اقتصاد دولي

الطاقات المتجددة ترسم ملامح الاستثمار الجديد في العالم العربي

الطاقات المتجددة تتحول من خيار بديل إلى ركيزة أساسية لاقتصاد المستقبل العربي -CCO
تشهد المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة توسعاً متزايداً في مشاريع الطاقة المتجددة، مع توجه حكوماتها إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز وتنويع مصادر الدخل، وتستثمر دول مثل السعودية والإمارات ومصر مليارات الدولارات في محطات الطاقة الشمسية والرياح، سعياً لمواكبة التحولات العالمية في مواجهة التغير المناخي، وتحقيق أمن طاقي مستدام يدعم النمو الاقتصادي."

جاء الاهتمام بالطاقة المتجددة نتيجة عوامل عدة، أبرزها تقلب أسعار النفط واعتماد الاقتصاد العربي بشكل كبير على صادراته، إضافة إلى الضغوط الدولية للحد من الانبعاثات ومواجهة التغير المناخي.

وبدأت دول المنطقة تتبنى استراتيجيات طويلة الأمد لتطوير مصادر بديلة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، في إطار خططها لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات.

وتتعدد مصادر الطاقة المتجددة التي باتت تحظى باهتمام متزايد على المستوى العالمي، أبرزها الطاقة الشمسية التي تُعد الأكثر انتشاراً في المنطقة العربية نظراً لوفرة الإشعاع الشمسي طوال العام.

وتعتمد هذه الطاقة على تحويل أشعة الشمس إلى كهرباء من خلال الألواح الكهروضوئية أو باستخدام المرايا الحرارية لتوليد البخار وتشغيل التوربينات.


كما تشكل طاقة الرياح مورداً مهماً للطاقة النظيفة، حيث تُستغل سرعة الرياح في مناطق مفتوحة أو على السواحل لتشغيل توربينات ضخمة تنتج الكهرباء بكلفة منخفضة نسبياً.

وإلى جانبها، توجد أنواع أخرى مثل الطاقة المائية عبر السدود والأنهار، والطاقة الحيوية المستخرجة من النفايات العضوية، إضافة إلى الطاقة الجيوحرارية التي تعتمد على حرارة باطن الأرض، وإن كانت أقل انتشاراً في العالم العربي.

تشمل الطاقة الشمسية عددًا من التقنيات التي تحول ضوء الشمس مباشرة أو عبر حرارة إلى كهرباء أو حرارة، حيث تستخدم الألواح الكهروضوئية لتحويل الإشعاع الشمسي مباشرة إلى تيار كهربائي، كما تستخدم الأنظمة الحرارية الشمسية  لتحويل أشعة الشمس إلى حرارة ثم إلى كهرباء.

أما طاقة الرياح فتعتمد على استخدام توربينات ضخمة لتحويل طاقة الرياح الحركية إلى كهرباء، هذه التكنولوجيا تتطور عالميًا بسرعة، وهي فعالة في المناطق ذات الرياح المستقرة.

وتستغل الطاقة المائية تدفق المياه لتوليد الكهرباء، عبر السدود أو الأنهار أو أنظمة التخزين، وتشكّل هذه الطريقة أكبر مصدر للطاقة المتجددة عالميًا، ولها القدرة على التزويد الفوري حسب الطلب.

تنامي الاستثمار بالطاقة المتجددة
تشهد السعودية توسعاً كبيراً في مشاريع الطاقة المتجددة، حيث تستهدف إنتاج ما بين 100 و130 غيغاواط من الكهرباء النظيفة بحلول عام 2030، بما يعادل نحو نصف احتياجاتها من الكهرباء.

وأعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن استثمار بقيمة 8.3 مليارات دولار لتطوير مشاريع طاقة شمسية ورياح بقدرة 15 غيغاواط، وذلك ضمن أهداف المملكة للوصول إلى إنتاج ما بين 100 و130 غيغاواط من الكهرباء النظيفة بحلول 2030، وفق ما نقلت وكالة رويترز.

أما الإمارات، فقد ذكرت وكالة رويترز أن شركة "مصدر" الإماراتية بالتعاون مع شركة مياه وكهرباء الإمارات (EWEC) أعلنت عن مشروع جديد للطاقة الشمسية بقدرة 5 غيغاواط مزوّد بتخزين بطارية بسعة 19 غيغاواط/ساعة، وبتكلفة تقارب 6 مليارات دولار، ومن المقرر أن يبدأ العمل به في عام 2027.

كما أشارت رويترز، إلى أن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أكد خلال مؤتمر COP29 أن الحكومة لا تزال تراهن على الوصول إلى 42% من الكهرباء من مصادر متجددة عام 2030

بينما اتخذت البحرين خطوات أصغر حجماً، فقد دشّنت مشروعاً شمسياً بقدرة 150 ميغاواط، يكفي لتزويد أكثر من ستة آلاف منزل بالكهرباء، وهو ما يمثل محطة مهمة في مساعيها لتطوير مصادر طاقة بديلة.

