كتاب عربي 21

اليوم التالي لما بعد المقاومة.. لا قدر الله

"الوضع الراهن ينذر بمزيد من النكبات"- إكس
منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويقيني أن النصر حليف المقاومة الفلسطينية، صاحبة الحق والأرض، وأن نهاية الكيان أصبحت مؤكدة، بحكم عوامل عديدة، سياسية ودينية ودولية، وما يؤكد ذلك هو استمرار الحرب على مدى عامين كاملين، لم يستطع خلالهما الكيان، وما وراء الكيان، من أقوى الدول والعتاد، تحقيق أي من أهدافه المعلنة، سواء باحتلال القطاع ككل، أو تهجير أهله، أو القضاء على المقاومة، في الوقت الذي خسر فيه ما يقرب من نصف عتاده البري، وآلاف العناصر البشرية، ناهيك عما يتعلق بخسائر الاقتصاد، والعوامل الاجتماعية والنفسية، وتغير البنية الشعبية على المستوى الدولي، إلى غير ذلك من كثير.

تسريبات صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أخيرا، أكدت أن المخطط الذي يتم تنفيذه الآن، بتدمير القطاع وتهجير أهله، هو مخطط أمريكي، يتبناه بالدرجة الأولى الرئيس دونالد ترامب، لتنفيذ مشروعه المعلن فيما يعرف بالريفيرا، والصناعة، والاستثمار، والممر التجاري وغير ذلك. ومن هنا تأتي خطورة لقائه الأخير بكل من صهره جاري كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وكلاهما يتبني مشروع ترامب، مع الوضع في الاعتبار علاقات كوشنر الاستثنائية بالحكومة الإسرائيلية، باعتباره يهوديا متطرفا، وعلاقات بلير الاستثنائية بدولة الإمارات، باعتباره الرئيس التنفيذي لأحد المعاهد هناك، براتب خيالي.


الأمر يقتضي الوضع في الاعتبار ما يمكن أن تحمله الأحداث من متغيرات في المنطقة، حال تحقيق أهداف العدو في قطاع غزة -لا قدر الله- وهو ما أعلنه رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، بالتوسع في المنطقة، على حساب دول الجوار بشكل خاص، مصر والأردن ولبنان والعراق وسوريا، ناهيك عن أطماع في السعودية ودول خليجية أخرى

وعلى الرغم مما تحققه المقاومة من خسائر في صفوف قوات الكيان، وما يترتب على ذلك من تعويق لمخططات ترامب، إلا أن الأمر يقتضي الوضع في الاعتبار ما يمكن أن تحمله الأحداث من متغيرات في المنطقة، حال تحقيق أهداف العدو في قطاع غزة -لا قدر الله- وهو ما أعلنه رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، بالتوسع في المنطقة، على حساب دول الجوار بشكل خاص، مصر والأردن ولبنان والعراق وسوريا، ناهيك عن أطماع في السعودية ودول خليجية أخرى، معتبرا أنها الإرادة الإلٰهية التي جاء لتنفيذها.

مخطط ترامب وتصريحات نتنياهو تشير إلى أننا لسنا أمام عملية طويلة المدى سوف يستغرق تنفيذها سنوات طويلة، ذلك أننا نتحدث عن رئيس بقى له في الحكم ثلاثة أعوام، ورئيس حكومة لم يتبق له سوى عام واحد، بما يعني أننا أمام عملية متسارعة؛ كان يجب أن تعي دول الجوار أنها أصبحت طرفا فيها وفي الحرب الدائرة بحكم الأمر الواقع من جهة، وأن المقاومة الفلسطينية تمثل معوقا رئيسا لتنفيذ هذا المخطط الشامل من جهة أخرى، ذلك أن شواهد الاجتياح اليومي للأراضي السورية واللبنانية، والتحرش بالحدود المصرية والأردنية، والعدوان على اليمن والعراق، واستهداف إيران والتنمر على باكستان، كلها تؤكد أن المخطط يسير على قدم وساق، دون أدنى اعتبار لقوانين دولية، أو احتجاجات شعبية.

