ملفات وتقارير

هل تتجاوز السعودية خلافها مع "الإخوان" وتتوسط بين السيسي والجماعة؟

تحدثت الصحيفة السعةدية عن "ظروف مواتية" لمصالحة بين النظام المصري والمعارضة بالخارج- الأناضول
نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الجمعة، تقريرا يقول إن "هناك ظروفا مواتية لإجراء مصالحة بين الدولة المصرية والمعارضة بالخارج، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين". ويأتي ذلك بعد يوم واحد من زيارة مثيرة قام بها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، إلى السعودية والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
 
وتحدث السياسي المصري المعارض أيمن نور، والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين والبرلماني السابق محمد عمادالدين صابر، إلى الصحيفة عن أهمية ذلك الحوار وفائدته وبعض نقاطه المقترحة ونتائجه المرتقبة،على الرغم من أن السعودية إحدى الدول العربية التي تصنف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

لا لتجاوز الإخوان
وقال نور إن "التطورات في المنطقة أشارت إلى أن هناك إمكانية لاستيعاب شخصيات وتيارات انخرطت في الإرهاب، ويتم التسامح معها، في حين تُسد الطرق أمام الحوار والتفاهم والانفتاح على تيارات معتدلة، مثل الإخوان ".

ودعا السياسي المعارض لـ"انفتاح سياسي"، و"حوار وطني"، و"معالجة قضايا المعتقلين"، مبينا أن "تحسين الوضع السياسي سيكفل القضاء على المشكلة الاقتصادية"، محذرا النظام من رؤية بالشارع المصري ترى أن الحل "على الطريقة السورية"، مؤكدا أنه في ظل الحاجة لـ"جمع القوى السنية" لمواجهة إسرائيل، "لا يمكن تجاهل الإخوان المسلمين في أي مشروع سني".

حوار حقيقي وانفتاح فعلي
من جانبه، قال صابر إن "جماعة الإخوان مستعدة، بل تتمنى أن يكون هناك حوار مع الدولة، بشرط أن يكون حقيقيا"، داعيا النظام للبدء بالإفراج عن المعتقلين، مبينا أن الانفتاح الذي يدعو له يتطلّب "التخلي عن عدّ الإخوان جماعة محظورة ووضع شروط لتمثيلها بالبرلمان".

وأكد أن الإخوان وقعت في 3 أخطاء: "عندما حاولوا أن يكونوا دولة موازية داخل الدولة"، وبـ"عدم تسجيل نفسها تنظيما أو جماعة تعمل في إطار القانون"، و"فكرة الصدام المستمر مع المؤسسة العسكرية"، قائلا إن "الجيش المصري نقطة القوة الأساسية"، معلنا أن "الإخوان مشروع يمكن تطويره والاستفادة منه بالحوار الهادئ والتفاهم".

حديث نور، وصابر، وجد الكثير من التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مثمن له ومطالبا بتطوير تلك المبادرة واستكمال هذا التوجه خاصة لإنقاذ المعتقلين السياسيين، وبين ناقد لتفاصيله، متهما أطرافه بالخضوع لنظام ديكتاتوري.

لاحقا، أعلن صابر أنه "‏لم يكن هناك حوار صحفي للشرق الأوسط بل مجرد زيارة عائلية، ونقاش عادى بين مصريين مهتمين بالشأن العام"، وموضحا أن النشر جاء دون إذن منه وكان مجتزءا ومحرفا ببعض النقاط، مؤكدا أنه لا يعبر عن وجهة نظره"، ويأتي ذلك لما أثار حديثه من ردود فعل واسعة، 

أجواء ما قبل الحوار
وقبل زيارة السيسي إلى السعودية، أثار الصحفي المصري المعارض سامي كمال الدين، الجدل بحديثه في 18 آب/ أغسطس الجاري، عن لقاء سري جمع شخصيات سعودية مسؤولة ببعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، وهو ما لم يؤكده أيا من الطرفين.

