استعرضت صحيفة
"سفابودنايا براسا" الروسية احتمالات عودة
روسيا إلى قاعدة كام رانه
البحرية في
فيتنام لتعزيز حضورها العسكري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في مواجهة
تمدد النفوذ الغربي وتحوّل مركز الثقل العالمي نحو الشرق.
وقالت الصحيفة في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف
فولودين، قام بزيارة رسمية إلى فيتنام يوم الإثنين 29 أيلول/ سبتمبر، وأجرى
مباحثات مع الرئيس الفيتنامي لونغ كونغ.
وذكرت أن فولودين أكد
أن الهدف الأساسي من زيارته يتمثل في المضي قدما بتنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها
قادة البلدين، مشددا على أن ذلك سيسهم في تسريع وتيرة تطوير العلاقات الروسية
الفيتنامية.
وأوضحت الصحيفة أنه
بالرغم من الطابع البروتوكولي للزيارة، إلا أنها تتزامن مع انعقاد الدورة الرابعة
للجنة البرلمانية المشتركة للتعاون بين مجلس الدوما والجمعية الوطنية الفيتنامية.
وتتناول أعمال اللجنة
جملة من القضايا، من بينها تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية وتحسين
مناخ الاستثمار، إضافة إلى متابعة التشريعات في مجالات العلوم والتكنولوجيا،
وتوسيع آفاق التعاون في قطاعات التعليم والثقافة والسياحة وغيرها.
حضور بريطاني
وقالت الصحيفة إن هذا
التقارب بين روسيا وفيتنام أثار الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت التحركات
الروسية تخفي أهدافا استراتيجية أوسع يجري العمل عليها بعيدا عن الأضواء.
وأضافت أن هذه
التساؤلات اكتسبت زخما إضافيا في ضوء ما أوردته قناة "آسياتار" المتخصصة
في شؤون آسيا والمحيط الهادئ على موقع "تليغرام"، حيث لفتت إلى تزايد
حضور البريطانيين في فيتنام خلال الفترة الأخيرة.
وقد كشفت وزارة الدفاع
البريطانية مؤخرا عن نيتها التعاقد مع شركة خاصة لتأمين خدمات صيانة طويلة الأمد
للسفن الحربية البريطانية في الموانئ الفيتنامية خلال الفترة من 2025 حتى 2029.
وكتبت قناة آسياتار:
"كانت فيتنام ترفض سابقا صيانة السفن العسكرية الأجنبية في موانئها التزاما
بسياساتها الوطنية. إلا أن السلطات عدلت عن هذا المبدأ في آب/ أغسطس الماضي، ما
أتاح هذا النوع من التعاون، الأمر الذي سارع البريطانيون إلى استغلاله".
وأضافت القناة:
"مع ذلك، لا يدور الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية على غرار سنغافورة، ولا عن
تمركز دائم للسفن البريطانية، وهو ما يتعارض مع نهج السياسة الفيتنامية. لكن توقيع
عقد من هذا النوع قد يسهم في تسهيل حركة الأسطول البريطاني في المنطقة، ويجعل من
ظهوره أكثر تكرارا، بما في ذلك في مياه بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها".
قاعدة استراتيجية مهمة
في خضم النقاش حول
التحركات الروسية في فيتنام خلال الأسابيع الأخيرة، برزت فرضية مفادها أن موسكو قد
تسعى مجددا إلى الحصول على موطئ قدم في قاعدة كام رانه البحرية، التي تُعد
واحدة من أفضل الموانئ العميقة في العالم والمهيأة لاستقبال الغواصات.
وفي هذا السياق، يقول
أندريه كوشكين رئيس قسم العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية في جامعة بليخانوف
الروسية للاقتصاد، أن قاعدة كام رانه في فيتنام، شأنها شأن قاعدة لورديس في كوبا،
تُعد من المواقع ذات الأهمية الكبيرة من منظور جيوستراتيجي.
وأكد كوشكين أن لروسيا
خبرة سابقة في توظيف القواعد الخارجية لتعزيز حضورها الدولي، مشيرا إلى أن قاعدة
لورديس في كوبا مكّنت موسكو من مراقبة ما لا يقل عن 70 بالمئة من الأراضي
الأمريكية.
