ملفات وتقارير

السيسي يقنن بيع أملاك الدولة ويسرع بحصر الأراضي وطرح الأصول.. ماذا يبقى للشعب؟

إقرار السيسي القانون يسبق إتمام "صندوق النقد الدولي" المراجعة "الخامسة"- جيتي
أقرّ رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال أسبوع واحد، قانونين يختصان بأملاك الدولة "العامة" منها و"الخاصة"، وذلك وسط مخاوف من أن يتبع هذا التقنين "بيع مفرط" لأصول وممتلكات دولة يعاني اقتصادها من أزمات هيكلية خطيرة ومزمنة، وسط حاجة ملحة للعملة الصعبة لدفع أقساط، وفوائد، ومتأخرات دين خارجي يصل 160 مليار دولار.

القانون الأول
الأربعاء الماضي، نشرت الجريدة الرسمية، القانون (170 لسنة 2025)، المتعلق بتنظيم بعض الأحكام الخاصة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها، وذلك بعد تصديق السيسي، وموافقة مجلس النواب؛ ما يتيح بحسب بيان سابق لمجلس الوزراء المصري 15 حزيران/ يونيو الماضي، "تنفيذ تخارج الدولة من الأنشطة والصناعات المستهدفة"، تنفيذا لوثيقة "سياسة ملكية الدولة"، الصادرة في 2022، حول تخارج الدولة وكياناتها من القطاعات الاقتصادية.

ينتج عن القانون "وحدة حصر" لتنظيم ممتلكات الدولة، تستخدم عدّة آليات منها: التصرف بالبيع، وأساليب الطرح بالأسواق، وزيادة رأس المال، وتوسيع قاعدة الملكية، والتقسيم والاندماج، إلى جانب التصرف ببيع الأسهم والحصص وحقوق التصويت، في حالة الشركات التي تساهم فيها الدولة (غير المملوكة لها بالكامل).


أجواء إقرار القانون
إقرار السيسي القانون، يسبق إتمام "صندوق النقد الدولي" المراجعة "الخامسة"، وإجراء "السادسة" لاقتصاد البلاد في إطار قرض المليارات الثمانية، والتي يشترط لتمريرهما استكمال إجراءات تخارج "الدولة"، و"الجيش"، من قطاعات اقتصادية عديدة، وذلك بالتزامن مع ترويج حكومي جديد لصفقات طروحات راكدة منذ فترة لأصول مصرية بالبورصة وأمام مستثمرين استراتيجيين.

وفي 14 آب/ أغسطس الجاري، قالت مصادر حكومية لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية إنّ: "القاهرة بصدد طرح ليس أقل من 30 بالمئة من "بنك القاهرة" (حكومي)، وشركتي "صافي" و"وطنية" التابعتين للجيش، بالبورصة المحلية بين آب/ أغسطس الجاري وأيلول/ سبتمبر المقبل، وذلك قبل بدء مراجعتي صندوق النقد".

في السياق، يعمل مسؤولون بوزارة المالية المصرية على قائمة أطول تضم 11 شركة مملوكة للدولة مخصصة للإدراج في العام المالي (2025-2026)، بما في ذلك 5 شركات مملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش.

سجل البيع وخطط أخرى
تشير البيانات الحكومية والتقارير المالية إلى بيع حكومة القاهرة بشكل كامل أو عبر حصص بـ10 شركات حكومية لمستثمرين استراتيجيين أو بالطرح في البورصة، ضمن برنامج "الطروحات الحكومية" منذ عام 2022 بهدف زيادة الإيرادات الدولارية.

وجرى بيع 31 بالمئة من شركة الحديد والصلب (عز الدخيلة)، في أيلول/ سبتمبر 2023 بقيمة 241 مليون دولار إلى شركة "حديد عز".

وذلك إلى جانب حصص في 3 شركات بقطاع البترول، هي: "الحفر المصرية"، و"المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي" (إيلاب)، و"المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته" (إيثيدكو)، لشركة "أبوظبي القابضة"، تموز/ يوليو 2023، بقيمة 800 مليون دولار.

بالإضافة إلى نسبة 37 بالمئة من 7 فنادق تاريخية مملوكة للدولة، لشركة "آيكون" التابعة لمجموعة طلعت مصطفى، كانون الأول/ ديسمبر 2023 بقيمة 700 مليون دولار، لتستحوذ شركة (ADQ القابضة) بالشهر التالي على حصة في "آيكون".

وذلك إلى جانب طرح حصة 30 بالمئة من أسهم "المصرف المتحد" التابع للبنك المركزي للاكتتاب في البورصة تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

إلى ذلك، أعلنت الحكومة عن خطة لبيع حصص في 10 شركات مملوكة للدولة خلال 2025، بعضها يتبع القوات المسلحة، أبرزها: "الوطنية للبترول" (وطنية)، "صافي للمياه الطبيعية"، "سايلو فودز للصناعات الغذائية"، "النصر للبترول"، "فنادق تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام"، و"بنك القاهرة".

