قضايا وآراء

‫ التطبيع في زمن الإبادة: 5 سنوات على اتفاقيات "أبراهام"

"صُممت اتفاقيات أبراهام لتهميش القضية الفلسطينية"- الأناضول
يصادف مرور 5 سنوات على ما أطلق عليه اتفاقيات "أبراهام" تمام الإبادة الجماعية في غزة عامها الثاني، وهو ما يستدعي فهم تأثير حرب غزة على هذه الاتفاقيات، وهل كانت مجرد مصادفة أن يتم ضرب قطر 9 أيلول/ سبتمبر الجاري بمناسبة مرور 5 سنوات على اتفاقات التطبيع بين الكيان الصهيوني وكل من الإمارات والبحرين (15 أيلول/ سبتمبر)، والسودان (23 تشرين الأول/ أكتوبر)، والمغرب (10 /كانون الأول/ ديسمبر) من عام 2020؟

شكلت حرب غزة عام 2023 التحدي الأكبر لاتفاقيات التطبيع منذ توقيعها في عام 2020، وأضافت إليها ضربة قطر تحديات جديدة. وفي حين أن الصراع لم يعكس مسار التطبيع، إلا أنه أظهر حدود الاتفاقيات في توفير الأمن لدول المنطقة -خاصة في الخليج- وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووقف ضم الضفة، أو تحقيق الاستقرار الإقليمي المستدام.

ويمكن الإشارة إلى تأثير طوفان الأقصى عبر عدة مجالات رئيسية:
شكلت حرب غزة عام 2023 التحدي الأكبر لاتفاقيات التطبيع منذ توقيعها في عام 2020، وأضافت إليها ضربة قطر تحديات جديدة. وفي حين أن الصراع لم يعكس مسار التطبيع، إلا أنه أظهر حدود الاتفاقيات في توفير الأمن لدول المنطقة -خاصة في الخليج- وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ووقف ضم الضفة، أو تحقيق الاستقرار الإقليمي المستدام

1. تعطيل توسيع التطبيع: لقد عطلت الحرب بشدة جهود الولايات المتحدة لتوسيع الاتفاقيات، وخاصة من خلال إدخال المملكة العربية السعودية فيها.

ربما كانت هجمات حماس نفسها تهدف جزئيا إلى عرقلة التطبيع الوشيك بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وقد ردت المملكة على اندلاع الأعمال العدائية من إسرائيل باتخاذ خطوات واضحة، بما في ذلك تعليق محادثات التطبيع مع إسرائيل.

ومع ذلك، من المحتمل أيضا أن تمنح الحرب المملكة العربية السعودية نفوذا متزايدا في المناقشات المستقبلية، حيث ظلت تركز على التوصل إلى اتفاق، وربطته بمتطلب "مسار إلى دولة فلسطينية".

وعلى الرغم من التزام المملكة العربية السعودية بمبادرة السلام العربية وتفعيلها حل الدولتين الآن، إلا أن إمكانية التطبيع الأوسع تأثرت بشدة، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في كانون الأول/ ديسمبر 2023 أن 96 في المئة من المواطنين السعوديين يعارضون إقامة علاقات مع إسرائيل.

2. مرونة الاتفاقيات القائمة: لقد أثبتت العلاقات القائمة بموجب اتفاقيات أبراهام مرونتها، مما عزز فكرة أن علاقات دول الاتفاقية مع إسرائيل تتجاوز محنة الفلسطينيين.

لم تتجاوز الدول العربية التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل الإدانات الخطابية لأفعال إسرائيل، وقد عكس هذا الموقف التزامها المستمر بعلاقتهم معها. أصدرت الإمارات العربية المتحدة والبحرين في البداية إدانات رفيعة المستوى لأفعال حماس، وتحولت لاحقا إلى توبيخ أكثر حدة للانتقام الإسرائيلي.

في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023، أصدر الممثل الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة بيانا صارما، مشيرا إلى أن نهج إسرائيل "لا يعكس المسار الذي وقعنا عليه الاتفاقيات".

