نشرت صحيفة "
لاكروا" الفرنسية تقريرًا
استعرضت من خلاله الوضع على خطوط الجبهة في
مأرب وبعض تفاصيل حياة الجنود اليومية
مثل صمودهم ومعاناتهم في مواجهة حرب استنزافية دامت أكثر من عقد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن
الجيش اليمني يواجه تحديات كبيرة على الأرض، بدءًا من
الهجمات المتكررة بالطائرات المسيرة مرورًا بالضغوط السياسية الإقليمية ووصولًا
إلى النقص في الموارد والتسليح.
وتضيف الصحيفة أنه في شمال غرب مأرب، يُحافظ
الجيش الوطني اليمني بصعوبة على خطوط المواجهة مع
الحوثيين؛ حيث تعكس وجوه الجنود
تعب عشر سنوات من
الحرب واستنزافهم نتيجة الضربات المتكررة بالطائرات المسيرة
فضلاً عن شعورهم بالإحباط من التراجع التدريجي من قبل السعودية عن دعمهم المباشر.
عندما وطأت قدما مدير دائرة العمليات الحربية بوزارة
الدفاع اليمنية، العميد الركن يحيى عبدالله العيزري، إحدى المواقع التي ينتشر فيها
الجنود رفع نحو مئة عنصر من الجنود المرتدين الزي العسكري والمسلحين بالكلاشينكوف
أسلحتهم تحية له بمناسبة قدومه لتفقد صفوف اللواء الثاني والسبعين، المتمركز في
حفرة محمية بتلال عالية من الصخور البنية.
وحفر الجيش الوطني اليمني شبكة معقدة من الأنفاق
تحسبًا لضربات الطائرات المسيرة التابعة للحوثيين. وعلى المرتفعات، يواصل الحراس
مراقبة السماء بعين يقظة، بينما يؤكد العيزري على الدور الحيوي لجنوده في الدفاع
عن "اليمن الحر" وعلى الجرائم التي ارتكبها أعداؤهم.
وبينما يقوم العيزري بجولته سقط شاب على الأرض
مصاباً بدوار شديد وسُحب فاقداً للوعي نحو نقطة مظللة. تعكس وجوه الجنود حال
اللواء الحالي: قدامى محاربون منهكون بعد عشر سنوات من القتال وصغار السنّ وجوههم
لا تزال طفولية. ومع محاولة استجماع الشجاعة، يهتف الجنود بحماس: "بروحنا ودمنا،
نفديك يا يمن". وفي لحظة خاطفة، قاد القائد الشهير للواء خالد الجماعي، جنوده
للاختباء داخل كهوف الجبل، كما لو ابتلعتهم الأرض نفسها.
لن يبقى يحيى العيزري طويلاً مكشوفًا في خط
المواجهة؛ فقبل أسبوعين، فقد العقيد خالد مثنى، رئيس أركان منطقة مأرب الجنوبية،
حياته في غارة حوثية أثناء تفقده قواته في تذكير صارخ بمدى هشاشة الحياة على هذه
الجبهات.
وفي غرفة عمليات مجهزة بشاشة عملاقة، يتفقد العيزري
خط الجبهة الواقع على بعد خمسة كيلومترات من القاعدة العسكرية. وفي بداية العام،
كان يأمل، مثل غيره من الضباط في التقدم نحو العاصمة صنعاء. ويقول بصراحة:
"كان هناك أمل، لكن في النهاية لم ترغب السعودية في خرق وقف إطلاق النار مع
الحوثيين، وهو وقف لا يلتزم به خصومنا؛ فقد شهدنا ما لا يقل عن 1200 اشتباك معهم
خلال العامين الماضيين".
ويرى العيزري أن الغارات الامريكية المكثفة كان من
الممكن أن تمثل تمهيدًا لنهاية المتمردين المدعومين من إيران، إلا أنه يؤكد أن كل
هذه الضربات تبقى بلا جدوى من دون هجوم بري مباشر. ويصرح قائلاً: "ضرباتهم لم
تقتل القادة الرئيسيين".
محاطًا برجاله، لا يخفي العيزري إحباطه وغضبه.
ويضيف: "لقد قدرنا الدعم السعودي منذ بداية الحرب في 2015، لكنه اليوم أصبح
غير كافٍ إطلاقًا. ولا يرقى بالمرة إلى مستوى الدعم الإيراني للحوثيين. انظروا إلى
ترسانتهم: صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة، بينما نحن نفتقر لكل ذلك… السعوديون
لم يعد يقدمون سوى الذخائر ودفع الرواتب – وليس بشكل منتظم حتى – وحتى الدعم الجوي
اختفى".
جبل أسود
وذكرت الصحيفة أنه منذ الكشف عن الأخطاء في الغارات
السعودية التي أدت إلى سقوط عدد هائل من الضحايا المدنيين، قلّصت الرياض من حجم
مشاركتها في الحرب باليمن. كما أدت عزلة المملكة على الصعيد الدولي بعد
اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في تركيا أواخر 2018 الى تسريع انسحاب قواتها تدريجيًا
وتقليص الدعم المقدم للحكومة اليمنية.
واليوم، يفضّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،
الحفاظ على هذه "الهدنة الهشة" مع الحوثيين، التي تم التوصل إليها سنة
2022، دون التشاور مع الحليف اليمني، إضافة إلى محاولة إصلاح العلاقات مع إيران
عبر وساطة صينية.
وقبل أن يعود إلى مأرب؛ تقدّم العيزري نحو خط الجبهة
برفقة حراسه الشخصيين، وهم مجموعة من الشبان المسلّحين. من بينهم محمد، فتى لا
يتجاوز السادسة عشرة التحق بالخدمة ليتمكّن من إعالة أسرته.
وعلى قمة جبل أسود تختبئ دبابة تحت فتحة صخرية،
بينما يقف بعض الجنود وجوههم مغطاة بالغبار في مراقبة الأفق المفتوح. ويشير أحد
الجنود الناطقين بالإنجليزية إلى جبل أبيض بعيد قائلاً: "هناك يتواجد
الحوثيون. نحن مستمرون في القتال، وحتى الآن لم يهزمونا".
وفي ختام التقريرژ نوهت الصحيفة إلى أن حالة الجيش
اليمني والوضع القائم يفتح الباب للتساؤل عن مدى استمرار هذا الصمود.