يتزامن تقرير "الشرق الأوسط" مع حملة غربية ضد الجماعة التي أسسها حسن البنا، في آذار/ مارس 1928 بمدينة الإسماعيلية في مصر، وسط دعوات من مشرعين أمريكيين لتصنيفها "منظمة إرهابية أجنبية" بأمريكا، بجانب إعلان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، 12 آب/ أغسطس 2025، ذات التوجه من بلاده.

وبعد حملة أمنية طالت أكثر من 60 ألف مصري وقيادات الجماعة، صنفت الحكومة المصرية في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية"، لتصدر الرياض بعدها بنحو شهرين وفي 7 آذار/ مارس 2014، قرارا مماثلا بحق الجماعة، وتعتقل الكثير من الدعاة بتهم الانتماء للإخوان.

وتحدث سياسيون مصريون ومنتمون لجماعة الإخوان المسلمين ولتيار الإسلام السياسي، لـ"عربي21"، عن دلالات تبني صحيفة "الشرق الأوسط" حديثا صحفيا عن حوار بين السيسي والجماعة، وحول ما إذا كان ذلك يشير إلى احتمال أن تتجاوز السعودية خلافها مع الإخوان وتتوسط لهذا الحوار، مقدمين قراءتهم للواقع الحالي وسجل النظامين بما يؤكد أو ينفي منطقية هذا الاحتمال.

مساحة انفتاح
في حديثه لـ"عربي21"، يعتقد الدكتور أيمن نور، أنه "ليس بالضرورة الربط بين حوار صحيفة (الشرق الأوسط) وتغير الموقف السعودي من جماعة الإخوان المسلمين، لأنه على الأقل، وأنا أحد طرفي الحوار ولست إخوانيا، وهم بالصحيفة يعرفون ذلك، وبالتأكيد لدى الرياض معلومات وافية عن كل الأشخاص والجهات والجماعات".

واستدرك قائلا: "ولكن يمكن أن يكون هناك مساحة انفتاح لدى الصحيفة جهة المعارضة؛ وهذا يحدث في بعض الأوقات وبعض النوافذ الإعلامية بأن تغلق الأبواب ثم تفتحها، والأصل أنها مفتوحة والاستثناء أنها منذ فترة ليست بالقليلة مغلقة بالضبة والمفتاح".

وتساءل: "هل هذا توجه؟، هل هو موقف عابر؟"، مضيفا: "لا أدري، وليس لدي تحليل دقيق، أو توقع دقيق، لمثل هذه المسألة؛ ولكن نتمنى مد جسور الثقة والتعاون والمحبة بين كل الأطراف الإقليمية والداخلية، وهذا منهجنا وطريقتنا في التعاطي مع الشأن العام".

تحركات مخابراتية للتخدير والتكدير
وفي تصوره، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، لـ"عربي21"، إن "المنطقة العربية لا تُقاد من داخلها بالكلية؛ وأي تحرك نحو الإخوان، لن يكون نابعا ذاتيا من حكوماتها، وخصوصا المنضوية تحت علم أمريكا وخيمة إسرائيل".

المتحدث السابق باسم حزب "الحرية والعدالة" المصري الحاكم سابقا، توقع أن يكون "يعقد حوار لصحيفة سعودية مع عضو بالإخوان، وآخر معارض، فيبدو أن الرياض تحب الإخوان، فهي تحركات تكتيكية؛ ولقراءة المشهد هناك علامات ومظاهر وهذه علامة لا تستند للواقع".

وأكد أن "العلامات الحقيقية لتصالح السعودية مع الإخوان: الإفراج عن معتقلي الجماعة، وتخفيف القبضة الأمنية على الإسلاميين والإصلاحيين، ورفع اسم الإخوان من تصنيف الجماعات الإرهابية، عندها يمكن القول إن هناك خارطة طريق"، مؤكدا أنه "ليس ضد أي تحرك ولكن يجب قراءة الموقف بشكل حصيف".

وتسائل زوبع: "كيف للسعودية التي واجهت الحكومة الشرعية بالقاهرة ومولت انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، بـ120 مليار دولار أن تحب الإخوان الآن؟، كما أنه أمر يتعارض مع موقف إسرائيل الكاره للإخوان، فهل تغلب وجهة نظر الرياض أم تل أبيب"؟.

