صدم رئيس هيئة الترفيه
السعودية،
تركي آل الشيخ، الوسط الفني، بإعلانه المفاجئ، يوم الثلاثاء، عن الاستغناء عن الممثلين والمخرجين والفنيين والموسيقيين والمصممين والإداريين
المصريين، التي شكلت العمود الفقري لـ"
موسم الرياض" منذ انطلاقته عام 2019، رغم اعتماد المشروع بشكل أساسي على خبراتهم في التمثيل والإخراج والموسيقى والإدارة.
تركي، قال إنّ: "موسم الرياض القادم سيعتمد اعتمادا كاملا، تقريبا، على العازفين والموسيقيين السعوديين
والخليجيين في الحفلات الغنائية"، مؤكدا الاعتماد "شبه الكامل على المسرحيات
السعودية والخليجية، مع بعض التطعيم بمسرحيات سورية وعالمية".
التصريح، قرأ فيه عدد من النقّاد
أنه إعلان صريح وفجّ بالاستغناء عن الكوادر الفنية المصرية والأعمال المسرحية المصرية،
ملمّحين إلى أن فيه جانب سياسي، خاصة مع تأكيده الاستعانة بالمسرح السوري دون المصري.
في المقابل، اعتبره
سعوديون، فرصة تاريخية، حيث قال الصحفي في "العربية"، ماجد إبراهيم، إنّ: "السعودية تزخر بمواهب موسيقية احترافية، بدأت بالاشتغال على نفسها بشكل ذاتي
قبل الانفتاح الثقافي الذي شهدته المملكة".
سجال الفقي وأديب
علّق وزير الإعلام
المصري الأسبق، أنس الفقي، على قرار آل الشيخ، بقوله إنّ: "الرجل ضاق بما كان يوجه
إليه من نقد لاعتماده على الغالبية من نجوم وفنانين مصريين، وكأنه سطو على الفن المصري".
ليرد الإعلامي عمرو
أديب، بقوله إنّ: "السبب المباشر هو: تعرّض هذا المشروع الفني إلى أقذر هجوم، والتعريض
بالمسؤولين عنه، وتم التنكيل بكل الفنانين
المصريين والفنيين والعازفين والمنتجين وكأنهم
يذهبون إلى تل أبيب"، مؤكدا أنّ: "الرجل يجب أن يراعي مشاعر المواطن السعودي
المحتقن بكل هذا الهجوم على الترفيه".
ويبدأ "موسم الرياض"
السادس بين تشرين الأول/ أكتوبر المقبل وحتى نهاية آذار/ مارس 2026، فيما سجل الموسم
السابق 19 مليون زائر من دول العالم لمشاهدة عروض مسرحية، وموسيقية، ومسابقات ألعاب
إلكترونية، ومصارعة عالمية وغيرها.
وخلال السنوات السابقة
ومع إنشاء "هيئة الترفيه" السعودية في 7 أيار/ مايو 2016، نجح آل الشيخ،
في استدعاء القوى الناعمة المصرية والسورية واللبنانية بمجالات الدراما والسينما والمسرح
والغناء ومنحها الكثير من الأموال، في المقابل.
أسس للصناعة وصنع كوادره
في رؤيته، لقرار الاستغناء
عن المصريين في "موسم الرياض"، قال الناقد الفني المصري، جمال عبدالقادر،
إنّ: "قرار المستشار تركي، يتسق ومصلحة المملكة والنشاط الفني هناك، والرجل كان
يحتاج لأن يبني ويؤسس لصناعة الفن عبر الفنانين والكوادر المصرية، الذين كان وجودهم
طبيعيا كونهم أصحاب الحضور الأكبر عربيا وبالشرق الأوسط".
وفي حديثه لـ"عربي21"،
أوضح أنه: "بعد أن أصبح لديه كوادر تلك الصناعة طبيعي أن يستغني عن الكوادر الأخرى،
حتى يُنسب النجاح للفنانين السعوديين، وهذا ما حدث بمصر مع بداية صناعة السينما والمسرح
على أكتاف الأجانب حتى ظهرت أجيال مصرية".
ويعتقد عبد القادر،
أنّ: "صناع الفن المصريين فنانين ومنتجين أخطأوا حين اهتموا بالعمل للمملكة لأجل
مبالغ كبيرة (السبوبة) بلغتنا العامية، وتحول منتجون صناع محتوى إلى منتجين فنيين ينتظروا
التمويل الخليجي ويُطلب منهم نوع معين من الفن، أفلام كوميدية تافهة ومسرحيات سطحية،
ينفذها لصالح هيئة الترفيه مقابل أجره أو نسبته".
ولفت إلى أنه: "كذلك الفنانين المصريين ذهبوا هناك لأجل مبالغ كبيرة وأي منتج مصري كان يطلبهم
يتحججون بانشغالهم أو يطلبون أجرا مبالغ فيه يوازي ما يحصلون عليه في الخليج؛ وبالتالي
ساهموا في ولادة صناعة بالسعودية على حساب صناعة سينما ودراما مصرية انهارت مع هروبهم
أو انسحابهم".