بعد الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة في 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، كان موقف كل من الإمارات والبحرين سريعا وحاسما في إدانة هذا الهجوم ورفضه. فقد أدانت دولة الإمارات الهجوم الإسرائيلي ووصفته بأنه "انتهاك صارخ لسيادة قطر". وقام رئيس الدولة محمد بن زايد بزيارة قطر في اليوم التالي للعدوان، وأكدت الإمارات تضامنها الكامل مع قطر ودعمها لأي إجراءات تتخذها لحماية أمنها وسيادتها. كما استدعت الإمارات نائب السفير الإسرائيلي لديها للتعبير عن إدانتها الرسمية للهجوم.

وأصدرت مملكة البحرين بيانا رسميا تدين فيه بشدة الهجوم، مؤكدة أنه يمثل انتهاكا للسيادة القطرية ومبادئ القانون الدولي. كما أعلنت عن تضامنها الكامل مع دولة قطر في كل ما تتخذه من خطوات لحماية أمنها وسلامة أراضيها.

وعلى الرغم من هذه التصريحات الانتقادية، فإنها لم تصل إلى حد عكس العلاقة أو التأثير على العلاقات التجارية والأمنية الجارية.

3. استمرار ونمو العلاقات الاقتصادية والأمنية: استمر التعاون الاقتصادي والعسكري بين إسرائيل والدول المطبعة إلى حد كبير، وفي بعض المجالات، تسارع حتى على الرغم من الحرب.

فقد شهدت صادرات الدفاع الإسرائيلية إلى الدول المطبعة زيادة ملحوظة بعد بدء الحرب، وارتفعت حصة صادرات الدفاع من 3 في المئة فقط من إجمالي صادرات السلاح الإسرائيلي في عام 2023؛ إلى 12 في المئة في عام 2024، مسجلة رقما قياسيا بلغ 14.8 مليار دولار.

اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، التي دخلت حيز التنفيذ في نيسان/ أبريل 2023، أدت بالفعل إلى زيادة كبيرة في حجم التجارة، من حوالي 200 مليون دولار في عام 2020 إلى أكثر من 3 مليارات دولار في عام 2024.

وأشارت البحرين بشكل ملحوظ إلى التزامها المستمر تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال كونها الدولة العربية الوحيدة التي انضمت إلى عملية حارس الرخاء (عملية متعددة الجنسيات تهدف إلى حماية السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر باتجاه إسرائيل من هجمات الحوثيين)، على الرغم من أن العديد من الدول العربية أدركت البعد التحريضي للانضمام إلى تحالف يعمل على حماية اقتصاد إسرائيل.

4. التأثير على الرأي العام والاستجابة المدنية: لقد أدت محرقة غزة إلى إضعاف الدعم الشعبي للتطبيع بشكل كبير، وأعادت تنشيط المشاعر المعادية لإسرائيل في جميع أنحاء العالم العربي.

يبدو أن حسن النية التي سعت الاتفاقيات لخلقه تجاه إسرائيل تبدد بسرعة في جميع أنحاء العالم العربي، مما دفع صورة إسرائيل إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وأثارت الحرب موجات متجددة من الاحتجاجات والمقاطعات الجماعية للشركات التي تدعم إسرائيل في جميع أنحاء العالم العربي، ولوحظت المقاطعة حتى بين الطبقات النخبوية التي كانت في السابق الأكثر تقبلا للتطبيع. وفي الدول التي تُحظر فيها الاحتجاجات؛ عكست المحادثات الخاصة وقنوات التواصل الاجتماعي إدانة واسعة النطاق لإسرائيل، وأظهرت بيانات استطلاعات الرأي المتعددة أن أي قبول عام متبقٍ للعلاقات يتضاءل بسرعة. تشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أن الآراء الإيجابية بشأن الاتفاقيات بين المواطنين في المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة تراجعت بعد قصف إسرائيل لغزة عام 2021، وكذلك بعد حرب عام 2023، مما أدى إلى زيادة الدعم لحماس ومقاطعة الشركات المرتبطة بإسرائيل.

