سياسة دولية

باريس في أزمة مفتوحة.. حكومات تنهار واحتجاجات تعصف بالشارع الفرنسي

إخفاق الحكومة الجديدة في تمرير الميزانية قد يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة -
دخلت فرنسا مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب السياسي والاقتصادي، وسط تحذيرات من تحولها إلى "رجل أوروبا المريض الجديد"، بعد سلسلة من الأزمات التي أطاحت بعدة حكومات وأضعفت مكانة الرئيس إيمانويل ماكرون داخليًا وخارجيًا.

وذكر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في باريس هيو سكوفيلد أن فرنسا شهدت في أقل من عامين تعاقب خمسة رؤساء وزراء، كان آخرهم فرانسوا بايرو الذي أجبر على الاستقالة إثر خسارته تصويتا على الثقة داخل البرلمان، حيث يعكس هذا المشهد المأزق الذي يواجهه النظام السياسي، حيث يقف البرلمان الحالي منقسما بين اليمين المتطرف واليسار والوسط، دون أي كتلة قادرة على تمرير ميزانية الدولة.

وتتزامن الأزمة السياسية مع تحديات اقتصادية متفاقمة، إذ تقدر خدمة الدين العام الفرنسي هذا العام بنحو 67 مليار يورو، وهو رقم يتجاوز مخصصات معظم الوزارات، فيما توقعت تقديرات حكومية أن تقفز الكلفة إلى 100 مليار يورو سنويا مع نهاية العقد، وقد زادت الضغوط المالية بعد أن خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لفرنسا، ما يرفع تكلفة الاقتراض الحكومي.

وتشهد الشوارع الفرنسية حالة غليان، حيث دعت النقابات العمالية والأحزاب المعارضة إلى إضرابات عامة ومظاهرات حاشدة احتجاجًا على خطط الحكومة للتقشف وإعادة هيكلة الإنفاق، بينما حذرت أوساط اقتصادية من أن استمرار الأزمة قد يفتح الباب أمام تدخل صندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي لإنقاذ الاقتصاد.

وفي ظل هذه التطورات، عين ماكرون وزير الدفاع السابق سيباستيان ليكورنو رئيسًا جديدًا للوزراء، في محاولة لاحتواء التصدعات، لكن خبراء يرون أن مهمته شبه مستحيلة، إذ يواجه ضغوطًا من اليسار لزيادة الضرائب على الأثرياء، ومن اليمين لرفض أي تراجع عن إصلاحات التقاعد، بحسب الـ "بي بي سي".

وأضاف سكوفيلد أن محللون سياسيون حذروا من أن إخفاق الحكومة الجديدة في تمرير الميزانية قد يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة أخرى، وهو سيناريو قد يمنح فرصة غير مسبوقة لليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان للوصول إلى السلطة.

وقال مدير معهد التمويل العالي في باريس الخبير الاقتصادي فيليب ديسيرتين: "لا يمكننا أن نتجاهل فرضية تدخل صندوق النقد الدولي، بالطريقة التي يفعلها السياسيون".

وأضاف : "كأننا على سد صخري. يبدو متيناً بما يكفي. الجميع يقف عليه، ويؤكدون لنا أنه متين. لكنه يتآكل تحت الماء، حتى يأتي ذلك اليوم وينهار كل شيء فجأة. للأسف، هذا ما سيحدث إذا بقينا لا نفعل شيئاً".

وفي الوقت الذي يؤكد فيه ماكرون أن بلاده ما زالت قادرة على الصمود بفضل بنيتها الاقتصادية المتينة ومؤسساتها الراسخة، يرى مراقبون أن فرنسا تمر بمرحلة فارقة قد تحدد مستقبلها السياسي والاقتصادي لعقود قادمة.