كشفت صحيفة "
زمان إسرائيل" العبرية أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو يقود تحولا جذريا في سياسة حكومة الاحتلال تجاه صفقات تبادل
الأسرى، لكن من وراء الكواليس، وبدون أي إعلان رسمي أو توضيح مباشر للرأي العام، في خطوة وُصفت بأنها الأهم منذ بدء العدوان على قطاع
غزة.
وقالت الكاتبة والمراسلة السياسية تال شنايدر، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن "مسؤولا سياسيا رفيعا" – في إشارة واضحة إلى مكتب نتنياهو – بعث قبل أيام برسالة لعدد من الصحفيين، جاء فيها أن "إسرائيل والولايات المتحدة تتجهان إلى تغيير قواعد اللعبة: لا مزيد من الصفقات الجزئية، وإنما صفقة شاملة تتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى، ونزع سلاح حركة حماس وقطاع غزة، بالتوازي مع استمرار القتال وتوسيع المساعدات الإنسانية".
خلف الكواليس.. نتنياهو يصوغ "التحول"
ورغم أهمية هذا التحول في الموقف، اختار نتنياهو الغياب عن المشهد الإعلامي، فلم يعقد مؤتمرا صحفيا، ولم يصدر مقطع فيديو يوضح فيه هذا التغيير كما اعتاد سابقا، تاركا الساحة لصياغة غامضة عبر مستشاريه، في حين استمرت حكومته لأشهر في رفض أي صفقة تُنهي القتال، تحت تهديد حليفيه المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بحل الحكومة في حال وقف إطلاق النار.
وتضيف شنايدر أن المعادلة السياسية كانت واضحة: استمرار الحرب مقابل بقاء الحكومة، وهو ما أدى إلى تجاهل صرخات عائلات الأسرى، إلى أن جاءت ثلاثة مقاطع فيديو مسربة تُظهر الجنديين المحتجزين في غزة في حالة تجويع شديدة، فبدأت ملامح التحول في الخطاب الرسمي تظهر من خلف الكواليس.
مجاعة غزة.. المحرك السياسي الصامت
وبحسب الصحيفة، فإن نقطة التحول الحقيقية بدأت عندما وصف الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الوضع في غزة بالمجاعة الحقيقية، مؤكداً أن "مثل هذه الصور لا يمكن تزويرها"، وذلك قبل اجتماع مرتقب بين نتنياهو والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف.
وتشير شنايدر إلى أن هذا التغيير في السياسة لم يكن نتيجة مراجعة ذاتية من نتنياهو، بل إملاء مباشر من واشنطن، في وقت صمت فيه بن غفير وسموتريتش بشكل لافت، حتى مع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
وتوضح الكاتبة أن الاحتلال لم يعد يطرح خيار "الصفقات التدريجية" كمسار محتمل، بل يسعى لصفقة شاملة، رغم معرفته بمطلب حركة حماس الأساسي وهو وقف العدوان على غزة، بينما يصر نتنياهو على نزع سلاح الحركة بالكامل، وهو شرط يبدو أقرب إلى الخيال، في ظل عدم وجود أي جهة تنفيذية داخل غزة قادرة على تطبيقه.
خطط مناورات بديلة.. والأسرى في خطر
تضيف الصحيفة أن أحد السيناريوهات المطروحة في كواليس الحكومة الإسرائيلية هو مواصلة العدوان العسكري في حال وجود مؤشرات على إعادة تسليح المقاومة، كما يجري حاليا في جنوب لبنان. لكن في غزة، حيث لا توجد "جهة يمكن التحدث معها"، فإن الرهان الإسرائيلي يبدو على توليفة إدارة متعددة الأطراف من مصرية وفلسطينية أمريكية وإماراتية، بشرط أن يكون هناك "عنوان مركزي" موثوق.
ورغم كل ذلك، تقول شنايدر إن الحكومة الإسرائيلية لا تبدي أي اهتمام جدي بإعادة إعمار القطاع، بل لا تزال منغمسة في نزعة انتقامية تقوم على تدمير شامل وتجويع ممنهج، في وقت يرفض فيه نتنياهو كبح جماح وزرائه المتطرفين، حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من التدهور في وضع الأسرى الإسرائيليين أنفسهم داخل غزة.
اعترافات دولية.. وتصدّع غير مسبوق
وتختم الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن الصرخات العالمية، والصور الصادمة التي خرجت من غزة، والعناوين العريضة في وسائل الإعلام الدولية، كلها أسهمت في تشكيل ما وصفته بـ"أكبر تسونامي سياسي تشهده إسرائيل منذ عقود".
وفي هذا السياق، تتزايد المؤشرات على تحول دولي واسع النطاق، فبعد إعلان فرنسا وكندا عن توجههما للاعتراف بدولة فلسطينية، تستعد دول مجموعة السبع لإقرار هذا الموقف رسميا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة.
وتقول شنايدر إن نتنياهو، بسعيه للحفاظ على ائتلافه الحاكم، قد نفّذ فعليا تهديدات شركائه المتطرفين، لكنه دفع ثمنًا باهظًا، تمثل في ضرر جسيم طال صورة إسرائيل الدولية، مؤكدة أن "تجربة العامين الأخيرين أثبتت أنه لا قاع للانحدار، وأن تمسك نتنياهو بشركائه اليمينيين يجرّ الدولة بأكملها نحو الهاوية".