صحافة دولية

كاتب أمريكي: ترامب أقام آلية للإخفاء القسري ويهدد السياسة الخارجية

الولايات المتحدة تعهدت بترحيل آلاف المهاجرين غير الشرعيين- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للباحث في مركز دراسات اللاجئين بجامعة أكسفورد، جيف كريسب، تناول قرارات ترامب بخصوص المهاجرين تحديدا.

وقال كريست إن ترحيل الرعايا الأجانب إلى دول غير وطنهم أصبح محورا أساسيّا في سياسة الهجرة التي تنتهجها إدارة ترامب إذ أُرسل آلاف الأشخاص إلى دول في نصف الكرة الغربي، بما في ذلك كوستاريكا والسلفادور والمكسيك وبنما.

وأضاف، أن ترامب يستخدم المهاجرين كعملة في شبكة عالمية من المفاوضات الجيوسياسية. تُطبّع إدارته استخدام الفئات الضعيفة كورقة مساومة لانتزاع صفقات أفضل مع الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء. 

وفيما يلي نص المقال:

الولايات المتحدة نقلت جوا مجموعة من ثمانية مهاجرين إلى جيبوتي، وهي دولة صغيرة في القرن الأفريقي، في أيّار/ مايو حيث احتُجز الرجال - وهم من كوبا ولاوس والمكسيك وميانمار وفيتنام وجنوب السودان - لأسابيع في حاوية شحن مُعدّلة في قاعدةٍ عسكريةٍ أمريكية.

وأضاف، أنه بعد أكثر من شهر، قضت المحكمة العليا الأمريكية بإمكانية نقل الرجال، الذين أُدينوا جميعًا بجرائم خطيرة، إلى وجهتهم النهائية: جنوب السودان، البلد الذي يعيش على شفا المجاعة والحرب الأهلية. أقرّ توم هومان، مسؤول الحدود، بأنّه لا يعلم ما حدث لهم بعد إطلاق سراحهم من الحجز الأمريكي. وقال: "بالنسبة لنا، هم أحرار".


وسرعان ما أصبح ترحيل الرعايا الأجانب إلى دولٍ غير وطنهم محورا أساسيّا في سياسة الهجرة التي تنتهجها إدارة ترامب إذ أُرسل آلاف الأشخاص إلى دول في نصف الكرة الغربي، بما في ذلك كوستاريكا والسلفادور والمكسيك وبنما.


وفي قمةٍ عُقدت مؤخرًا لقادة غرب إفريقيا، ضغط الرئيس ترامب عليهم لاستقبال المُرحّلين من الولايات المتحدة، مشددًا، بحسب التقارير، على أنّ المساعدة في شؤون الهجرة ضرورية لتحسين العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة. وفي المجمل، تواصل مسؤولو الإدارة مع عشرات الدول في محاولة لإبرام صفقات لقبول المُرحّلين.

وتُحرز الإدارة تقدمًا ملحوظًا: ففي الأسبوع الماضي، أُرسل خمسة رجال إلى دولة إسواتيني الصغيرة غير الساحلية في جنوب إفريقيا بعد أن زُعِم أنّ بلدانهم الأصلية "رفضت استعادتهم"، وفقًا لمساعدة وزير الأمن الداخلي، تريشيا ماكلولين. ولم يُكشف عن شروط الصفقة.

في بعض النواحي، هذا ليس بالأمر الجديد. فقد أصبح من الشائع بشكل متزايد أن تُعيد أكثر دول العالم ازدهارًا توطين المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين إلى أماكن لا تربطهم بها صلة سابقة تُذكر أو لا تربطهم بها أي صلة.

وقد سعت الإدارات الأمريكية السابقة من كلا الحزبين إلى احتجاز المهاجرين في دول ثالثة كحلول سهلة. في تسعينيات القرن الماضي، أرسل الرئيسان جورج بوش الأب وبيل كلينتون آلاف اللاجئين الهايتيين إلى معسكرات الاعتقال في خليج غوانتانامو قبل إعادتهم قسرًا إلى هايتي.

الجديد في جهود الترحيل التي تبذلها إدارة ترامب، على عكس المحاولات الأوروبية السابقة أو حتى الأمريكية، هو اتساع حجمها ونطاقها، مما حوّل عمليات طرد المهاجرين فعليًّا إلى أداة للضغط الدولي.

من خلال ترحيل الرعايا الأجانب إلى دول ثالثة غير مستقرة في كثير من الأحيان، لا تخلق إدارة ترامب فئة جديدة من المنفيين الذين لا أمل لهم في العودة إلى الولايات المتحدة أو بلدهم الأصلي فحسب، بل تستخدم أيضًا هذه الفئات الضعيفة صراحة كأوراق مساومة في استراتيجية أوسع نطاقًا لعقد الصفقات الدبلوماسية والجيوسياسية.

تُمثّل هذه الاستراتيجية تطوّرًا مهمًّا في ممارسةٍ اكتسبت زخمًا في جميع أنحاء العالم المتقدّم. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وضعت أستراليا ما يُسمّى بـ"الحل الهادئ"، وهو ترتيب حوّل طالبي اللجوء الواصلين بالقوارب أو الذين تم اعتراضهم في البحر إلى مراكز احتجاز في دولتي ناورو وبابوا غينيا الجديدة الجزريتين مقابل مزايا، بما في ذلك مساعدات التنمية والدعم المالي.

في عام 2016، وفي خضم ما كان آنذاك أكبر نزوح للناس في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، أبرم الاتحاد الأوروبي صفقة سمحت له بإعادة المهاجرين الواصلين إلى اليونان من تركيا عبر وسائل غير نظامية إلى تركيا - بما يصل إلى ستة مليارات يورو.