في نهاية حديثه، يرى زوبع أنها "تحركات مخابراتية لتخدير الإسلاميين أو لتكدير نظام  مصر، بأننا قادرون على الوصول إلى خصومه".

لعب بورقة الإخوان
وفي رؤيته، قال السياسي المصري محيي عيسى: "السعودية تحاول لعب دور زعيمة العرب بالمنطقة، وترى أن هناك فراغا بغياب مصر وتقزم دورها؛ وقد تلعب بورقة الإخوان إما لإخضاع السيسي، أو لاستخدام الإخوان لتقوية المحور السني".

القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس شورى الجماعة، استبعد في حديثه لـ"عربي21"، هذا الأمر"، موضحا أن "الرياض تصنف الإخوان جماعة إرهابية، واعتقلت من العلماء من كانت لهم صلة تنظيمية وفكرية مع الجماعة، وعلى رأسهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عبدالعزيز الطريفي"، مبينا أنه "كان الأولى أن تقوم الرياض برفع اسم الجماعة من قوائم الإرهاب".

عضو مجلس الشعب المصري سابقا، يرى أن "المشكلة الآن في الإخوان أنفسهم حيث دأبت الجماعة أن تلعب في الوقت الضائع، وهي الآن بأضعف مراحلها ومنقسمة 3 جبهات"، متسائلا: "مع أي جبهة ستتم المصالحة؟"، مضيفا: "ثم إن شعبية الإخوان ضعيفة وأغلب الشباب الآن لم يروا أعمالها الدعوية والخيرية، ولم يسمعو إلا شيطنة وسائل الاعلام لها".

في نهاية حديثه، يعتقد عيسى، أن "الحال الوحيدة التي يمكن للنظام القبول بها للتعامل مع الإخوان، أن تقبل الجماعة بدور الداعم للنظام"، ملمحا إلى أن "الواقع يشير إلى أنه مأزوم وبحالة ضعيفة ومهترأة، والجماعة لا تقل عنه في الأزمة والضعف".

ثلاث ملاحظات
وفي رؤيته، قدم السياسي المصري، و‏المتحدث باسم "الجبهة السلفية"، الدكتور خالد سعيد، في حديثه لـ"عربي21"، 3 ملاحظات على ما أسماه "المنحنى السياسي المهم".

قال في أولها: "ألتمس العذر لمن هم في موقع المسؤولية، ولا أسيء بهم الظن أو ألقي عليهم التهم جزافا كما يفعل البعض بدافع الحماسة والغيرة وبغض النظام -وهو يستحق العداء ويجب إسقاطه لا مجرد بغضه-".

وتابع: "وهذا لاعتبارهم مسؤولين عن دماء وحريات وأموال عشرات الآلاف من الشباب، وكثير من الشيوخ والمرضى الذين يموتون في السجون، ولا تجد القيادات القديمة التي اعتادت نمطا معينا من التفكير مخرجا غير ما تصرح به اليوم مع انغلاق الأفق السياسي".

ثاني ملاحظات السياسي المصري، أكد فيها أن "ما يجري يبرز أزمة جوهرية بين جيلين وهويتين فكريتين تبلورتا داخل الإخوان في سنوات المحنة، فهناك انقلاب منهجي حقيقي؛ يشبه تطور سيد قطب (الشباب) والهضيبي (الشيوخ)، مع فروق جوهرية، وهذه طبيعة المفترقات التاريخية في طريق الدعوات".

وأوضح ثالثا، أن "الأمر لا يعدو كونه بالونة اختبار ينفخها نظام السيسي، وبعض حلفائه، لتكون جاهزة لعلها تفيد في أزمة النظام الحالية وربما أزماته القادمة، أو هي محاولة تطويع وتهدئة وتنويم لجماعة الإخوان باعتبارها رمزا للرافضين للنظام، الذي لا يحتمل مزيدا من المشاكل، لكن الأمر لن يكون حقيقيا أبدا من جهة النظام ولن يقدم أية تنازلات من جهته، كما لن يقبل بالإخوان والإسلاميين جملة مهما قدموا من تنازلات".

