سياسة دولية

سقوط حكومة بايرو | القصة الكاملة للأزمة السياسية والاقتصادية بفرنسا

فرنسا على شفا أزمة اقتصادية مزدوجة.. هل تعود حركة "السترات الصفراء" من جديد؟ - جيتي
صوّت البرلمان الفرنسي، الاثنين، على إسقاط حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، ما أفضى إلى تفاقم الأزمة السياسية في البلاد، وألقى على عاتق الرئيس إيمانويل ماكرون مهمة اختيار خامس رئيس وزراء في أقل من عامين.

ويأتي هذا التطور بعد تسعة أشهر فقط من تولي بايرو منصبه، البالغ من العمر 74 عامًا، ما يعكس هشاشة الاستقرار الحكومي والضغط المستمر على القيادة الفرنسية في مواجهة اقتصاد مثقل بالديون.

وقال مكتب بايرو إنه سيقدم استقالته، لتبدأ مرحلة جديدة من التشاور السياسي الحاسم في باريس، وسط مؤشرات على قلق الأسواق المالية تجاه الأزمة المالية والسياسية المتزامنة.

أزمة سياسية متصاعدة
يواجه الرئيس ماكرون تحديًا مزدوجًا، إذ فقد ثاني رئيس وزراء منذ قراره المفاجئ بحل الجمعية الوطنية عام 2024، ما أغرق البلاد في مأزق سياسي ومالي دون أن يضمن له البرلمان الجديد أي غالبية واضحة.

وأفضت الانتخابات المبكرة إلى برلمان منقسم بين ثلاث كتل، هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون ‏واليمين المتطرف، لا يملك أي منها الغالبية المطلقة. 

ويضغط حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) نحو تنظيم انتخابات تشريعية جديدة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقدم مرشحي الحزب وحلفائهم بنسبة 33%، متفوقين على المعسكر الرئاسي واليسار، مما يزيد الضغط على ماكرون في تشكيل إدارة جديدة.

في الوقت ذاته، يستبعد الرئيس خيار حل الجمعية الوطنية مرة أخرى، فيما تشير أوساطه إلى عزمه التحرك سريعًا لتعيين رئيس وزراء جديد قادر على مواجهة التحديات المالية والاجتماعية المتفاقمة.

مؤخرا 

في كانون الأول/ ديسمبر 2024 سقطت حكومة ميشال بارنييه، بعد فشلها في اجتياز اختبار الثقة أمام البرلمان.

وبذلك أصبحت حكومة بارنييه الأقصر عمرا في تاريخ "الجمهورية الخامسة"، وأول حكومة تسقط منذ 1962، ‏وحول سقوطها ماكرون إلى بطة عرجاء بلا حكومة، ولا أغلبية برلمانية.

ماذا سيفعل ماكرون؟

 أعلن قصر الإليزيه الاثنين أن ماكرون سيُعيّن رئيس وزراء جديدا "خلال الأيام المقبلة".

وأفاد مكتب رئيس الوزراء فرانسوا بايرو بأن بايرو، الذي كان قد دعا إلى تصويت على منح الثقة، سيقدم استقالته صباح الثلاثاء.

هل يمكنه تجاهل البرلمان؟

نعم يمكنه ذلك، إذ لا يوجد في دستور 1958 ما يجبر الرئيس على تسمية رئيس الوزراء من التحالف الفائز في الانتخابات التشريعية، لكن التحالف قادر على عرقلة أو إسقاط أي حكومة لا تعجبه، غير أن رؤساء فرنسا دأبوا على أخذ توازن القوى في البرلمان بعين الاعتبار عند تكليف رئيس للوزراء بتشكيل حكومة، وهو ما لم يفعله ماكرون.

تحركات اجتماعية واحتجاجات وشيكة
تزداد خطورة المشهد السياسي أمام ماكرون في ظل تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله إلى السلطة عام 2017، حيث يعرب نحو 77% من الفرنسيين عن استيائهم من إدارة البلاد.

وبالإضافة إلى الأزمة السياسية والميزانية، تستعد فرنسا لموجة من التحركات الاحتجاجية، تبدأ بيوم اختبار أول يوم الأربعاء القادم، بدعوات من حركات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "لنعرقل كل شيء"، مدعومة ببعض النقابات واليسار الراديكالي.



كما دعت النقابات إلى يوم إضراب وتظاهرات في 18 أيلول/سبتمبر الجاري، احتجاجًا على السياسات الحكومية ومشروع ميزانية بايرو. ويبدو أن هذه التحركات الاجتماعية ليست مجرد أزمة داخلية، بل تمتد تداعياتها إلى منطقة اليورو، نظرًا لأن فرنسا تشكل ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

الدين العام وخطة التقشف
تواجه فرنسا تحديات مالية مركبة، إذ بلغ الدين العام نحو 114% من الناتج المحلي، فيما تبلغ خطة ترشيد النفقات المقترحة 44 مليار يورو، وهو مبلغ لا يبدو كافيًا لمعالجة أزمات متراكمة ومعقدة. 

وفي خطابه أمام البرلمان، وصف بايرو الوضع بـ"الاختبار الحقيقي"، مؤكدًا ضرورة خفض الدين قبل تصويت النواب المتوقع على حجب الثقة.

وقال بايرو إن "مستقبل البلاد على المحك" بسبب الديون المفرطة، مضيفًا: "بلادنا تعمل وتظن أنها تزداد غنى، لكنها في الواقع تزداد فقراً كل عام. إنه نزيف صامت وباطني".



وأوضح رئيس الوزراء: "لديكم القدرة على إطاحة الحكومة، ولكنكم لا تملكون القدرة على محو الواقع"، مشبهاً عبء الدين بالقوة العسكرية التي تحد من الحرية.

تواجه الحكومة المقبلة مهمة صعبة في ظل تمسك الأحزاب بخطوط حمراء تجعل تشكيل ائتلاف دائم ومستقر شبه مستحيل.

ويُتداول عدة أسماء لرئاسة الحكومة الجديدة، من بينهم وزراء الاقتصاد والعدل والجيوش، مع التركيز على اختيار شخصية يمكنها إدارة أزمة الدين العام وتحقيق استقرار نسبي للأسواق.