5. الآثار السياسية طويلة المدى: غذت الحرب دعوات متجددة من جانب المسؤولين العرب والغربيين لإحياء حل الدولتين، على الرغم من أن حجم الدمار الهائل في غزة وتوسع الاستيطان في الضفة جعلا هذا الاحتمال يبدو مستحيلا.

وعلى الرغم من إدانة الدول المطبعة لإسرائيل، إلا أنها سعت إلى حد كبير إلى تحقيق التوازن بين علاقاتها المتطورة مع إسرائيل واهتمامها المتزايد بتجنب المواجهة مع القوى الإقليمية الأخرى مثل إيران.

وفي حين أن التهديد المشترك من إيران حفز التعاون في البداية، فإن بعض دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تسعى أيضا إلى خفض التصعيد مع طهران، مما يمنع الاتفاقيات من أن تصبح تحالفا صريحا ضد إيران. وتحرص دول الخليج على موازنة علاقاتها مع إسرائيل وإيران، إلا أن ضرب قطر قد دفع المخاوف من إسرائيل إلى مستويات قياسية.

إسرائيل: استراتيجية أمن جديدة

أقنعت أحداث السابع من /تشرين الأول/ أكتوبر 2023 صناع القرار الإسرائيليين بالتخلي عن نماذج الأمن القديمة؛ لصالح استراتيجية جديدة تتضمن استخداما أكثر استباقية للقوة العسكرية لتشكيل نظام إقليمي جديد.

لقد اختبرت نظرية الأمن الإسرائيلية والإجراءات المرتبطة بها في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر اتفاقيات التطبيع بشكل كبير، مما أدى إلى تباطؤ مؤقت في جهود التوسع وتحويل الحسابات الاستراتيجية للدول الموقعة، على الرغم من أن العلاقات الأمنية والاقتصادية الأساسية صمدت إلى حد كبير.

إن النهج الأمني الإسرائيلي بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وخاصة كما عبر عنه رئيس الوزراء نتنياهو، يركز على القوة العسكرية والاعتماد على الذات، وهو ما له تداعيات مباشرة على جهود التكامل الإقليمي التي تأسست عليها اتفاقيات التطبيع.

بعد الطوفان، تحول الخطاب الأمني الإسرائيلي، حيث تحدث نتنياهو علنا عن تحول إسرائيل إلى "إسبرطة عظمى". يعكس هذا الإعلان اعترافا بالعزلة الدولية المتزايدة التي تعاني منها إسرائيل والإمكانات المتزايدة لفرض حظر على الأسلحة أو عقوبات في المستقبل.

وتؤكد هذه الفلسفة الأمنية على الحاجة إلى اقتصاد يعتمد على الذات في إنتاج الأسلحة والحفاظ على أمنه من خلال القوة الساحقة. هذا المسار، الذي يعتمد فقط على "السيف"، يحمل "بذور زواله".

وفيما يتعلق بالصراع، تعارض الحكومة الإسرائيلية الحالية السماح للسلطة الفلسطينية بدخول غزة أو إزاحة حماس من خلال أي كيان فلسطيني آخر. تقترح خطة نتنياهو لما بعد الحرب إرساء سيطرة أمنية إسرائيلية ومنح الجيش الإسرائيلي "حرية غير محدودة" للعمل في غزة، بالإضافة إلى تسهيل التهجير القسري.

لقد أثرت نظرية الأمن التي تركز على العمل العسكري الأحادي الجانب بشكل مباشر على التطبيع بعدة طرق؛ أبرزها: تزايد الشعور بالتهديد الإسرائيلي.