القانون الثاني
وفي 13 آب/ أغسطس الجاري، صدق السيسي، على القانون (168 لسنة 2025)، بخصوص قواعد التصرف بأملاك الدولة الخاصة، وذلك بعد موافقة الشهر الماضي من مجلس النواب على أحكامه التي تقنّن تحركات الدولة لحصر ممتلكاتها، وتقنين حالات "وضع اليد" على أراضي الدولة، والتي تشترط موافقة وزارة الدفاع وفق القانون الجديد والسابق لعام 2017.

تجدر الإشارة إلى أن القانون قد حدّد طرق التصرف في الأراضي بالبيع، أو الإيجار، أو الإيجار المنتهي بالتمليك، أو الترخيص بالانتفاع.

وبحسب المصدر نفسه، فإنّ: أملاك الدولة الخاصة تشمل الأراضي والمنشآت والمباني التي لا تخدم مصلحة عامة مباشرة، مثل الأراضي الزراعية أو الصناعية أو السكنية، بينما تشمل أملاك الدولة العامة الأراضي والمنشآت والمباني العامة، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والموانئ.

ويقول عدد من المحلّلين، إنّ: "التصرف في أملاك الدولة الخاصة، يعني قيام الدولة ببيع أو تأجير أو تمليك أو منح حق انتفاع على الأراضي أو العقارات التي تملكها ملكية خاصة وليست ملكية عامة".

تزامن القانون وإجراءات مثيرة للجدل
إقرار السيسي، لهذا القانون فتح بابا واسعا من التساؤلات والجدل، خاصة وأن التصديق على القانون سبقه قرار حكومي بحصر وتقييم جميع الأراضي المملوكة ملكية خاصة للدولة والمطلة على نهر النيل، بمحافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.

وسبق إقرار السيسي للقانون، قول رئيس وزرائه، مصطفى مدبولي، 12 آب/ أغسطس الجاري، إنّ: "الأراضي المطلة على النيل قيمتها عشرات المليارات من الجنيهات، وغير مستغلة بالشكل الأنسب"، معلنا "حصر تلك الأراضي وتقييمها بسعر السوق، مع وضع خطط لاستخدامها كاستخدام سياحي أو سكني إداري".

جرّاء ذلك، ربط محللون بين إقرار السيسي القانون، وبين إعلان مدبولي، متوقعين حدوث عمليات إخلاء واسعة على ضفاف نهر النيل وضمها إلى "صندوق مصر" السيادي تمهيدا لبيعها.

وحذروا من أن تكون للإمارات اليد الطولى في مثل هذه الصفقات، خاصة وأن هناك سوابق لها في "جزيرة الوراق" وسط نهر النيل، أو أن يسيطر الجيش عليها خاصة وأنه أمر بإخلاء مناطق "طرح البحر" على كورنيش نيل القاهرة، العام الجاري.

وفي أيلول/ سبتمبر 2024، أبلغ جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة 7 جهات ومنشآت بانتهاء عقود انتفاعها وإخلاء مبانيها بمنطقة أراضي طرح النهر التي تبلغ مساحتها حوالي 70 ألف متر مربع.

في ذات السياق، تم في الآونة الأخيرة، سحب اختصاصات وزارة الري في المناطق المحيطة بنهر النيل وإسنادها للشركة "الوطنية لحماية الشواطئ والمسطحات المائية" التابعة للجيش، إلى جانب "صندوق مصر" السيادي، الذي أصبح مالكا للأراضي السياحية والفندقية بمحيط النهر.

وفي 15 آب/ أغسطس الجاري، اجتمع رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بمحافظ القاهرة، ورئيس الجهاز المركزي للتعمير، ورئيس جهاز صندوق التنمية الحضارية، ووزير الإسكان، ومسؤولين من جهات الولاية الجديدة، بهدف الإسراع في حصر وتقييم وطرح تلك الأراضي.

وسط القاهرة في خطر
بالتزامن مع إقرار السيسي للقانونين المثيرين للجدل، انتهى "صندوق مصر" السيادي من التقييم المالي للأصول العقارية بمنطقة وسط القاهرة، من مباني الوزارات والهيئات الحكومية التي تم إخلاؤها عقب الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وأصول شركات التأمين بالقاهرة والمحافظات، تمهيدا لاتخاذ قرارات استثمارية بشأنها، وطرح الوحدات والمنشآت ومربع الوزارات أمام المستثمرين.

وبحسب موقع "البورصة" الاقتصادي، في تاريخ 16 آب/ أغسطس الجاري؛ قدّر التقييم سعر المتر في الوحدات السكنية بين 20 و28 ألف جنيه، بزيادة في الوحدات الإدارية بنحو 30 بالمئة، وبين 80 و120 ألف جنيه لسعر المتر للعقارات التجارية.

