كتاب عربي 21

مصر والإمارات.. استحواذ في الداخل وتطويق في الخارج

"أموال الإمارات اشترت وتشتري كل شيء وأي شيء، كأنها بلا حسيب ولا رقيب، في كل الأحوال بالأمر المباشر، بلا مناقصات ولا عطاءات ولا مزادات"- الأناضول
دولة الإمارات، وأفعال الإمارات، ومخططات الإمارات، وما أدراك ما الإمارات، هاجس شعبي ونخبوي مصري لا يهدأ، ما يكاد يمر يوم، إلا وكانت أخبار الإمارات حديث المواقع الإخبارية، لا تكاد تمر ساعة، إلا وكانت الإمارات "ترند" مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات صاخبة، تحذيرات شديدة، اتهامات واضحة، أسئلة بلا إجابات.. لصالح من تعمل دولة الإمارات؟ إلى أي مدى تسعى؟ إلى متى ستظل كذلك؟ أليس هناك من بين دول المنطقة من يتصدى لها؟ لماذا أطلقوا لها العنان إلى هذا الحد؟ أليست الرؤية واضحة؟ أليست المخططات معلنة؟.. عديد من الأسئلة، كثير من الظنون، مزيد من القلق.

على مستوى الداخل المصري، سوف تجد أموال الإمارات اشترت وتشتري كل شيء وأي شيء، كأنها بلا حسيب ولا رقيب، في كل الأحوال بالأمر المباشر، بلا مناقصات ولا عطاءات ولا مزادات، سيطرت على الموانئ البحرية، أوغلت في الموانئ البرية، تملكت السواحل البحرية، استهدفت المحميات الطبيعية، أفسدت علاقة البدو أصحاب الأرض في الساحل الشمالي بالحكومة، عبثت في علاقة النخب السياسية بالنظام الحاكم، وضعت النظام الصحي نصب عينيها، أصبحت تملك النسبة الأكبر من المستشفيات الخاصة، ومعامل التحليل، وشركات الأدوية، اتجهت بعد ذلك للمستشفيات الحكومية، أساءت للدين الإسلامي بممارسات ممقوتة، عرقلت تطلعات المصريين نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إذا أضفنا إلى ذلك العلاقات المثيرة للجدل، بين الإمارات والكيان الصهيوني، والتي أخذت في الاتساع على كل المستويات، خلال السنوات الأخيرة. لأدركنا إلى أي مدى تلعب الإمارات دورا غريبا في المنطقة، فيما يتعلق بمصر تحديدا، خصوصا خلال شهور المواجهة المسلحة الـ18 مع المقاومة الفلسطينية

آخر ما شغل الرأي العام المصري بخصوص الإمارات، هي صفقة الاستحواذ المزمعة على بنك القاهرة، ثالث أكبر البنوك المصرية، بعد عدة مصارف أخرى، وهي الصفقة التي تلقى معارضة شعبية، حتى لو تمت بشفافية كما يردد المسؤولون، ذلك أن اسم الإمارات في حد ذاته لم يعد موثوقا به -شعبيا- بأي حال من الأحوال، خصوصا مع ما يثار من أن هذا الأموال التي تشتري الأصول المصرية تحديدا، ليست أموالا إماراتية، بل هي لحسابات صهيونية إسرائيلية يهودية ماسونية، وقد يكون هناك أصل لتلك الاتهامات، إذا علمنا أن أسماء رجال الأعمال الإماراتيين المتغلغلين في الشأن المصري، هي الأسماء نفسها العاملة في السوق الإسرائيلي.