ما تأثير القرار على
صناعة السينما والدراما المصرية؟
يؤكد عبد
القادر، أنه للقرار تأثير لا شك، معربا عن أمنيته بأن "يكون لدى المنتجين وصناع
السينما والفنانين الوعي الكافي بأن صناعة الدراما والسينما والمسرح المصرية الأولى
وألا يكون المحرك الأساسي لهم الأجر".
ويعتقد أنه "لو
وقعت مثل تلك الظروف في وجود فنانين مثل نور الشريف، ومحمود عبد العزيز، وعادل إمام،
لم يكن ليتصرفوا ذات التصرف غير الواعي من النجوم الحاليين، والجري وراء السبوبة، ورفض
العمل في مصر، فمهما كانت المعوقات كان يجب أن تكون الأولوية للعمل في مصر"، ملمحا
إلى "فارق الوعي والثقافة بين جيل نور ومحمود والأجيال الحالية".
ودعا عبد القادر، الفنانين المصريين، بأن: "يخفضوا من أجورهم، حتى تعود صناعة السينما والدراما
للازدهار ثانية"، مؤكدا أنّ: "قرار آل الشيخ غالبا سيكون في صالح صناعة الدراما
المصرية لو أحسن استغلال الفرصة القائمون عليها والذين للأسف كانوا لسنوات سبب انهيارها".
هل للأمر علاقة بالأوضاع
السياسية وعلاقات النظامين؟
في تعليقه، قال الباحث
الإعلامي المصري خالد الأصور، لـ"عربي21": "بداية، تركي، لا يقرر، بل
تأتيه القرارات -مثل هذا القرار- من الأجهزة الأمنية والاستخبارية في بلاده، وهذا شأننا
أيضا".
وأضاف: "لا شك
أن القرار انعكاس لحسابات ومساومات سياسية، بدليل أن تركي صرح بالاستعانة بالفنانين
السوريين، فالأمر لا يتعلق بسعودة الفن، بل هو صدى لأزمات تحت السطح بين البلدين، تأتي
على رأسها، قضية جزيرتي تيران وصنافير".
وأشار إلى حجم الأزمة،
موضحا أنّ: "النظام المصري يرى أنه لم يجني من النظام السعودي قدر التضحية التي قدمها
بالتنازل عن جزء من أراضيه، لكن مع ذلك، فكلا النظامين لم ولن يصلا حد القطيعة، تاركين
التعبير عن هذا الخلاف للمستويات الأدنى، عبر صحفيين أمثال قينان الغامدي، ومسؤولين
مثل تركي آل الشيخ".
وعن تأثير قرار عدم
الاستعانة بالفنانين المصريين، يرى الأصور، أنه "خبر جيد ولعله يستمر، لأن محصلة
الأعوام الماضية من مشاركة المصريين كانت سلبية على مستوى كرامة الفنان والفن المصري،
والأمثلة على ذلك تعز عن الحصر".
وأشار إلى أنّ: "تغيير
المغني محمد الحلو كلمات تتر مسلسل من (عمار يا إسكندرية) لـ(عمار يا سعودية)، وتغيير
مصطفى قمر كلمات أغنية من (5 سنين في العطارين) لـ(5 سنين في السعودية)، فضلا عن الحالة
الأشهر للمشخصاتي بيومي فؤاد، والمغني محمد فؤاد، والمطربة الكبيرة نجاة، والمهانة
التي عرضت نفسها لها".
طبيعي لكنه بأسوأ طريقة
يعتقد الكاتب المصري، خالد محمد مندور، أن قرار آل الشيخ "تطور طبيعي لكنه تم بأسوأ طريقة دعائية؛ ومن
المرجح أن له علاقة غير مباشرة بعلاقات القاهرة والرياض، فالسعودية تطمح للحلول محل
مصر في دورها المحوري بالمنطقة، وهو طموح قديم تصاعد مع زيادة العوائد المالية للبترول".
وحول احتمالات نجاح
التجربة الفنية السعودية، قال لـ"عربي21"، إنّ: "التطور الحالي يتم قيادته
من أعلى وينقصه الكثير من الرشادة، لأنه لا يعكس تطورا اجتماعيا حقيقيا"، متسائلا:
"أين يصل؟، وهل يستطيع الحكم حشد القوى الاجتماعية للاستمرار في تأييده؟"،
مؤكدا أنه "طريق طويل وخطير لأن هذا التغيير تأخر كثيرا وقد يكون المحاولة الأخيرة
السابقة على الاضطراب الاجتماعي".
التصريح المهين والعيب
الحقيقي
انتقد مصريون منهم
الصحفي فتحي الحصري، طريقة إعلان تركي آل الشيخ للقرار، مؤكدا أنه: "كان يمكنه تفعيل
القرار في صمت، بدلا من هذا التصريح المهين".
