس.
وأشارت إلى أن برنامج الزيارة شمل أيضا لقاء وزير الدفاع في الحكومة المعترف بها دوليا، اللواء محسن الداعري، الذي تحدث عن خطط العمليات المشتركة وتعثرها.
كما تضمن جولات ميدانية في مناطق جبهات القتال بمحافظة الضالع، حيث مسقط زعيم الانفصاليين الجنوبيين، عيدروس الزبيدي، وأبين وشبوة ( جنوب وشرق) وحيث التقى الوفد قادة ميدانيين من قوات الانتقالي.
هذه الزيارة للصحفي والكاتب الإسرائيلي البريطاني، جوناثان سباير، الذي يشغل مدير الأبحاث في منتدى الشرق الأوسط إلى عدن، رفقة مايكل روبين، الباحث الأمريكي بارز في "معهد أميركان إنتربرايز" (AEI)، بالتنسيق مع المجلس الانتقالي المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ليست سابقة، بل تعزز خطاب زعيم الكيان الجنوبي وقادته الذين أبدوا رغبة في
التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حال تم استعادة دولة الجنوب.
ففي فبراير/ شباط 2021، أعلن الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي في مقابلة تلفزيونية عن استعداد المجلس الانتقالي للتطبيع مع إسرائيل وفتح سفارة لها في عدن، واصفا تطبيع العواصم العربية مع تل أبيب بـ"العمل المثالي" لتحقيق السلام بالمنطقة.
وقال الزبيدي إن "التطبيع مع إسرائيل مسألة واردة عندما تكون لدينا دولة وعاصمة تخص الجنوب العربي".
وفي كانون أول/ ديسمبر 2023، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن الزبيدي، قوله: إذا اعترفت إسرائيل بحق تقرير مصير جنوب اليمن، فسيجدون حليفا ميدانيا ضد التهديد الحوثي.
الانتقالي ربما لا يعرف جنسيتهما
وفي السياق، قال الكاتب والصحفي اليمني الموالي للمجلس الانتقالي، صلاح السقلدي إن الوفد الذي زار عدن والتقى بنائب رئيس الهيئة الإعلام الجنوبي بالانتقالي يتكون من شخصين هما: "الصحفي والباحث جوناثان سباير، بريطاني إسرائيلي وصحفي وباحث آخر هو مايكل روبين، أمريكي الجنسية"، مضيفا أن كليهما يعملان بمعهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومعهد دراسات أمريكي تأسس منتصف القرن الماضي ويخدم السياسة الأمريكية بدرجة أساسية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتابع السقلدي في حديث لـ"عربي21" أن زيارتهما لعدن بصفتهما المذكورة، أي ضمن طاقم المعهد واهتمامهم باليمن بل واهتمام المعهد الذي يعملان له بالشأن اليمني.
وبحسب الصحفي ذاته فإن الزيارة التي قاما بها إلى عدن ليس اهتماما بالانتقالي والقضية الجنوبي أو التطبيع مع إسرائيل كما يروج له البعض ـ بل لأهمية اليمن أمنيا وجغرافيا بالوقت الراهن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وضرورة التصدي للحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر.
وأشار إلى أن تصريحات هذا الوفد أكدت أن المجلس الانتقالي هو القوة الوحيدة الجادة لمحاربة الحوثيين فيما الشرعية موجودة على الورق فقط، وقالا إن الشرعية لو خُيرت بين سيطرة الحوثيين والقاعدة على جنوب اليمن أو سيطرة الانتقالي لفضلت سيطرة القاعدة والحوثيين، بحسب ذلك الصحفي الباحث.
وقال الكاتب والصحفي الموالي للانتقالي إن استقبال المجلس الانتقالي لهذا الوفد لا اعتقد أنه تم على أنه وفد صهيوني، وربما والله أعلم أن الانتقالي لا يعلم بجنسيتهما أصلا.
وأكد السقلدي أنه لو كان لدينا أدنى معلومة أن الانتقالي يسعى للتطبيع مع الصهاينة سواء بتنسيق إماراتي أو غيره أو كانت زيارة هؤلاء لعدن بصفتهما صهاينة "سنتصدى له بكل ما هو متاح لدينا".
ومضى قائلا : "فالقضية الفلسطينية تظل هي قضية كل العرب الشرفاء والأحرار حتى ينال الشعب الفلسطيني استقلاله"، موضحا أن أي تطبيع لن ننظر إليه إلا أنه "خيانة سياسية ووطنية وأخلاقية".
