كتاب عربي 21

نتنياهو إلى سقوط

"لا تفسير لهذا التخبط غير المعقول، عادة، إلا بفهم حاله نتنياهو العقلية والنفسية والسياسية"- جيتي
على الرغم من الفشل الذي مُنيت به خطة عربات جدعون (1)، وقد أعلنت قيادة الجيش الصهيوني ذلك صراحة وعلنا.. وعلى الرغم من أنها جاءت وريثة فشل خطة الجنرالات من قبلها، وبعد تجربة مرور ثلاثة أشهر عليها، إلا أن نتنياهو من خلال حليفه سموترتش وبن غفير ومجلس وزارته المصغر، اتخذ قرارا باحتلال مدينة غزة، وقد مثّل هذا القرار مخالفة صريحة لقيادة الجيش الموكول لها تنفيذ تلك الاستراتيجية، والتي حملت اسم خطة مركبات جدعون (2). وحاول نتنياهو أن يسميها القبضة الحديدية، ربما إبعادا للتشاؤم.

والسؤال: على ماذا يدل هذا التخبط في معالجة الفشل بفشل مقدر شبه محتوم، وهو تخبط فريد من نوعه لا تقدم عليه قيادة تراعي موازين القوى، أو تحسب مائة حساب من تكرار سياسة فاشلة، ولا سيما إذا كانت عسكرية؟

نتنياهو حين يواصل استراتيجية عربات جدعون (2) مع رجحان كفة فشله العسكري شبه المحتوم، وقد دخل في دائرة عدم تحمله أكثر دوليا ورأيا عاما عالميا، وكذلك داخليا، يُفترض أن لحظة انهياره ستكون في الأغلب مع حربه الفاشلة والإجرامية

هنا لا تفسير لهذا التخبط غير المعقول، عادة، إلا بفهم حاله نتنياهو العقلية والنفسية والسياسية، مضافا إليها وقوعه أسيرا لحليفيه سموتريتش وبن غفير اللذين تقودهما الأوهام الدينية. وهي أوهام لا علاقة لها بما يعرف بالعقلانية العسكرية، والعقلانية السياسية، أو مراعاة شيء اسمه ميزان القوى، حيث يتقرر من خلاله النجاح والفشل.

أما البُعد الآخر وهو الأهم فيكمن في الحالة التي يمر بها نتنياهو نفسه، وذلك بانتظار المحكمة العليا التي تهيئ له سجنا بسبب ارتكاب فساد ثابت الأدلة عليه. ومن ثم لا ينقذه من هذا المصير سوى استمراره برئاسة الحكومة، مما يجعل هذا البعد الشخصي الذاتي حاكما على تصرفاته وقرارته، وذلك بالرغم مما تؤدي إليه سياسات المحافظة على رئاسته للحكومة من دمار لسمعة الكيان الصهيوني دوليا بسبب موقف شبه إجماع من الرأي العام، خصوصا الأوروبي- الأمريكي، باعتباره قاتلا مجرما للأطفال والمدنيين ومدمرا للمستشفيات والعمار، ومنتهك بلا هوادة للقانون الدولي والأعراف الإنسانية، بل لكل ما يمت لبني البشر بصلة.

ثم أضف العزلة الدولية المحيطة بالكيان الصهيوني، وهو الابن المدلل للدول الغربية التي أنشأته ودعمته وغطت جرائمه بما فيها جريمة الإبادة، وقد فعلت ذلك، لا رضى عن سياساته، ولكن خوفا على الكيان الصهيوني من السقوط بسبب تلك السياسات.

أما عن دعم ترامب له، فما لم يتراجع فسيدفع ثمن الفشل هو الآخر كذلك. كان من المفترض ألا يُسمح لنتنياهو مع هذه الأنانية المفرطة التي تقتضي مواصلة الحرب؛ أن يستمر حتى اليوم بسياسة مرفوضة دوليا ومنبوذة من الرأي العام العالمي، فضلا عن فشلها العسكري طوال 23 شهرا.

ولهذا، فإن نتنياهو حين يواصل استراتيجية عربات جدعون (2) مع رجحان كفة فشله العسكري شبه المحتوم، وقد دخل في دائرة عدم تحمله أكثر دوليا ورأيا عاما عالميا، وكذلك داخليا، يُفترض أن لحظة انهياره ستكون في الأغلب مع حربه الفاشلة والإجرامية التي أعدها لاحتلال مدينة غزة.

ولعل العمليات "الأربع" يوم الجمعة (29 آب/ أغسطس 2025)، التي واجهته بها المقاومة المنتصرة، وقد بات نتنياهو أسوأ لياليه في أثناء انقطاع أخبار أربعة جنود لأكثر من 12 ساعة؛ تُشكل بداية المواجهة لإفشال استراتيجية احتلال مدينة غزة.