قال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن
الاحتلال ارتكب إبادة
جماعية بحق الفلسطينيين، وقام قادته الكبار بالتحريض على الأبادة، في أول تقرير
صادر عن الأمم المتحدة يقر بالإبادة الجماعية.
ووصف المجلس، في التحقيق الذي أجرته لجنة شكلها تتبع الأمم المتحدة،
بأنه أكثر استنتاج موثوق للمنظمة الأممية حتى الآن، وأن الاحتلال ارتكب أربع أفعال
إبادة جماعية في قطاع
غزة.
وتشمل هذه الأفعال: قتل الفلسطينيين في غزة،
وإلحاق أذى جسدي ونفسي خطير بهم، وتعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة يحسب أنها
تؤدي إلى تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل
المجموعة، وفقا لما ورد في التحقيق.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فقد استشهد
ما يقارب من 65 ألف فلسطيني منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر.
وقالت وزارة خارجية الاحتلال في بيان صدر
الثلاثاء: "ترفض إسرائيل بشكل قاطع التقرير المشوه والكاذب، وتدعو إلى
الإلغاء الفوري للجنة التحقيق".
وصدر التقرير عن اللجنة الدولية المستقلة لتقصي
الحقائق بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس المحتلة، وهذه اللجنة المستمرة في عملها حتى
الآن أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2021، وتترأسها نافي
بيلاي، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والقاضية السابقة
بالمحكمة الجنائية الدولية، والرئيسة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة
برواندا.
وقدمت اللجنة عدة أمثلة عن مدنيين فلسطينيين
وصحفيين وعاملين في قطاع الصحة والإغاثة الإنسانية جرى "استهدافهم بشكل
مباشر وقتلهم" في غزة، مشيرة إلى أن هذه الجرائم وقعت في منازل ومستشفيات ومدارس
ودور عبادة، سواء داخل المناطق الآمنة المعلنة أو خارجها.
واستشهد التقرير بحادثة استشهاد الطفلة هند رجب
5 أعوام وعدد من أفراد أسرتها في كانون الثاني/يناير 2024، باعتبارها مثالا
على إقدام قوات الاحتلال على قتل المدنيين رغم امتلاكها معرفة واضحة بوجود مدنيين
فلسطينيين على طرق الإجلاء وداخل المناطق الآمنة.
وجاء في التقرير: "لقد أطلقوا النار
وقتلوا مدنيين، بعضهم بمن فيهم أطفال كانوا يرفعون رايات بيضاء مرتجلة".
وأضاف: "بعض الأطفال، ومن بينهم رضع، أطلق عليهم الرصاص في الرأس على يد
قناصة.
بالإضافة إلى إطلاق النار على المدنيين، ذكرت
اللجنة في تقريرها أن قوات الاحتلال تعمدت قتل مدنيين فلسطينيين في غزة باستخدام
ذخائر واسعة التأثير تسببت في أعداد كبيرة من الشهداء.
وأشارت إلى أن هذه الذخائر استخدمت مع العلم
المسبق بأنها ستؤدي إلى مقتل مدنيين، وجاء في التقرير: "ضحايا القصف لم يستهدفوا
كأفراد مدنيين بشكل منفصل، بل استهدفوا جماعيا بسبب هويتهم كفلسطينيين".
وجاء فيه: "لقد استخدمت إسرائيل حرمان
الفلسطينيين من الضروريات الحياتية كسلاح، وذلك بقطع إمدادات المياه والغذاء
والكهرباء والوقود وسائر المواد الأساسية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية".
وفي آب/أغسطس، أعلنت لجنة مدعومة من الأمم
المتحدة حدوث مجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، مؤكدة أن أكثر من نصف
مليون شخص تضرروا منها.
وقال تحقيق الأمم المتحدة الصادر الثلاثاء إن
سماح الاحتلال بإدخال كمية محدودة من المساعدات إلى غزة ليس سوى واجهة لخداع
المجتمع الدولي، بينما يواصل فرض التجويع والظروف المعيشية اللاإنسانية على
الفلسطينيين.
كما أثار التحقيق تساؤلات بشأن أهداف عدوان
الاحتلال، مؤكدا أن "الاستهداف الواسع والمتعمد للأطفال الفلسطينيين"
دليل على أن العمليات العسكرية لا تنفذ فقط لهزيمة حماس، وإنما بهدف "تدمير
المجموعة الفلسطينية ماديا، عبر القضاء ليس فقط على أطفال الحاضر، بل على
إمكانية أن يكون لهم أطفال في المستقبل".
وأضاف التحقيق أن أطفال غزة يعانون نفسيا وجسديا،
ونقل عن أحد الأطباء قوله: "جوهر الطفولة قد دمر في غزة".
كما أشار إلى أن انتشار المجاعة جعل الأطفال
"غير قادرين على تطوير النطق أو بلوغ مراحل التطور اللغوي الطبيعية"،
وقد يواجهون مشكلات إدراكية طويلة الأمد.
وأكدت اللجنة أن الاحتلال رفض إدخال الحليب
الصناعي والأغذية الخاصة بالرضع إلى غزة، ما أدى إلى "تجويع حديثي الولادة
والأطفال الصغار". واعتبرت أن ذلك يشكل "دليلا قويا على نية تدمير
السكان".
وكشف التقرير أن قوات الاحتلال "ارتكبت
أعمال عنف جنسي قائمة على النوع الاجتماعي"، بما في ذلك "الاغتصاب،
والتعذيب الجنسي، وأشكال أخرى من العنف الجنسي، ليس فقط كعقاب فردي، بل كجزء من
نمط من العقاب الجماعي يهدف إلى تفتيت الفلسطينيين وإذلالهم وإخضاعهم ككل".
وقالت اللجنة إن ذلك "يتجلى من خلال
المحتوى الذي نشره جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهروا
بوضوح أنفسهم وهم يرتكبون أفعالا تهدف إلى نزع إنسانية الفلسطينيين".
وأشار التحقيق إلى أنه استمع إلى العديد من
الفلسطينيين الذين قالوا إنهم تعرضوا لعنف جنسي قائم على النوع الاجتماعي أثناء
الاحتجاز، بما في ذلك شهادة أحد المعتقلين الذي قال إنه تعرض لضرب مبرح على
أعضائه التناسلية حتى فقد وعيه.
واتهم التقرير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو، والرئيس إسحق هرتسوغ، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بالتحريض على
الإبادة الجماعية.
وجاء فيه: "منذ السابع من أكتوبر/تشرين
الأول 2023، أدلى مسؤولون إسرائيليون بتصريحات تشير إلى نيتهم تدمير الفلسطينيين
في غزة كجماعة".
وأضاف: "إن القادة السياسيين والعسكريين
الإسرائيليين هم ممثلون عن دولة إسرائيل، وبالتالي فإن أفعالهم تنسب إلى الدولة
نفسها"، مشيرا إلى أن "السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية
كانت ولا تزال تحمل نية إبادة جماعية لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كليا أو
جزئيا".
وفي بيان صحفي نشر إلى جانب التقرير، دعت
اللجنة المجتمع الدولي إلى "استخدام كل الوسائل المتاحة بشكل معقول لمنع
ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة".
وجاء في البيان: "إن الإبادة في غزة تتكشف
في الزمن الحقيقي، الواجب القانوني والأخلاقي والسياسي للدول واضح، على العالم أن
يتحرك الآن لوقف القتل، وحماية الشعب الفلسطيني، والوفاء بالتزاماته في منع جريمة
الإبادة ومعاقبة مرتكبيها".