ملفات وتقارير

بعد تحولها لقضية رأي عام.. القضاء العراقي يُغلق التحقيق بوفاة الطبيبة بان زياد

وفاة الطبيبة النفسية "بان زياد" تحولت لقضية رأي عام في العراق - أكس
قرر مجلس القضاء الأعلى الاثنين، إغلاق ملف التحقيق بحادثة وفاة الطبيبة البصرية بان زياد طارق ، لافتاً على أن الحادث كان "انتحاراً"، محاولًا بذلك إنهاء الجدل في مأساة تحولت إلى قضية رأي عام خرجت على إثرها تظاهرات في عدة محافظات تطالب بتحقيق شفاف ومستقل فضلا عن تصدر منصات التواصل وسم حمل عنوان #بان_قضيتنا، فيما أكد قانونيون إمكانية الطعن بقرار المحكمة وإعادة التحقيق.



وفي يوم الاثنين الماضي الموافق 4 آب/أغسطس الجاري، توفيت الطبيبة بان زياد طارق في مدينة
البصرة في ظروف غامضة، حيث أعلنت عائلتها أنها انتحرت بعد معاناتها من حالة اكتئاب، وهو تفسير لم يجد قبولًا لدى الشارع العراقي لعدة أسباب، منها وجود فجوة ثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية التي يرى الكثير منهم بأنها مخترقة ومسيسه، وهو ما تشير إليه بين الحين والآخر منظمة العفو الدولية التي تطالب بمعالجة الـ"عيوب الجسيمة في النظام القضائي ووقف التدخُّل السياسي به".

إضافة لذلك مكانة الضحية أكاديميا واجتماعيا، حيث استبعد زملاء لها ومقربون منها رواية الانتحار لما تملكه "بان زياد" من شغف بالحياة وسعيها إلى معادلة شهادتها في بريطانيا، فضلا عن مشاريعها للمرضى النفسيين في محافظة البصرة، متسائلين:" كيف يمكن لشخص أن يُقدم على الانتحار وهو دائم التخطيط للمستقبل، وافتتح عيادة نالت ثقة المرضى وأساتذتها على حد سواء؟".


أكثر ما استفز الشارع العراقي هو تبني عدد من السياسيين تصريحات منذ اليوم الأول لوفاة الطبيبة أكدوا فيها أنها "انتحرت"، ما ولد الشك والريبة لدى طيف واسع من الجمهور عن سبب إصرار هؤلاء نفي وجود أي شبهة جرمية على الحادث، فيما بثت بعض القنوات الفضائية التابعة للأحزاب برامج استضافت فيها شخصيات قال ناشطون إنه تم انتقائهم بما يخدم رواية الانتحار.


العضو السابق بمفوضية حقوق الإنسان الدكتور علي البياتي وبعد صدور قرار المحكمة القاضي بأنها الحالة كانت انتحارا وليس جريمة قتل، قال على منصة "أكس" إن:" تأخر صوت ودور المؤسسات المعنية، أعطى المجال للكثير من التأويل والتفسير، فيما خلق تدخل السياسيين رأي عام معاكس يكرههم أساسًا ويرفض تصديق أي شيء يصدر منهم حتى إن كان قريب من الحقيقة"، لافتا إلى أن صدور قرار المحكمة لن ينهي حالة التوتر في الشارع العراقي.


ناشطون على منصات التواصل، قالوا إن تراكمات 20 عامًا لن تدفع بالعراقيين ليصدقوا ما صدر عن القضاء، فيما تساءل آخرون عن سبب اقحام برلمانيين وسياسيين انفسهم بقضية الطبيبة بان، ومجزمين بأن الحالة كانت انتحارا، وكأنهم متيقنين مسبقًا بما سيكون عليه القرار النهائي، كما وعجت المنصات ببيانات رأي لأطباء اختصاص في التشريح وكيف أنهم أكدوا بأن هناك مجرم وضحيه.




اسراء الخفاجي عضو لجنة حقوق الانسان في نقابة المحامين العراقيين، قالت إن" كل الدلائل تشير الى مقتل الدكتورة (بان زياد) وليس عملية انتحار، تصريحات جاءت بعد تسريب مقطع مصور للكشف الأولي على جثة الضحية والذي ظهر فيه أصوات متحدثين من داخل المستشفى دون عرض وجوههم وهم يشيرون إلى وجود شبهة جنائية، حيث وصلت الطبيبة من دون نبض، مع وجود جرحين متماثلين بكلا اليدين بطول 9 سم وعرض 7 سم وبعمق يصل الى العظم وبشكل طولي، إضافة إلى كدمات حول الرقبة والوجه تشير لعملية خنق، مع وجود دماء على الملابس، فضلا عن تجاهل التقرير الطبي فحص خصلات من الشعر عثر عليها بيد الضحية، كما وأثارت عبارة "أريد الله" التي زُعم أنّ الطبيبة كتبتها بدمها على باب الحمام مع عنايتها بوضع حركات النحو على حروفها حالة من الشك لشخص منهار نفسيًا ومقدم على الانتحار، علمًا أنّ المجني عليها تستخدم اليد اليسرى عادة، حيث أكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، مهدي التميمي، أن العبارة كتبت بخط كبير وبمساحة 50 سم مربع، وبطريقة جميلة جدا "كل حرف مزدوج خط بدم" ترتفع عن الأرض بمقدار 20 إلى 30 سم.


وتساءلت أخصائية التشريح مها عز الدين قصاب، كيف تمكنت الضحية من قطع أوتار يدها اليمنى لتقوم بعدها باستخدام تلك اليد لقطع أوتار اليد اليسرى، ثم بعد ذلك تقوم بشنق نفسها؟ واصفاً الرواية بأنها "بعيدة من الحقائق العلمية ولا يمكن للعقل أن يصدقها"، داعية إلى حماية النساء من تكرار مثل هذه الجرائم التي تُسجّل غالباً بغير حقيقتها.


نشطاء تصفحوا حساب الطبيبة بان زياد المدافعة البارزة عن الصحة العقلية على منصة "إنستغرام" , مشيرين لمحاضراتها التربوية والتثقيفية بشأن الطب النفسي التي ألقتها في مؤتمرات علمية وفيديوهات أخرى قصيرة تشرح مفاهيم الصحة النفسية، ليعودا ويطرحوا السؤال نفسه" كيف لمثل هذه أن تنتحر وهي شغوفة بعملها".

ومنذ حادثة الوفاة، شهد العراق احتجاجات ووقفات ميدانية وحملات ضغط إلكترونية للتشكيك في رواية انتحار الطبيبة بان زياد، والمطالبة بمراجعة مستقلة لملابسات الحادث، رغم أنهم لم يقدموا أي دليل ملموس يدعم نظريات التلاعب بنتائج التحقيقات.



ويشهد العراق جدلاً مماثلاً، حيث يُسجل قتل النساء أحياناً على أنه انتحار من قبل العائلات أو السلطات، ووثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية حالات عنف وجرائم قتل يُشتبه أنها تستهدف النساء، وُصفت بالانتحار، في حين يتضمن قانون العقوبات العراقي أحكاماً تُخفف العقوبات على العنف المرتكب بدوافع الـ"شرف".