وفي 26 أيار/ مايو الماضي، وجّه رئيس الوزراء، بإجراء حصر شامل لجميع أملاك هيئة الأوقاف، من أجل تعظيم استغلال الأصول بطرحها للشراكة مع القطاع الخاص.

نظام مأزوم.. لهذا يبيع
الخبير الاقتصادي، مصطفى يوسف، تحدّث إلى "عربي21"، كاشفا عن أسباب توجّه السيسي، لإقرار تلك القوانين، وتبعاتها ودلالات توقيت التصديق عليها، وخطورتها على ممتلكات وأصول الدولة العامة والخاصة، والبدائل من وجهة نظره لتلك السياسات.

الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، قال إنّ: "النظام مأزوم، وتوقفت مراجعة صندوق النقد الخامسة وتم دمجها مع المراجعة السادسة وهذه لها دلالاتها وتأثيراتها، خاصة في ظل أعباء الديون الخارجية".

وأوضح ثانيا، أنّ: "النظام ليس لديه أية قدرة على التأثير في قرار المؤسسة العسكرية بعدم التخلي عن الشركات التابعة للجيش، في الوقت الذي أكد فيه صندوق النقد مرارا أنه لا يصح أن تمتلك المؤسسة العسكرية نحو 77 بالمئة من اقتصاد البلاد".

يوسف، مضى يؤكد أنه "لذلك فإن عدم قدرة النظام تلك تجعله ومع أزمة الديون المتفاقمة يتجه لبيع الأصول بأثمان بخسة"، ملمّحا إلى: "استحوذ جهاز (مستقبل مصر للتنمية المستدامة)، التابع للقوات الجوية، على 89.66 بالمئة من إجمالي أسهم الشركة (العربية لاستصلاح الأراضي) الحكومية، مقابل 23.3 مليون جنيه بقيمة 5 بالمئة فقط من قيمتها السوقية".

استيلاء على الأصول
"يستولي على الأصول الحكومية لمصلحة المؤسسة العسكرية، أو يبيع الأصول المميزة مثل تلك المطلة على نهر النيل وأي أرض مميزة أخرى في الساحل الشمالي الغربي وغيره، ويبيعها للخليجيين" بحسب الخبير الاقتصادي نفسه.

وبيّن في حديثه لـ"عربي21": "يفعل هذا ليغطي العجز المتفاقم في الميزانية العامة للدولة وخدمة الديون التي تلتهم جزءا ضخما من الموازنة".

ولفت إلى أنه: "في موازنة العام المالي (2025-2026) يبلغ العجز المتوقع 1.5 تريليون جنيه (نحو 30 مليار دولار)"، مبينا أنه "الفرق بين المصروفات والإيرادات غير شاملة أقساط الديون التي تتجاوز هذا الرقم".

وأكّد أنّ: "فوائد الديون تستنزف أكثر من 70 بالمئة من عائدات الدولة"، فيما يعتقد أنّه: "لذلك فالموقف في منتهى الخطورة، وكل الأصول الشركات الناجحة والأراضي بدءا برأس الحكمة ثم رأس جميلة ورأس شقير وأراضي أخرى مميزة صارت تطرح للإماراتيين، والسعوديين، وظهر القطريون في الصورة مؤخرا".

ويرى أنّ: "مصر تباع لأن النظام لا يقدر على مجابهة تضخم الديون؛ طبقا لصندوق النقد الدولي، والدين الذي يقترب من 160 مليار دولار، وبعد كل تلك المبيعات التي باعها من الأصول، وبعد كم كبير من المعونات والمنح التي لا ترد بأكثر من 60 مليار دولار منذ بدء نظام 3 يوليو 2013".

وألمح إلى أنّ: "الدين الداخلي قفز من نحو 1.2 تريليون جنيه وقت الانقلاب إلى 13.3 تريليون جنيه بالربع الثالث من 2024، ليصل أكثر من 10 أضعافه في 12 عاما، فيما قفز الدين الخارجي من 43 مليار دولار عام 2013، ليسجل بالربع الأول من العام الحالي 156.7 مليار دولار، ويقفز  4 أضعاف، ووفقا لصندوق النقد سيتعدى الدين الخارجي 200 مليار دولار عام 2030".

وختم متوقعا حدوث أزمات مثل انهيار العملة المحلية التي تعيش مرحلة تماسك مع ما يدخل البلاد من الأموال الساخنة التي تفاقم من عجز الموازنة ويترتب عليها كوارث اقتصادية حينما تحل آجال استحقاقها، لذا هو يبيع طوال الوقت، والآن يظهر ملف تهجير الفلسطينيين. مستفسرا: "هل يضطر لقبوله ويحاول إقناع المصريين، مقابل حل أزماته؟".

وعلى الجانب الآخر، وفي مقابل تقنين السيسي، عمليات بيع الأصول، وحصر الأراضي والمنشآت لطرحها للمستثمرين، يشكو مصريون من أوضاع اقتصادية صعبة، وأحوال معيشية قاسية، عبر منشورات متسارعة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.