دولة الإمارات من خلال مجموعة موانئ أبو ظبي، أبرمت في تموز/ يوليو الماضي اتفاقا مع وزارة النقل المصرية، لتولي مهمة إدارة وتشغيل رصيفين بحريين في ميناء العين السخنة، لمدة 30 عاما، وذلك في أعقاب اتفاق آخر لتطوير وتشغيل وصيانة 3 محطات ركاب سياحية، في موانئ سفاجا والغردقة وشرم الشيخ، لمدة 15 عاما قابلة للتجديد 15 عاما أخرى، كما تسلمت محطة متعددة الأغراض في ميناء سفاجا بأطوال 1100 متر، وساحة متصلة بالمحطة تصل إلى 810 آلاف متر، بينما استحوذت إحدى شركات موانئ أبو ظبي أيضا على حصة الأغلبية في شركة سفينة لخدمات الشحن البحري.

وتأتي شركة أبو ظبي القابضة (ADQ) في مقدمة الشركات المثيرة للجدل في الاستحواذ على الأصول المصرية، خصوصا شركات البترول، ومن بينها شركة الحفر المصرية، والشركة المصرية لإنتاج الإيثيلين، والمصرية لإنتاج الإكليل بنزين، وأيضا فنادق تاريخية، من بينها سوفيتيل كتراكت أسوان التاريخي، ومنتجع موفنبيك أسوان، وسوفيتيل وينتر بالاس الأقصر، وشتيغنبرغر التحرير، وسيسيل الإسكندرية، وماريوت ميناهاوس القاهرة، وماريوت عمر الخيام الزمالك، كما أصبحت الإمارات تمتلك 44 كيلومترا في منطقة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط، وهي الصفقة المثيرة للجدل، التي حصلت من خلالها مصر على 24 مليار دولار، بهدف سداد جزء من ديونها لصندوق النقد الدولي، ودائنين آخرين.

وبالإضافة إلى وجود إماراتي واسع في منطقة شرق قناة السويس، ومناطق أخرى يتم الكشف عنها الواحدة تلو الأخرى، بعد تملكها في غفلة من الزمن، تتطلع الآن إلى الاستحواذ على مقرات الوزارات المصرية، في قلب القاهرة الخديوية، والمطلة على ميدان التحرير، بعد نقل دواوين كل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وهي الصفقة المثيرة للجدل، التي يرفضها الشعب عموما، كما ترفضها القوى السياسية، بل والنخبة الثقافية، نظرا للأهمية الحضارية والثقافية لهذه الأبنية التاريخية، خصوصا مقرات مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى، خوفا من إضفاء طابع عشوائي عليها خلال التطوير، يفقدها خصائصها الزمنية التي تنتمي إليها معظم أبنية وسط القاهرة، ولن ننسى هنا ذلك العدد الهائل من الآثار المصرية الذي ظهر فجأة في متحف اللوفر في أبو ظبي، بعد أن وصلت إلى هناك في ظروف ملتوية وغامضة.

أما على المستوى الخارجي، فقد أصبح هناك تطويقا إماراتيا واضحا لمصر، من كل الاتجاهات دون استثناء؛ وجود مريب لا مبرر له في الشرق الليبي على الحدود المصرية، من خلال دعم عسكري لا محدود للمتمرد خليفة حفتر، في مواجهة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس، أيضا وجود خطير بدعم عسكري كبير لمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد ما يسمى بقوات الدعم السريع في السودان، لحساب تمرد واسع النطاق يهدد السودان بالتقسيم، أيضا دعم كبير لما تسمى جمهورية أرض الصومال المنفصلة عن جمهورية الصومال، والتي لا يعترف بها أحد في العالم، أيضا علاقات واسعة مع النظام الحاكم في إثيوبيا على الرغم من المشاكل الكبيرة مع مصر على خلفية سد النهضة، على مجرى النيل، بل الأكثر من ذلك أن الإمارات كانت من أوائل الدول التي مولت إنشاء السد.