وفي المقابل، طالب
الدولة المصرية بفتح أبواب العمل دون تعقيدات لأبناء مصر، مشيرا إلى أنّ: "تاريخ عمل طويل
لشركة "صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات"، و"قطاع الإنتاج" بالتليفزيون
المصري".
وكتب المخرج المسرحي
والسيناريست محسن رزق، عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنه "عندما تقرر السعودية التركيز
على كوادرها الوطنية ليس عيبا"، مؤكدا أنّ: "العيب الحقيقي يتمثل في: عدم فتح
أبواب العمل للمصريين في مصر"، مشيرا إلى أنّ: "الضرائب تخنق الإنتاج، والمسارح
مقفولة، ومدينة الإنتاج ساكنة، والشغل متوقف إلا على جهة واحدة".
سطوة تركي على الفن
المصري
تركي آل الشيخ، ووفق
مرسوم ملكي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2018، جرى تعيينه بمنصب رئيس هيئة الترفيه في إطار
"رؤية 2030"، ليقدم فعاليات فنية وغنائية بجدة والرياض، جلب لها فنانين مصريين
وسوريين، فيما دشن مهرجان "البحر الأحمر السينمائي" بجدة كانون الأول/ ديسمبر
2021.
وعبر وعود إنتاجية،
ومشروعات فنية، وأجور سخية، قدمتها "هيئة الترفيه"، نجح آل الشيخ، بفرض سيطرته
على المجال الفني بمصر، حيث يمنح فنانين الجوائز، والتكريم، وتذاكر الإقامة، والطيران،
لحضور المهرجانات والحفلات، ويوزع الأدوار الفنية، والدرامية، والغنائية، ومنح الجنسية،
وفي المقابل منع فنانين آخرين، انتقدوه.
وإلى جانب أزمة آل
الشيخ، والمطربة آمال ماهر، عام 2017، تفجرت أزمته والفنان محمد صبحي، الذي أعلن رفضه
تقديم عرض مسرحي للهيئة في شباط/ فبراير 2022، ليهين تركي الفنان المسرحي الشهير، ويطالب
بالكشف على قواه العقلية.
وإزاء، دعم الممثل
المصري باسم سمرة، موقف صبحي، أوقف آل الشيخ، عرض المسلسل المصري "منورة بأهلها"،
بمنصة "شاهد" السعودية، لتنتهي أزمة المسلسل باعتذار سمرة.
ومع رفض المصري محمد
سلام، المشاركة بعمل ترفيهي بالرياض، 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بالتزامن مع جرائم
الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، جرى حرمان سلام، من المشاركة بالأعمال السعودية،
والمصرية، ما عزاه البعض لضغوط آل الشيخ.
وفي مقابل تغنى كبار
الممثلين المصريين بـ"هيئة الترفيه"، وتركي آل الشيخ، وحضورهم القوي في الرياض،
كشفت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، شباط/ فبراير 2020، عن قلق مصري من نفوذ
تركي بالمجالين الفني والإعلامي، والتعامل المباشر مع الفنانين دون الرجوع إليها.
وفي موقف أثار فيه
توجس مصريين استضاف "موسم الرياض"، 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، مطربي
المهرجانات حمو بيكا، وحسن شاكوش، وعمر كمال، في الوقت الذي منعتهم فيه نقابة المهن
الموسيقية بمصر من الغناء بدعوى الحفاظ على الذوق العام.
وطالت عروض أنتجها
آل الشيخ انتقادات مصريين، ووصفوها بـ"الإسفاف"، وبينها في آذار/ مارس
2022، مسرحية "يا ألعب...يا أغلس"، من بطولة روجينا، وإخراج نقيب الممثلين
أشرف زكي، والذي اعتبره نشطاء إهانة للمرأة المصرية.
وفي توجه زاد مخاوف
البعض من احتكار الرياض لصناعة الفن والسينما والدراما العربية، أعلن آل الشيخ، وفي
شباط/ فبراير 2024، تأسيس صندوق "بيغ تايم" الاستثماري بتمويل 4 مليارات
جنيه مصري، بهدف رفع جودة المحتوى العربي في إنتاج وتوزيع وصناعة الأفلام.
وفجرت مخالفة الأزهر
الشريف في تجسيد الصحابة، التساؤلات مع إنتاج السعودية مسلسل "معاوية"، وعرضه
شباط/ فبراير الماضي، وتجسيد العمل التاريخي 3 من العشرة المبشرين بالجنة، و2 من آل
بيت النبي، وهما إلى جانب أمهات المؤمنين، وبنات الرسول، فئات 4 يرفض الأزهر الشريف
تجسيدها، بالسينما والدراما.
وشهد الشهر الماضي،
آكثر مواقف تركي تركي آل الشيخ المثيرة للتكهنات بإهانته وزير الصناعة والنقل المصري
الفريق كامل الوزير، أحد المقربين من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، والسخرية من نطق
الوزير لمصطلح بالإنجليزية.