وأوضح أن قاعدة كام
رانه في فيتنام تتميز بقدرات تقنية متقدمة تجعلها من بين أهم القواعد البحرية في
العالم، فضلا عن موقعها الاستراتيجي، مضيفا أن العلاقات التاريخية المتجذرة بين
موسكو وهانوي تمنح الطرفين قاعدة صلبة يمكن البناء عليها لتعميق التعاون وإيجاد مسارات
جديدة للشراكة.
وحسب رأيه، فإن إعادة
تفعيل التعاون في كام رانه يمثّل اتجاها واعدا للغاية، خصوصا في ظل توجه روسيا
بخطى متسارعة نحو الشرق.
وقال كوشكين بشأن
تأثير هذه الخطوة على احتمالات التقارب الروسي مع الغرب: "أحد رأسي النسر
الروسي في شعار الدولة لا يزال ينظر نحو الغرب. لكن الآفاق المستقبلية باتت في
آسيا، ولا سيما في منطقة جنوب شرق القارة. هناك صعود للنمور الآسيوية، ومراكز
جديدة في طور النمو والنهضة".
وأضاف كوشكين:
"من بين هذه الدول تظل فيتنام الأقرب إلينا، ليس فقط من منظور جيوسياسي، بل
أيضا بفضل روابط تاريخية عميقة. جيل كامل من مواطنينا ترعرع على أحداث تلك الحرب
التي وقفنا فيها إلى جانبها، وتابع تطوراتها عبر شاشات التلفزيون والإذاعة الصحف،
ما عزز شعورا بالانتماء المشترك والتقارب الوجداني مع الشعب الفيتنامي".
توسيع النفوذ في آسيا
والمحيط الهادئ
وردا على سؤال حول
أهمية العلاقات الروسية الفيتنامية في ظل التحولات الراهنة على المستوى العالمي،
قال كوشكين: " نجد أنفسنا اليوم محاصَرين تقريبا على طول حدودنا من
جميع الجهات. خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، شدد وزير خارجيتنا
سيرغي لافروف على أن حلف الناتو يسعى بكل الوسائل إلى التغلغل في منطقة المحيطين
الهندي والهادئ، أو كما نُسميها نحن تقليديا منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
وأضاف كوشكين:
"إذا كان الحلف جادّا في محاولاته لتهديد مصالحنا الوطنية والجيوسياسية هناك،
فإن من واجبنا أن نعزز وجودنا ونطوّر إمكاناتنا في تلك المنطقة لضمان حماية
مصالحنا".
وأكد الخبير الروسي أن
تفاصيل أي تفاهمات سرية قد لا تُكشف للرأي العام، موضحا: "ليس من الضروري أن
نعرف جميع التفاصيل. الأهم هو الثقة بأن العديد من نماذج التعاون العسكري التقني
بين روسيا وفيتنام تُناقَش بالفعل على أعلى المستويات مع القيادة الفيتنامية، وذلك
في ظل الوضع الجيوسياسي المتأزم الذي يفرض نفسه اليوم".
واعتبر أن استفادة
روسيا من العودة العسكرية إلى قاعدة كام رانه تعتمد على نوعية القوات والموارد
التي ستتمركز هناك.
وأضاف: "يكفي أن
نتذكر تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي طالب بشكل هستيري بضرورة عودة
واشنطن إلى قاعدة باغرام في أفغانستان، التي شيّدها في الأصل الخبراء السوفييت.
لقد أدرك ترامب حينها القيمة الهائلة لما يُشبه حاملة الطائرات البرية غير القابلة
للإغراق، حيث يمكن عبرها فرض السيطرة في آن واحد على روسيا والصين وإيران، فضلا عن
أهداف أصغر، إذا ما تمركز هناك على سبيل المثال عشرة آلاف جندي أمريكي مجهزين
بأنظمة دفاع جوي ووسائل حرب إلكترونية واستطلاع فضائي".
ويرى كوشكين أن وجود
قاعدة عسكرية روسية في كام رانه سيعزز بشكل كبير موقع روسيا الجيوستراتيجي، لذلك
من المنطقي -حسب تعبيره- افتراض أن الهدف الأساسي من الشراكات المتنامية مع فيتنام
حماية المصالح الروسية في آسيا والمحيط الهادئ.
ويقول كوشكين: " يتفق
الجميع اليوم على أن العالم ينتقل من مركزية أوروبا وأمريكا إلى مركزية آسيا. ومن
يتأخر في اللحاق بالركب ليكون في قلب هذا التحول الجديد، سيجد نفسه بلا شك في موقع
الخاسر".