الغريب في الأمر هو هذه الغفلة الرسمية العربية التي تصل حد الغيبوبة، ذلك أن ما يعلنه كل من ترامب ونتنياهو معا، كان يستدعي على أقل تقدير الإعلان عن قمة عربية مفتوحة، تتعامل مع الأوضاع أولا بأول، على حجم تطوراتها، بما يرسل إلى الطرف الآخر أن الأرض لن تكون ممهدة أبدا لما يطلق عليه البعض الآن "سايكس بيكو" جديدة، بحكم المتغيرات الثقافية والتعليمية والإعلامية في المنطقة، مع تنامي الشعور الوطني، واستيعاب أبعاد المخاطر المحيطة على المستويين الرسمي والشعبي في آن واحد.

إذا كانت بعض أو كل الأنظمة ترى أن وجودها أو حمايتها رهن بوجود أو استرضاء الكيان الصهيوني، على حساب المصالح القومية، فنحن إذن أمام حماقة ما قبلها وما بعدها، سوف تستدعي التعجيل بالعصيان والثورات في آن واحد، ذلك أن البديل أصبح صهيونيا بوضوح، بعد أن كان من خلف الستار

المؤكد أن أيا من بلدان العرب لن يكون بمنأى عن الشر المحدق القادم من واشنطن حتى تل أبيب، وما بينهما من عواصم أوروبية داعمة للكيان ولخراب المنطقة في الوقت نفسه، وهو ما يستدعي قيام الشعوب بدورها في هذا الشأن، ما دامت الأنظمة الرسمية قد وصلت إلى هذا الحد من اللامبالاة، إن لم يكن التواطؤ، ذلك أن الوضع الراهن ينذر بمزيد من النكبات، في مزيد من العواصم، بالقتل والتهجير والسبي والاغتصاب والاحتلال والتقسيم والاستيلاء على الثروات، ولنا في العراق وسوريا العظة، وفي السودان وليبيا العبرة.

وإذا كان قد تم تدجين أو تصفية، أو حتى إخصاء، النخب الثقافية والسياسية التاريخية في معظم البلدان العربية، فإن الشواهد تشير إلى أن هناك أجيالا جديدة، يمكنها حمل مشعل الحرية والتوعية في العديد منها، بحكم المستوى الثقافي والعلمي والمعرفي بشكل عام، سواء في الداخل العربي أو من خلال المغتربين في الخارج، الذين أثبتوا في الآونة الأخيرة أنه يمكنهم الضغط والتأثير بشكل آو بآخر في إطار تحريك الموقف، أو بمعنى أصح تحريك الشارع، ومن ثم إخراج السلطات الرسمية هنا وهناك من سباتها العميق، إذا لم يتم تدارك الأمر.

المؤكد أن موقف الشعوب في عالمنا العربي، على النقيض من المواقف الرسمية، وربما فيما يتعلق بكل القضايا المصيرية -إذا استثنينا ما يعرف بالذباب أو الكتائب أو اللجان الإلكترونية الرسمية التي تشيع عكس ذلك- هو ما يجعل من العصيان المدني أمرا فاعلا في المستقبل، في مواجهة كل هذا الانبطاح والاستسلام أمام عدو لا يتورع عن إعلان أطماعه على مدار الساعة، وإذا كانت بعض أو كل الأنظمة ترى أن وجودها أو حمايتها رهن بوجود أو استرضاء الكيان الصهيوني، على حساب المصالح القومية، فنحن إذن أمام حماقة ما قبلها وما بعدها، سوف تستدعي التعجيل بالعصيان والثورات في آن واحد، ذلك أن البديل أصبح صهيونيا بوضوح، بعد أن كان من خلف الستار.