نشرت مجلة "
إيكونوميست" افتتاحية تناولت اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب ونظيره الروسي فلاديمير
بوتين في ألاسكا، مشيرة إلى أنه سيكون السابع بينهما، لكنه يختلف جذرياً عن سابقاته، إذ يأتي في ظل حرب روسية “غير مبررة” على أوكرانيا، خلفت وفق تقديرات ما يصل إلى مليون قتيل وجريح روسي، وألحقت بالأوكرانيين معاناة عميقة في إطار “حلم إمبراطوري” يسعى بوتين لتحقيقه.
وترى المجلة أن ترامب المعروف بعدم التراجع، يسعى إلى اختبار أسلوبه الفريد في التفاوض أمام “ديكتاتور عنيد”، على أمل استكشاف نواياه والتوصل إلى اتفاق.
وتصف إيكونوميست هذا اللقاء بأنه أكبر امتحان حتى الآن لدبلوماسية ترامب، ومرآة لتقلب السياسة الخارجية الأمريكية. وتطرح تساؤلات مثل٬ هل سيظهر ترامب موقفاً صارماً يؤكد التزام واشنطن وحلفائها بسيادة أوكرانيا؟ أم يسرع إلى إعادة العلاقات مع موسكو، مانحاً بوتين مكافأة على عدوانه وترك كييف عرضة لهجمات مستقبلية؟
وبحسب المجلة، فإن نهج ترامب منذ بداية ولايته الثانية قائم على “الحدس” أكثر من الخبرة المؤسسية، مستفيداً من مهاراته التفاوضية وقدرته على قراءة رغبات ومخاوف الأطراف الأخرى، معتمداً على الضغط الاقتصادي، خاصة عبر التهديد بإغلاق السوق الأمريكية لإجبار الخصوم على تغيير مواقفهم.
لكن هذا النهج، رغم إمكانية تحقيقه اختراقات كالسلام في أوكرانيا يحمل عيوباً كبيرة، منها الإضرار بالمصالح الأمريكية عبر الرسوم الجمركية، والتخلي عن المبادئ العالمية لصالح مبدأ القوة، ما ينفر الحلفاء ولا يردع الأعداء، ويجعل السياسة الدولية أقل استقراراً وأكثر خطورة.
وتقسم إيكونوميست رهانات ترامب إلى ثلاث فئات: رهانات عالية المخاطر٬ وتشمل العلاقات مع القوى الكبرى غير الصديقة مثل روسيا والصين، إضافة إلى العلاقة بين “إسرائيل” وإيران.
وتعتبر المجلة أن أي نجاح في إنهاء الحرب الأوكرانية أو تحقيق سلام بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين أو التعاون مع
الصين دون المساس بالأمن القومي سيكون إنجازاً هائلاً.
الفئة الثانية وهي رهانات متوسطة المخاطر٬ وتضم دولاً مثل
البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، التي ترغب كل من واشنطن وبكين في استمالتها، لكنها ترفض أسلوب الإملاءات، وتتعرض علاقاتها مع أمريكا للتوتر بسبب تصريحات وإجراءات ترامب.
الفئة الثالثة وهي رهانات منخفضة المخاطر٬ وتشمل دولاً صغيرة أو فقيرة حيث يمكن لواشنطن تحقيق أهداف استراتيجية بسهولة أكبر، مثل وساطة ترامب في السلام بين أذربيجان وأرمينيا، وهدنة الكونغو ورواندا، رغم هشاشتها.
وترى المجلة أن أداء ترامب في الرهانات المتوسطة كان ضعيفاً، إذ افتعل خلافات مع البرازيل بسبب محاكمة رئيس سابق مقرب منه، ومع جنوب إفريقيا نتيجة اعتقاده الخاطئ باضطهاد البيض، وأغضب الهند بفرض رسوم جمركية قاسية. ونتيجة لذلك، اقتربت هذه الدول من روسيا أو الصين، بينما خسرت واشنطن فرصاً استراتيجية.
أما في الملفات الكبرى، فتشير إيكونوميست إلى أن ترامب لم ينجح في “تركيع” الصين بالرسوم الجمركية، وتراجع عن مواقفه بتمديد المهل ورفع الحظر عن تصدير رقائق “إنفيديا” مقابل خصم مالي.
وفي أوكرانيا، اتسم موقفه بالتقلب، بين لوم كييف على الغزو الروسي وتهديد بقطع المساعدات، ثم اتهام بوتين بسوء النية والوعيد بعقوبات أشد.
وفي ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، تعطي المجلة مثالاً على دعمه غير المشروط لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفشله في كبح حرب غزة رغم ضرباته للمواقع النووية الإيرانية التي عززت أمن تل أبيب.
كما تذكر كيف تعلمت بعض الدول استغلال ترامب عبر إغراءات شخصية، مثل باكستان بترشيح لجائزة نوبل وصفقة عملات مشفرة، وقطر بإهدائه طائرة.
وتخلص إيكونوميست إلى أن سجل ترامب مليء بالصفقات غير المكتملة، وأن من يتهمونه بالسعي وراء مصالحه الشخصية أكثر من المصلحة الوطنية يجدون الكثير مما يدعم حجتهم.
ومع ذلك، ترى المجلة أن لقاءه المرتقب مع بوتين قد يمنحه فرصة لعقد “أعظم صفقة في مسيرته”، بإنهاء أسوأ حرب في أوروبا منذ 1945، لكن جميع المؤشرات لا تبدو في صالحه.