سابقة وتطور ذات دلالات
من جانبه، قال الباحث اليمني في العلاقات والقانون الدولي، عبدالله الهندي إن زيارة الوفد الإسرائيلي ـ إن صحت الأقوال عنها ـ تشكل سابقة خطيرة تفتح الباب لمساءلة علاقة المجلس الانتقالي بالقضايا العربية عموماً، وعمادها القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل ما يعتمل اليوم في فلسطين المحتلة.
وأضاف الهندي في حديثه لـ"عربي21" أن المتتبع لخطاب الانتقالي يلحظ بوضوح أن المجلس لا يتعامل مع فلسطين كجزء من هويته السياسية أو أولوياته الوطنية، بل يضعها في الهامش تحت سقف ما تسمح به إمكانيات تحالفاته الخارجية.
وتابع بأن بوصلة تحركاته محكومة حصراً بمشروع الانفصال، وهو ما جعله أقرب إلى محور التطبيع الإماراتي ـ الإسرائيلي منه إلى الموقف الشعبي التقليدي المتعاطف مع فلسطين.
وقد عبّر بعض قادته صراحة عن هذا التوجه، مثل هاني بن بريك الذي لمّح سابقاً إلى أن خيار التطبيع مع إسرائيل ليس مستبعداً، وفق المتحدث ذاته.
وأشار الباحث اليمني في العلاقات الدولية إلى أنه ما يلحظ من أسماء أعضاء الوفد الصحفي أنهم كانوا يحملون الجنسية البريطانية ويتبعون لمنتدى الشرق الأوسط، الأمر الذي يفتح فرضية مغايرة؛ وهي أن الزيارة ربما لم يكن هدفها المباشر التطبيع بقدر ما كانت محاولة لـ إشاعة القضية الجنوبية في الأوساط البحثية والإعلامية الغربية عبر هذه القناة.
وقال، غير أن مجرد السماح لشخصية مثل الصحفي الإسرائيلي جوناثان سباير بالدخول إلى عدن، ثم نشره مقالاً في جيروزاليم بوست عن زيارته، يظل تطورا ذا دلالات عميقة، خصوصا إذا قورن بالبيئة اليمنية التقليدية الرافضة لأي شكل من أشكال الانفتاح على إسرائيل.
ويمكن القول بحسب الكاتب والباحث اليمني فإن التنسيق الذي جرى مع هذا الفريق الصحفي ـ سواء جاء برغبة ذاتية من الانتقالي أو بضغط من داعميه في أبوظبي ـ هو "يشكل اختبارا علنيا اليوم لموقف الانتقالي الموارب من القضية الفلسطينية"، مؤكدا أن هذا الموقف الذي يمنح خصومه، وعلى رأسهم الحوثيون، ورقة سياسية وإعلامية قوية لتقديم أنفسهم كحماة لفلسطين في مقابل تهميش الانتقالي لها.
ولفت إلى أن هذا ما ينبغي أن تستوعبه قيادة المجلس الانتقالي، وألا تنساب أو تتساهل مع إمكانية حدوث تطورات من هذا النوع دون أن يكون لها موقف معلن وواضح من القضية الفلسطينية، أو على الأقل اعتذار صريح عمّا حصل إذا جرى دون معرفتها المسبقة بماهية أعضاء الوفد.
الباحث اليمني في العلاقات الدولية، ختم حديثه بالقول إن الصمت أو المواربة في مثل هذه القضايا لا يضر بصورة المجلس فقط، بل يضعف مشروعيته الأخلاقية أمام الداخل اليمني، ويمنح خصومه أوراق ضغط إضافية، وهو ما يضع الانتقالي في موقف يستوجب التوضيح عما حصل".
ولم يصدر أي تعليق من أي مستوى في الحكومة المعترف بها دوليا أو مجلس القيادة الرئاسي بشأن هذه الزيارة والتقارير التي نشرها الصحفي "سباير" والباحث الأمريكي "روبين"، والتي تهاجم الحكومة بشدة وتتهم رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي بالتماهي والتواطؤ مع الحوثيين.
وفي أغسطس/ آب 2020، أعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي، هاني بن بريك، استعداده لزيارة الأراضي المحتلة.
وكتب ابن بريك على "إكس" فور إعلان اتفاق التطبيع بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي: "إذا فتحت تل أبيب أبوابها، فسوف أزور إخواننا اليهود اليمنيين في منازلهم في إسرائيل، وأذهب للصلاة في المسجد الأقصى".