ومضى يؤكد أنه "يحاول تفريغ ما تبقى لديهم من شرعية وإسقاطهم من أعين الجماهير التي بدأت تلتفت إليه كمصدر حقيقي لكل النكبات والمصائب، وربما بدأ بعض معارضي الإخوان سرا وجهرا يعتذرون إليهم أنهم لم يكونوا الأسوأ ولم يفعلوا بهم وبالبلد ما فعل السيسي وزبانيته".

وختم بالقول: "من يمد يده إلى السيسي ونظامه مخطئ، خاصة أنه في أكثر فتراته سقوطا وانهيارا، وقد بدأ العد التنازلي الفعلي لهذا النظام، ومن لم يفهموا ذلك لم يستوعبوا شيئا مما مضى؛ وقد آن لهذه العقول المتكلسة والمناهج المنحرفة المهترئة أن تسقط مع سقوط هذا النظام"، مشيرا إلى أن "الثورة مستمرة في الحقيقة".

مبادرة برلماني مصري
‏وكان البرلماني السابق محمد عمادالدين صابر، قد تقدم السبت، بمبادرة قال فيها إن جماعة الإخوان المسلمين، "ترى أن حماية كيان الدولة المصرية ووحدتها أولوية لا يجوز التهاون بها، وأنها فوق الخلافات السياسية مهما عظُمت".

وأضاف عبر صفحته بـ"فيسبوك": "‏ولا نرى في أنفسنا بديلا عن الدولة، ولا نريد أن نكون كيانا موازيًا  لها، بل نطمح لأن نكون شركاء في البناء ضمن الإطار القانوني والدستوري، وعلى قاعدة المواطنة".

ودعا صابر، لـ"الاعتراف بالأخطاء والمراجعة الجادة"، وإلى "حوار وطني شامل"، يقوم على "احترام الدستور"، و"‏الإفراج عن المعتقلين السياسيين"، و"إنهاء الممارسات الأمنية"، و‏الاعتراف بالتنوع السياسي، والتأسيس لشراكة وطنية لا تقصي أحدا".

وعن الجيش قال: "نؤمن أن المؤسسة العسكرية جزء من مؤسسات الدولة المهمة، وليست فوق النقد أو المحاسبة، لكننا نرفض شيطنتها، كما نرفض تسييسها أو استخدامها لضرب الحياة السياسية".

بيان الإخوان
واتبعت جماعة الإخوان المسلمين حديث صابر، ببيان، قالت في بعض أجزائه، إن "المسؤولية الوطنية على الجميع تقتضي سرعة معالجة أزمات مصر، ويعتقد الإخوان المسلمون أنه لا سبيل لذلك إلا عبر الحوار الوطني الشامل من أجل تحديد المسار الآمن لهذا التغيير".

وأضاف البيان: "حوار بين القوى السياسية والنخب الفكرية، وحوار بين من هم في السلطة ومن هم في المعارضة، حوار بين مؤسسات الدولة الوطنية وكافة قوى المجتمع المتنوعة والمتعددة. ولذلك؛ فإن الحوار ليس مبادرة من أي طرف، وإنما نعدّه طريقاً وحيداً لتجاوز أزمة البلاد".

وتابعت الجماعة: "أكدت جماعة الإخوان في عدة مناسبات استعدادها للحوار، ليس بهدف التوصل لصفقة ثنائية ضيقة مع أي طرف، وإنما لتدشين مرحلة جديدة من التوافق الوطني العام، تنهي معاناة المعتقلين، وتفتح المجال السياسي لكافة الحريصين على مصلحة البلاد، وتوحد كافة الجهود الوطنية من أجل مواجهة التهديدات التي تعصف بالبلاد".

وفي مقابل تلك المبادرات لم يخرج عن السلطات المصرية أية تصريحات تؤكد او تنفي وجود رغبة لديها للحوار مع المعارضة المصرية، وبينها جماعة الإخوان المسلمين.

ولكن تلك الدعوات تلاقي قبولا واسعا لدى أسر المعتقلين السياسيين، الذين يقبع أكثر من 60 ألفا منهم بالسجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز في ظل أوضاع غير إنسانية وأغلبهم لمدد تتعدى 12 عاما.