لقد عززت الإجراءات الإسرائيلية في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التصور بين حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين بأن إسرائيل تشكل الآن تهديدا كبيرا للسلام والأمن في الشرق الأوسط، على الأقل مثل إيران. هذا التحول في التصور بين الحلفاء الرئيسيين يقوض بشكل كبير الجهود الأمريكية الرامية إلى دمج إسرائيل في المنطقة.

إن الإجراءات الإسرائيلية، بما في ذلك ضرب قطر مؤخرا هزت الخليج، وتسببت في تساؤل دول مجلس التعاون الخليجي عن مستقبل الترتيبات الأمنية الإقليمية.

في حين أن عملية التطبيع، وخاصة التوسع، قد تم تجميدها وانخفضت المشاعر العامة، لا تزال علاقات التطبيع الأساسية بين إسرائيل والدولة المطبعة مدفوعة بالمصالح الأمنية والاقتصادية التي تتجاوز محنة الفلسطينيين

إن حالة عدم اليقين الناتجة عن الموقف الأمني العدواني لإسرائيل دفعت دول الخليج إلى إعادة النظر في اعتمادها على شركاء الأمن الخارجيين. وساهم هذا في تعزيز زخم تطوير قدرات التنسيق الأمني بين دول الخليج، وكذلك توقيع المملكة العربية السعودية وباكستان اتفاقية أمنية مشتركة تنص على أن أي عدوان على أحدهما هو عدوان على كليهما. وهذا يُحوّل علاقتهما الأمنية من غموض خفي إلى إعلان علني.

لقد صُممت اتفاقيات أبراهام لتهميش القضية الفلسطينية، ولهذا السبب أثبتت قدرتها على الصمود حتى في مواجهة الحملات الإسرائيلية المدمرة في غزة.

لا يزال الجانب الأمني للاتفاقات قويا بالنسبة لبعض الموقعين. على سبيل المثال، عزز المغرب علاقاته العسكرية والاستخباراتية مع إسرائيل، وزاد من مشترياته من أنظمة الأسلحة الإسرائيلية (مثل طائرات هيرون المسيرة، وقبة سكاي لوك، وأنظمة صواريخ باراك إم إكس) بسبب المخاوف بشأن جبهة البوليساريو.

باختصار، في حين أن عملية التطبيع، وخاصة التوسع، قد تم تجميدها وانخفضت المشاعر العامة، لا تزال علاقات التطبيع الأساسية بين إسرائيل والدولة المطبعة مدفوعة بالمصالح الأمنية والاقتصادية التي تتجاوز محنة الفلسطينيين.

إن طبيعة نظرية الأمن الإسرائيلية بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر -والتي اتسمت بالاعتماد على القوة ورفض التسوية السياسية- يُنظر إليها الآن من قبل بعض الشركاء الإقليميين على أنها مصدر للتهديد ولعدم الاستقرار، مما يُعقد جهود الولايات المتحدة لتحقيق تكامل إقليمي أعمق.

وفي الختام، من المتوقع أن تستمر اتفاقيات أبراهام، وربما تتوسع، مدفوعة بالمصالح الاستراتيجية والاقتصادية. ومع ذلك، فإن استقرارها على المدى الطويل وقدرتها على المساهمة في السلام الإقليمي موضع تساؤل بسبب القيود المتأصلة فيها في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والمعارضة المستمرة والواسعة النطاق بين السكان العرب.

أثبتت الاتفاقيات مرونتها لأنها "بُنيت، عن قصد، على استمرار تهميش الفلسطينيين وعزلهم". هذه العلاقة الدائمة تعود بالنفع على كل من إسرائيل (من خلال تعميق العلاقات مع العالم العربي) وبعض قادة الدول المطبعة (من خلال تأمين الأدوات التكنولوجية والعسكرية من إسرائيل والولايات المتحدة). لكن يرى الموقعون على الاتفاقيات أنها بمثابة بوابة للازدهار الاقتصادي، وتعزيز ريادة الأعمال، ونقل التكنولوجيا، والتوافق مع خطط التنمية طويلة الأجل.