إذا أضفنا إلى ذلك العلاقات المثيرة للجدل، بين الإمارات والكيان الصهيوني، والتي أخذت في الاتساع على كل المستويات، خلال السنوات الأخيرة. لأدركنا إلى أي مدى تلعب الإمارات دورا غريبا في المنطقة، فيما يتعلق بمصر تحديدا، خصوصا خلال شهور المواجهة المسلحة الـ18 مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي سيّرت خلالها الإمارات خطا بريا لإمداد الكيان بالعتاد والمؤن الغذائية على مدار الساعة، تعويضا عن توقف الإمداد من خلال البحر الأحمر، نتيجة التهديدات الحوثية في منطقة باب المندب وخليج عدن للسفن المتجهة للكيان، ناهيك عن التدخل العسكري الإماراتي في الشأن اليمني، وما يمثله اليمن وباب المندب من أهمية للأمن القومي المصري عموما، وقناة السويس بشكل خاص.

لم يعد خافيا أن هناك "طلاقا بائنا" على المستوى الشعبي مع الإمارات، وكل ما يمت لها من قريب أو بعيد، نتيجة تلك الممارسات المشينة، ذلك أن رجل الشارع يرى أن الدعم المشار إليه يستفيد منه النظام الحاكم فقط، إلا أن ممارسات الإمارات على كل المستويات تضر بمصر وشعب مصر ومستقبل مصر

الملاحظ أيضا، أن المخطط الإماراتي اتجه حاليا إلى بقية دول حوض النيل، خصوصا كينيا التي عقد معها اتفاقيات مهمة خلال الأسابيع الأخيرة، وقبل ذلك تنزانيا ورواندا، وغيرها من دول أفريقية أخرى، مثل جنوب أفريقيا وليبيريا وزامبيا وزيمبابوي وأنجولا والكونغو، مستخدمة في ذلك المال تارة، والصراعات الدموية تارة أخرى، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون خارج الرصد المصري، السياسي والمخابراتي، بعد أن أصبح حديث الشارع، بل حديث المجتمع الدولي، ووسائل الإعلام، ومراكز الأبحاث، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول الصمت الرسمي المصري تجاه تلك السلوكيات المريبة والمعقدة.

بلا شك، كان هناك ما يمكن أن يطلق عليه (الزواج الكاثوليكي) بين النظام الحاكم في مصر والنظام الحاكم في الإمارات، نتيجة الدعم الإماراتي الكبير لعملية الإطاحة بنظام الإخوان في مصر، والرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، وما واكب ذلك من دعم مالي وعيني، ودبلوماسي وسياسي، بهدف انتزاع الاعتراف بالنظام الجديد خارجيا، وتحقيق الاستقرار داخليا، إلا أن ممارسات الإمارات حاليا في الشأن الفلسطيني تحديدا، لم تعد تقبلها الدولة المصرية على المستوى الرسمي، وهو ما يشير إلى توتر كبير في العلاقات، كان لا بد منه.

في الوقت نفسه، لم يعد خافيا أن هناك "طلاقا بائنا" على المستوى الشعبي مع الإمارات، وكل ما يمت لها من قريب أو بعيد، نتيجة تلك الممارسات المشينة، ذلك أن رجل الشارع يرى أن الدعم المشار إليه يستفيد منه النظام الحاكم فقط، إلا أن ممارسات الإمارات على كل المستويات تضر بمصر وشعب مصر ومستقبل مصر، وهو ما جعل منها حالة خاصة.

السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو: إلى متى يمكن أن يستمر هذا النوع من العلاقات؟ أو بتعبير أدق: ذلك الصبر المصري الرسمي اللامحدود على ممارسات الإمارات، في الوقت الذي تمر فيه المنطقة بأدق مرحلة في تاريخها، حيث مخططات التقسيم والاحتلال الجديدة، التي يشير إليها بشكل علني رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، تحت مسمى إعادة رسم المنطقة، أو تغيير وجه المنطقة، والدعم الإماراتي في هذا الشأن، وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني، والدعم الإماراتي أيضا في هذا الشأن، إضافة إلى التآمر على سوريا من جهة، والعراق من جهة أخرى، وكأن الكيان الصهيوني لم يكن كافيا لمعاناة المنطقة؟!!