مقالات مختارة

إسبانيا أكثر عروبة من العرب

الأناضول
في زمن الضياع والبؤس، الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية، لا يجب رمي اللوم والشجب على المسؤولين فقط من ملوك وزعماء، ووضع الشعوب في درجة الضحية، فالكل متهم بالأدلة القاطعة في جريمة “الصمت الرهيب” المخيم تجاه الجرائم المرتكبة في حق الفلسطينيين بالتضييع والتجويع والترويع.

في هذا الزمن الذي ما استشرفه أكثر المتشائمين في الأمة، ولا أكثر المتفائلين من الأعداء، صرنا مثل الغرقى، كلما لاح طيف قشه، وسط الأمواج، أردنا التشبث فيه، بالرغم من أن الموج الأزرق في عيوننا ينادينا ويدفعنا نحو الأعمق.

مِن قَطع بوليفيا لعلاقاتها بكل أشكالها مع الكيان الصهيوني إلى جرّه من جنوب إفريقيا إلى المحاكم الدولية، إلى مواقف النرويج وإيرلندا، تحولت بعض المواقف الإنسانية الراقية، التي لا يخاف فيها أصحابها لومة لائم حتى ولو كان الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إحراج مباشر لما تبقى من نخوة عربية وزعم بأننا خيرُ من على الأرض.

في كل هذا الضباب الكثيف ظهرت إسبانيا ببعض المواقف الحكومية والشعبية التي أخرجت القضية من بابها السياسي بالرغم من أن العلاقة بين البلد الأوروبي الجنوبي والكيان حاليا شبه مقطوعة، ومن بابها الأمني، بعد إلغاء صفقات سلاح متفق عليها قبل العدوان على غزة، وإنما إلى مجالات حياتية من رياضية وثقافية واجتماعية.
الجميل أن إسبانيا نصبت نفسها عدوة للعدوانيين الصهاينة

تصوروا أن تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي صدر في الساعات القليلة الماضية، وضع إسبانيا في المركز الأول عالميا، بعيدا وبكثير، عن بقية بلاد العالم، وهي تضم لاعبين قد يحصدون في السنوات القادمة كل ألقاب الريادة، وعلى رأسها كأس العالم في صائفة 2026 والكرات الذهبية لنجومها، ومع ذلك هدّدت الحكومة الإسبانية بالانسحاب، من كأس العالم المنتظرة بعد تسعة أشهر، إن تمكن منتخب الكيان الصهيوني من التأهل – محتمل جدا – للنهائيات، وهي طعنة غائرة في صدر الكيان، وموقف تضامني لا مثيل له بالنظر إلى قيمة اللعبة لدى الشعوب ومكان إجراء المنافسة في الولايات المتحدة الأمريكية ووزن المنتخب الإسباني ونجومه وقيمة أيضا إسبانيا، التي قدمت مبررها الذي لا أحد يمكنه التعليق عليه، وهو التناقض بين التعامل مع روسيا بحجة اعتدائها على أوكرانيا وحرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على شعب أعزل وقصفهم لخمس عواصم عالمية.

الجميل أن إسبانيا نصبت نفسها عدوة للعدوانيين الصهاينة، فقد انسحبت من تظاهرات فنية ذائعة الصيت ومن مسابقات إعلامية بمجرد مشاركة ما يسمى بإسرائيل، واستجابت لشعبها في العاصمة مدريد، فاضطر منظمو سباق دراجات “لا فويلتا” وهو أحد أشهر السباقات في العالم، إن لم يكن أكبرها، إلى إلغائه، بعد أن كان من المقرر أن يطوف في شوارع وسط مدريد، بما في السباق من صفقات إشهارية وبيع حقوق البث التلفزيوني. وهذا اعتراضا على مشاركة فريق إسرائيلي، كما تحولت مباراة جرت في بيلباو ضمن رابطة بطل أوربا أمام أرسنال الإنجليزي، مساء الثلاثاء إلى دعم باللافتات والهتافات سندا للفسطينيين.

يتباكى بعض العرب على ضياع الأندلس، ويتمنون لو بقيت قطعة من العالم العربي، فهل يحق لهم أن يذرفوا الآن دمعة على “أحلامهم” وهم يتابعون ما فعله بعض العرب، وما فعلته إسبانيا؟

الشروق الجزائرية