سياسة دولية

مثقفان اسرائيليان: هل بقيت هناك كلمات لوصف الفظاعة التي نلحقها بغزة؟

نعوم: أدركت أنه يجب عليّ المقاومة فجرائم بهذا الحجم تتطلب أفعالًا ملموسة- جيتي
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، مقالًا، أبرزت فيه موقف الناقد الموسيقي الإسرائيلي، نعوم بن زئيف، والمخرجة الإسرائيلية، يائيل بيرلوف، اللذين عبرا عن ارتباطهما العميق بفلسطين وسكانها. وبعد انتقالهما للعيش في فرنسا، وجّها دعوة للدول الأوروبية للتحرك من أجل إنقاذ غزة، معتبرين أنّ: "إنقاذ غزة يعني أيضًا إنقاذ إسرائيل".

وأوضحت الصحيفة، في المقال الذي ترجمته "عربي21" تجربة من يوصفون بالمثقفيْن الإسرائيلييْن في غزة، قبل نحو عشرين عامًا. ولحظة دخولهما شارع عمر المختار ورؤيتهما لسينما النصر بعد أن أُحرقت، وما أثارته تلك المشاهد من قلق وخوف لديهما.

"تعالوا وانظروا، لقد احترقت السينما!"
قال نعوم: "سمعت اسمي يتردد من طرف إلى آخر في الشارع، فرفعت بصري بقلق شديد. لم يكن قلقًا عاديًا، فنحن لم نكن في شارع عادي ولا في مدينة عادية، بل في شارع عمر المختار، وهو الشريان الرئيسي لمدينة غزة القديمة. والصوت الذي ناداني من بعيد، صوت مرتجف بعد رؤية المبنى المتفحم، سينما النصر الشهيرة وقد صارت رمادًا".

وتابع: "كان صوت زوجتي يائيل. لم أعد أسمع ضجيج الشارع من حولي: الكلمات التي نطقتها بالعبري، تلك اللغة الغائبة عن أصوات المدينة منذ سنوات، دوّت في أذني كالصاعقة"، مردفا: "كان ذلك قبل عشرين عامًا".

وأبرز: "في عام 2005، كنا الزوجين الإسرائيليين الوحيدين هناك: زوجتي يائيل، التي رافقتني كمصوّرة، وأنا صحفي في صحيفة هآرتس جئت لتغطية الحياة الموسيقية في غزة إلى جانب منظمة بلجيكية غير حكومية هي صندوق الموسيقى بقيادة لوكاس بيرون".

عند أحد الحواجز، وبنبرة صارمة، حذرنا الشرطي قائلاً: "هل أنتما متزوجان؟ هل لديكما أطفال؟ من الجنون أن تذهبا إلى مكان خطر كهذا!، فأجابته يائيل: ولِمَ، هل سبق لك أن ذهبت؟ لكنه لم يرد".

استقبال بالترحاب
أضاف نعوم أنّ: يائيل زوجته وجّهت عدستها تجاه ما حولنا: الممر القاتم بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وغزة، بمكبراته التي تبث أوامر من فوق؛ والحقول الخصبة المترامية خلف المدينة؛ والشاطئ؛ وصديقاتها الغزّيات الجديدات. كانت تردد طوال اليوم: "أشعر أن عليّ أن ألتقط هذه الصور خلسة. لماذا هذا الإحساس بالذنب؟ ربما لأنني أستطيع المغادرة، بينما الآخرون عالقون هنا للأبد؟".

وفي تلك اللحظة، أشارت بيدها إلى مبنى السينما المتفحم، بالقول: "إنه نذير شؤم. لقد أحرقوا أعز ما أملك في العالم، السينما". فيما تابع نعوم: "لقد أحببنا غزة وأهلها، ومنذ الحصار والاعتداءات الدموية الإسرائيلية التي تلت، لم يعد بوسعنا إلا متابعة مأساتهم من بعيد، نواسِي بعضنا على الصمود".

وأكّد: "اليوم، هل ما زالت هناك كلمات تصف الفظاعة التي نلحقها بغزة؟ يقال إن الموسيقى تبدأ حيث تتوقف الكلمات. وربما هذه الجرائم بحق شعب بأكمله جرائم يصفها القانونيون بأنها إبادة جماعية، ولكنها قد تجاوزت قدرة الكلمات على التعبير".

وقال نعوم: "بالنسبة لي، أدركت أنه يجب عليّ المقاومة، فجرائم بهذا الحجم تتطلب أفعالًا ملموسة. لا أستطيع، كما يفعل بعض الإسرائيليين الشجعان المذهلين، أن أقف إلى جانب أصدقائي الفلسطينيين لأدافع عنهم ضد عنف عصابات المستوطنين، أو أن أرافق أطفالهم إلى المدرسة".

واختتم نعوم بالقول: إن الطريق الوحيد المتاح لي للمقاومة هو المنفى، فأدرتُ ظهري لبلدي؛ حيث أرفض أن أكون شريكًا، حتى بصمت، فيما يُرتكب باسمي. لا أملك جواز سفر أوروبيًا، وجنسيتي الوحيدة إسرائيلية. ومع ذلك، استقبلتني فرنسا بحفاوة منذ عام، وبذلت السلطات وجيراني الجدد كل ما بوسعهم لأشعر وكأنني في وطني.