وقد واجهت بعض هذه الجهود تحدّيات قانونية. فعلى سبيل المثال، ابتداءً من عام 2022، حاولت المملكة المتحدة إنشاء برنامج من شأنه أن يُرحّل تلقائيًّا بعض طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير قانوني إلى رواندا، بتكلفةٍ تزيد عن نصف مليار جنيه إسترليني - تم دفع أكثر من 200 مليون منها مقدّمًا. قضت المحكمة العليا البريطانية بأنّ هذه السياسة غير قانونية، وألغى رئيس الوزراء البريطاني الخطة العام الماضي.

لكن دولًا عديدة لا تزال صامدة. ففي عام 2023، وقّعت إيطاليا اتفاقية سمحت لها بإرسال بعض المهاجرين الذين أنقذتهم السفن الإيطالية في المياه الدولية إلى مراكز احتجاز في ألبانيا، وهي تُواصل جهودها حتى في مواجهة العقبات القانونية. وفي ربيع هذا العام، اقترح الاتحاد الأوروبي إنشاء "مراكز عودة" في دول ثالثة لطالبي اللجوء المرفوضين.

ورغم تنوّع أشكال هذه الاتفاقيات، إلا أنّ الدول التي تُبرمها تُحفّزها مخاوف متشابهة. فدول العالم الأكثر ثراءً ترغب في الحفاظ على سيطرتها على حدودها، وتشعر بالضيق الشديد من وصول الأشخاص الذين يدخلون بطرق غير شرعية، لا سيّما القادمين من دول منخفضة الدخل يربطها الكثيرون بالجريمة والعنف والإرهاب. وتنجذب حكومات دول المقصد إلى مثل هذه الاتفاقيات بوعود الدعم المالي والدبلوماسي والعسكري.


وفي معظم أنحاء الغرب، ومع تحوّل الرأي العام ضد الوافدين الجدد، صوّر صانعو السياسات والمحللون على حدٍّ سواء المهاجرين على أنّهم تهديد للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي. ويُجادلون بأنّ هؤلاء المهاجرين يفرضون عبئًا لا يُطاق على ميزانيات الحكومات والخدمات العامة، ويحرمون المواطنين من فرص العمل. لعبت العنصرية وكراهية الأجانب، اللتان يُغذيهما السياسيون الشعبويون ووسائل الإعلام اليمينية، دورًا هامًّا في تهيئة بيئة سامة يُنظر فيها بشكل متزايد إلى طرد المهاجرين إلى وجهات عشوائية على أنّه أمر مشروع.

ولكن ما مدى مشروعيته؟ غالبًا ما تتجاهل عمليات الترحيل من دول ثالثة الإجراءات القانونية الواجبة وتُنتهك القانون الدولي، الذي يُحظَر على الدول بموجبه ترحيل هؤلاء الأشخاص إلى أي مكان تكون فيه حياتهم أو حريّتهم مُعرّضة للخطر. كما أنّها غير أخلاقية بشكل واضح، إذ تفرض ضغوطًا إضافية على الأشخاص الذين خاضوا رحلات مؤلمة، والذين يُلقى بهم بعد ذلك في أماكن بعيدة وغير مألوفة.

لدى العديد من الدول المُصنّفة كوجهات للترحيل سجلات قاتمة في مجال حقوق الإنسان، وهي غير آمنة لجميع المدنيين، ناهيك عن المُرحّلين الأجانب، الذين يُحتمل أن يكونوا هدفًا للإساءة والاستغلال. في أسوأ الحالات، كما هو الحال مع المُرحّلين الأمريكيين في السلفادور، قد يجدون أنفسهم في سجونٍ حيث تُمارس السلطات عنفًا جسديًّا ونفسيًّا بشكل روتيني على السجناء.

هذه الاتفاقيات المتعلّقة بالترحيل لها عواقب وخيمة على السياسة الدولية. فهي تُشجّع الدول الأصغر والأضعف على الانخراط في سلوكيات تجارية، تُسَلّع حياة البشر من خلال مقايضة جثث المهاجرين بالنقود، ومساعدات التنمية، والدعم الدبلوماسي، والإفلات من العقاب الدولي.

بل قد تُعزّز إفلات الأنظمة الاستبدادية من العقاب التي تنتهك حقوق مواطنيها. ففي حالة السلفادور، على سبيل المثال، ورد أنّ من بين المُرحّلين من الولايات المتحدة بعض قادة العصابة الإجرامية MS-13، الذين يُعتقد أنّهم قادرون على كشف الروابط بين الرئيس نجيب بقيلة والعصابة.

على مدى ما يقرب من ثلاثة أرباع قرن، عملت شبكة من الأدوات والمؤسسات والمعايير الدولية كحواجز، وإن كانت ناقصة، لضمان معاملة اللاجئين وطالبي اللجوء وغيرهم من المهاجرين معاملة إنسانية. والآن يبدو أنّ الرئيس يسعى إلى إعادة صياغة قواعد هذا النظام ليُصبح نظامًا يكون فيه الناس بيادق.

بتوسيع نطاق ممارسة الترحيل القسري، يستخدم ترامب المهاجرين كعملة في شبكة عالمية من المفاوضات الجيوسياسية. تُطبّع إدارته استخدام الفئات الضعيفة كورقة مساومة لانتزاع صفقات أفضل مع الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء.

إنّه يُرسي سابقة خطيرة للدول الديمقراطية الأخرى بتجاهله التكلفة الأخلاقية والسمعة المُترتّبة على إرسال الأشخاص اليائسين إلى ظروفٍ مُزرية. وبينما يعمل ترامب على إحياء هذا النموذج الجديد، سيراقب قادة العالم عن كثب. إذا نجح في ذلك، فبإمكانهم هم أيضًا.