أعلن الرئيس
اللبناني جوزاف عون، اليوم
الاثنين، تعهده بتحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت المروع قبل خمس سنوات،
مشيرا إلى أنّ "القانون سيطال الجميع من دون تمييز"، عقب تمكن المحقق
العدلي طارق البيطار من استجواب جميع المدعى عليهم في القضية.
وأكد عون في بيان، أن "الدولة
اللبنانية، بكل مؤسساتها، ملتزمة بكشف الحقيقة كاملة، مهما كانت المعوقات ومهما
علت المناصب"، معتبرا أن "العدالة لا تعرف الاستثناءات، والقانون يطال
الجميع من دون تمييز".
وأضاف أننا "نعمل بكل الوسائل
المتاحة لضمان استكمال
التحقيقات بشفافية ونزاهة، وسنواصل الضغط على كل الجهات
المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة، أيا كانت مراكزهم أو انتماءاتهم".
وخاطب عائلات
الضحايا بالقول:
"دماء أحبائكم لن تذهب سدى، وآلامكم لن تبقى بلا جواب. العدالة قادمة،
والحساب آت".
وتحيي عائلات الضحايا ذكرى الانفجار،
وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، بمسيرتين تلتقيان قبالة المرفأ
مساء، بينما أعلنت السلطات الاثنين يوم حداد رسمي وأغلقت المؤسسات الرسمية أبوابها.
ومنذ وقوعه، عزت السلطات الانفجار إلى
تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر
اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه، وتبيّن لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على
دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنا.
وغرق التحقيق بشأن الانفجار الهائل الذي
وقع في الرابع من آب/أغسطس 2020، وأسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من
6500 بجروح، منذ عام 2023 في متاهات السياسة، إذ قاد حزب الله حينها حملة للمطالبة
بتنحّي المحقق العدلي الذي حاصرته لاحقا عشرات الدعاوى لكفّ يده، تقدم بمعظمها
مسؤولون مدعى عليهم. لكن البيطار استأنف منذ مطلع العام عمله على ضوء تغير موازين
القوى في الداخل.
وبعد أكثر من عامين من الجمود القضائي،
أنهى البيطار استجواب جميع المدعى عليهم من سياسيين وقادة عسكريين وأمنيين، في
مقدمهم رئيس الحكومة السابق حسان دياب، فيما امتنع أربعة مسؤولين سابقين عن المثول
أمامه، هم ثلاثة وزراء سابقون، إضافة الى النائب العام التمييزي السابق غسان
عويدات، وفق ما أفاد المصدر القضائي الذي طلب عدم الكشف عن هويته.
وينتظر بيطار، وفق المصدر ذاته،
"استكمال بعض الإجراءات لختم التحقيق وإحالة الملف على النيابة العامة
التمييزية لإبداء مطالعتها بالأساس ومن ثم إصدار القرار الظني".
ومن بين الاجراءات "تلقيه أجوبة
على استنابات وجهها الشهر الماضي إلى ست دول عربية وأوروبية، طلب فيها معلومات حول
وقائع محددة". ولا يوجد حاليا أي موقوف في القضية.
وتمكّن بيطار من استئناف عمله مطلع
العام بعيد انتخاب عون رئيسا وتشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، وإجراء تشكيلات
قضائية، على وقع تغيّر موازين القوى السياسية في البلاد مع تراجع نفوذ حزب الله
إثر حربه الأخيرة مع اسرائيل.
فور وصولهما إلى السلطة، تعهّد رئيسا
الجمهورية والحكومة بالعمل على تكريس "استقلالية القضاء" ومنع التدخّل
في عمله، في بلد تسوده ثقافة الإفلات من العقاب.
وقال سلام الأحد إن معرفة الحقيقة وضمان
المساءلة "قضية وطنية"، منددا بعقود من الإفلات الرسمي من العقاب.
وفي بيان مشترك الاثنين، اعتبرت منظمتا
هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية أن "الطريق إلى العدالة يظل محفوفا
بالتحديات السياسية والقانونية على الرغم من استئناف التحقيق".
وقالت المنظمتان إنه يتعين على
"السلطات اللبنانية ضمان إجراء تحقيق شامل بدون عراقيل" يكشف "بدقة
الحقائق والملابسات المحيطة بالانفجار، شاملا التسلسل الكامل للمسؤولية، سواء
المحلية منها أم الدولية، وأن يحدد ما إذا ارتُكبت أي أعمال إجرامية أو انتهاكات
لحقوق الإنسان بسبب تقاعس الدولة عن حماية أرواح الناس".
وشدّد الاتحاد الاوروبي في بيان على أن
"وضع حد للإفلات من العقاب أمر أساسي لتعافي لبنان"، في وقت أكدت سفارات
بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لدى بيروت على أهمية ضمان المحاسبة.
وقالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في
لبنان جينين هينيس-بلاسخارت في بيان "بعد مرور خمس سنوات، لا تزال المأساة
تتفاقم مع الغياب الفادح للعدالة. فالضحايا، والناجون، وعائلاتهم، يستحقون محاسبة
كاملة. ويستحقونها الآن".
وبعدما تلقت خلال السنوات الماضية وعودا
بقيت حبرا على ورق، تأمل عائلات الضحايا إحراز تقدم في التحقيق.
وقالت ماريانا فودليان، التي قُتلت
شقيقتها في الانفجار "على مدى خمس سنوات، يحاول المسؤولون التهرّب من
المحاسبة، ويعتقدون أنهم دوما فوق القانون".
وأضافت فودليان، وهي من جمعية تمثل عددا
من عائلات الضحايا، لفرانس برس "لا نطلب أكثر من الحقيقة.. ولن نتوقف حتى
نحقق العدالة الشاملة".
وبعد محاولات من السلطات السابقة لهدم
الاهراءات التي تضررت بشدة جراء الانفجار، وقّع وزير الثقافة غسان سلامة الأحد
قرارا قضى بإدخالها على "لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية"، في خطوة
قال إنها جاءت "تلبية لطلب الأهالي".
وقالت فادوليان "الاهراءات هي
الشاهد الوحيد على ما أصابنا في الرابع من آب (اغسطس)".