التحديات
تواجه مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة العربية عقبات رئيسية رغم التوسع القائم، أبرزها ارتفاع كلفة الاستثمار الأولية، حيث تتطلب محطات الطاقة الشمسية والرياح رأسمالاً ضخماً في مرحلة التأسيس، ما يشكل عبئاً على الحكومات المعتمدة بشكل كبير على عائدات النفط والغاز.

وتعتبر تقلبات مصادر الطاقة المتجددة تحديا أمام أنظمة الكهرباء، إذ يتطلب دمجها في الشبكة إدارة جدية ودقيقة لضمان استقرار الإمدادات والحفاظ على التغذية الكهربائية المستمرة.


واجهت مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والشمس، تحدياً جوهرياً رغم انتشارها الواسع، إذ لا تُنتج الكهرباء إلا عند توافر الظروف المناخية المناسبة، ما يجعل الحاجة ملحة لإعادة النظر في إدارة أنظمة الكهرباء لتفادي الانقطاعات التي قد تعرقل مسار خفض الانبعاثات الكربونية.

وتتبع الطاقة الشمسية دورة يومية واضحة، إذ يرتفع الإنتاج صباحا، ويبلغ ذروته عند الظهيرة، وينخفض إلى الصفر ليلا. وحتى منتصف النهار، يمكن لسحابة عابرة أن تُخفّض إنتاج الطاقة الشمسية لفترة وجيزة.

تُضاف إلى ذلك مشكلة نقص الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة، حيث تعتمد معظم المشاريع على شركات أجنبية في التخطيط والتنفيذ والصيانة، ويبطئ هذا الأمر من بناء قدرات محلية مستدامة، ويجعل القطاع عرضة لتأثيرات الأسواق الخارجية والتقلبات الجيوسياسية.

كما يشكل الاعتماد الكبير على النفط والغاز في اقتصادات الدول العربية تحدياً نفسياً وسياسياً، إذ يرى بعض صناع القرار أن مصادر الطاقة التقليدية ما زالت الأرخص والأكثر ربحية على المدى القصير.

ويؤدي هذا التوجه إلى تباطؤ في تبني سياسات شاملة لدعم الطاقة النظيفة وإزالة الدعم عن الوقود الأحفوري.

إلى جانب ذلك، تواجه المنطقة تحديات البنية التحتية، مثل ضعف شبكات نقل الكهرباء وعدم جاهزيتها لاستيعاب مصادر الطاقة المتقطعة كالرياح والشمس، ما يتطلب استثمارات إضافية في التخزين والتوزيع لتأمين استقرار الإمدادات.

العائدات
يُسهم الاستثمار في الطاقة المتجددة في خلق فرص عمل جديدة، سواء في بناء المحطات أو تشغيلها وصيانتها.

وأشار تقرير للوكالة الدولية للطاقة المتجددة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، إلى أنه بلغ عدد العاملين في قطاع الطاقة المتجددة عالميًا 13.7 مليون شخص في عام 2022، بزيادة قدرها مليون شخص عن عام 2021.

كما يساعد التوسع في الطاقة النظيفة على تقليل فاتورة استيراد الوقود بالنسبة للدول غير النفطية مثل مصر والأردن والمغرب، وهو ما يخفف الضغط على ميزان المدفوعات، ويعزز استقرار المالية العامة.

إلى جانب ذلك، تُعد مشاريع الطاقة المتجددة وسيلة فعّالة لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، خاصة في ظل توجه صناديق الاستثمار العالمية إلى تمويل المشاريع منخفضة الانبعاثات، وقد شهدت المنطقة العربية تدفقات متزايدة من هذا النوع من الاستثمارات خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في السعودية والإمارات ومصر.

وعلى المدى الطويل، يسهم إدماج الطاقة النظيفة في الكهرباء في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، مما يوفر حماية أفضل ضد تقلبات أسعار الطاقة العالمية، ويعزز خطط التنمية المستدامة في.

ودفعت المكاسب المحتملة من خلق وظائف جديدة وجذب استثمارات أجنبية وتقليل الاعتماد على النفط، لتكون الطاقة المتجددة ركيزة أساسية لمستقبل الطاقة والتنمية في المنطقة، رغم التحديات المرتبطة بالكلفة والبنية التحتية.

استدامة مشاريع الطاقة النظيفة
ومن بين الحلول المطروحة عملية التخزين، إذ تُستخدم البطاريات "عادةً بطاريات ليثيوم أيون" على نطاق الشبكة لامتصاص فائض الكهرباء عند ارتفاع إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإطلاقها عند انخفاض الإنتاج.

ويمكن لمزارع البطاريات الكبيرة تخزين فائض الطاقة الشمسية عند الظهيرة، ثم إعادة ضخه إلى الشبكة بعد غروب الشمس.

وانخفاض تكاليف البطاريات بشكل كبير، يمكن أن تكون حلا جيدا لتحقيق التوازن على المدى القصير "كل ساعة"، وتعتمد خرائط طريق الطاقة -لتحقيق صافي انبعاثات صفري- على التوسع الهائل في تخزين البطاريات لإدارة التقلبات الساعية واليومية لمصادر الطاقة المتجددة، مع الحفاظ على استقرار الشبكات.