صحافة دولية

لوبوان: المخابرات البريطانية تكشف تفاصيل عملها ضد إيران

عمليات ضد إيران أطلق عليها أسماء فواكه وتوابل- جيتي
سلطت مجلة "لوبوان" الفرنسية الضوء على تقرير برلماني بريطاني مطوّل يكشف تفاصيلًا غير مسبوقة حول أساليب عمل أجهزة الاستخبارات البريطانية في مواجهة التهديدات الإيرانية.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التقرير لم يكتفِ باستعراض العمليات السرية التي استهدفت طهران خلال السنوات الماضية، بل تضمن أيضًا انتقادات مباشرة لسياسات الحكومة البريطانية.

وفي تقرير مطوّل يتجاوز 200 صفحة، كشف جهازا الاستخبارات البريطانيان "إم آي 6" و"إم آي 5" إضافة إلى المقر الرئيس للاتصالات الحكومية المسؤول عن التنصت والحرب الإلكترونية، عن سلسلة من العمليات السرية التي استهدفت إيران خلال السنوات الثلاث الماضية. وتكمن المفارقة في أن هذه المهمات حملت أسماء مستوحاة من الفواكه والخضروات والتوابل.

الهجوم المضاد
ذكرت المجلة أن لجنة الاستخبارات البرلمانية البريطانية - المماثلة في مهامها للجنة الاستخبارات في البرلمان الفرنسي - تعمدت إخفاء أسماء مصادرها وكذلك تفاصيل الأدوات والوسائل التي استخدمها عملاء الاستخبارات في مواجهة النظام الإيراني. مع ذلك، يورد التقرير كماً كبيراً من التفاصيل الدقيقة، من أبرزها الكشف عن عملية تحمل اسم "جونيبر"، استهدفت إحباط محاولة إيرانية للتأثير في الرأي العام داخل منطقة الشرق الأوسط، من دون أن يحدد التقرير الدول المستهدفة على وجه التحديد.

ويتناول التقرير البرلماني أيضًا عملية أخرى تحمل اسم "زعفران" نُفِّذت بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي تمكنت من القضاء تماماً على نشاط مجموعة  "معهد مابنا"، المؤلفة من نحو عشرة قراصنة إلكترونيين حاولوا استهداف بيانات جامعات أنغلو-ساكسونية وعدد من المؤسسات الأخرى. كما يشير التقرير إلى عملية أخرى تحمل اسم "كوكوم"، خُصصت للتصدي لمساعي الانتشار النووي، إضافة إلى عمليات أخرى وُجِّهت لإحباط محاولات طهران الالتفاف على العقوبات المالية المفروضة عليها.

ويكشف التقرير كذلك أن جهاز "إم إي 5" أنشأ قبل سنوات وحدة خاصة معنية بدراسة ومتابعة الوكلاء الإيرانيين، أي التنظيمات التي تديرها طهران بالوكالة مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، والذين ينشط بعضهم على الأراضي البريطانية.

الشبكات الإجرامية
بينت المجلة أن التقرير المبني على إفادات جهازي الاستخبارات جرى تنقيحه لحجب أدق التفاصيل المتعلقة بالتهديدات الإيرانية وسبل مواجهتها. لكن خلاصاته الأساسية جاءت واضحة لا لبس فيها، إذ يرسم صورة شاملة لحجم التهديد الإيراني على الأراضي البريطانية وضد مصالح بريطانيا في الشرق الأوسط.

ويتطرق التقرير إلى محاور رئيسية متوقعة مثل الملف النووي والهجمات السيبرانية وعمليات التجسس التي ينفذها النظام الإيراني، وقد وردت هذه العناصر موثقة بشكل واسع. لكنه يلفت أيضاً إلى أسلحة أقل شيوعاً يوظفها الإيرانيون، من بينها "الاستعانة بشبكات إجرامية وتنظيمات مسلّحة لتنفيذ أعمال عدائية، بما يقلّل من خطر الرد المباشر، غير أنّ السيطرة غير المباشرة تنطوي على احتمال تصعيد خارج عن السيطرة".

ترى أجهزة الاستخبارات البريطانية أن "التهديد الموجَّه إلى معارضي النظام الإيراني المقيمين في بريطانيا يُعدّ في الوقت الراهن الأعلى، وهو قابل للمقارنة مع مستوى التهديد الصادر عن روسيا". ويوضح التقرير أنه تم منذ سنة 2022 تسجيل ما لا يقل عن 15 محاولة اغتيال أو خطف استهدفت أشخاصاً على الأراضي البريطانية. كما يبرز التقرير جانباً آخر من المشهد، مشيراً إلى أنّ "التهديد الإيراني وإن كان أضيق نطاقاً وأكثر انتهازية مقارنة بروسيا أو الصين، إلا أنه يظل تهديداً دائماً وغير متوقع. فإيران تتصرف في جوهرها بعقلانية، لكنها كثيراً ما تُقدم على خطوات غير منطقية وتخطئ مرارا في تقديراتها".

حرية النغمة
وتشير المجلة إلى أن المفاجأة الحقيقية التي تضمنها هذا التقرير، الذي أعدّه برلمانيون بريطانيون ملزمون بواجب السرية، تكمن في نبرته الصريحة وغير المعتادة. فقد جمع النواب شهادات وتحفظات عملاء الاستخبارات البريطانيين حيال سياسات حكومتهم، ليعيدوا صياغتها بأسلوب يكشف بين السطور انتقادات واضحة من جهازي المخابرات تجاه مقر رئاسة الوزراء في "داوننغ ستريت"، متهمين إياه بعدم التعامل بجدية كافية مع التهديد الإيراني، فضلاً عن مطالباتهم المتكررة بتوفير موارد إضافية.
ويصف التقرير هذه المقاربة بأنها "وضع لا يمكن تصوره في فرنسا".

وجاء في أحد مقاطعه: "لا تزال السياسة خاضعة لمنطق إدارة الأزمات، مركَّزة بشكل شبه حصري على الملف النووي، على حساب صياغة مقاربة استراتيجية بعيدة المدى. تعاني الحكومة من غياب وضوح استراتيجي ومن ضعف في التنسيق مع تشتّت المسؤوليات بين الوزراء والوكالات. كما أنّ الموارد المخصّصة تتغيّر تبعاً للأزمات، ما يُضعف من فعالية الاستجابة. أما الفجوات في فهم طبيعة النظام الإيراني ونقص الخبرة المتخصّصة داخل الإدارة البريطانية فتمثل تحدياً خطيراً".

الفجوات
من بين الانتقادات اللافتة التي يصعب تصور ورودها في تقرير مماثل بفرنسا، ما أورده التقرير بشأن السياسة البريطانية تجاه إيران، إذ اعتبر أن "الدبلوماسية البريطانية انحصرت بشكل شبه كامل في الملف النووي"، ما أدى إلى "التقليل من شأن تهديدات أخرى مثل الهجمات السيبرانية والإرهاب وحملات النفوذ والاعتداءات ضد المعارضين في المنفى". كما يشير التقرير إلى "نقص المحللين المتخصصين القادرين على فهم النظام الإيراني بعمق، بما في ذلك ديناميكيته الداخلية وأيديولوجيته"، فضلاً عن"الاعتماد المفرط على خبرات الشركاء الأجانب، لا سيما الأميركيين والإسرائيليين".