ملفات وتقارير

من الإنسانية إلى الأسر.. قصة اختطاف الصحفي المغربي ورفاقه أثناء محاولتهم كسر حصار غزة

طالب عدد متسارع من الناشطين عبر العالم حكومات بلادهم،بالتدخل- أكس
بينما كان الصحفي المغربي، محمد البقالي، ورفاقه العشرون من النشطاء الدوليين (بينهم برلمانيون وأطباء وصحفيون)، على بعد ساعات قليلة فقط من شواطئ غزة المحاصرة، وجدوا أنفسهم شاهدين على انتهاك قوات الاحتلال الإسرائيلي سيادة القانون الدولي، مرّة أخرى، حيث تحوّلت سفينة "حنظلة" الإنسانية، الرّامية لكسر الحصار المفروض على غزة، إلى سجن عائم. 

وفي فجر الأحد 27 تموز/ يوليو 2025، اقتحمت قوات الاحتلال، سفينة "حنظلة" في المياه الدولية، واختطفت كل من على متنها، في عملية وُصفت بـ"القرصنة" من قبل منظمات حقوقية وسياسية. فيما عبّرت عدد من الهيئات السياسية والحقوقية عن تضامنها الواسع، مع كافة نشطاء السفينة المُحاصرة، مطالبة بالتدخل للإفراج الفوري عنهم.


ماذا حدث؟ 
بحسب مصدر من عائلة البقالي، وهو صحافي في قناة الجزيرة، فإنّه قد اتّصل بوالدته، بعد ساعات من اختطافه؛ إلى جانب 20 ناشطا آخرين، كانوا يبحرون باتجاه قطاع غزة المحاصر من الاحتلال الإسرائيلي، ليلة السبت/ الأحد 27 تموز/ يوليوز الجاري.

وكانت السفينة التابعة لأسطول الحرية، قد وصلت إلى ميناء "أسدود" بعدما اقتحمتها بحرية جيش الاحتلال الإسرائيلي واقتادتها إلى هناك، وذلك في اليوم السابع من رحلتها الهادفة إلى كسر الحصار على قطاع غزة، الذي يكابد مرار الحرب الهوجاء التي تشنّها عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ضرب صارخ لكافة القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان، عرض الحائط.

وقالت هيئة بث الاحتلال الإسرائيلي، إنّ: "النشطاء الذين كانوا على متن السفينة قد استُجوبوا وسيسلمون إلى الشرطة". أبرزت وكالة الصحافة الفرنسية، عن المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في دولة الاحتلال الإسرائيلي "عدالة" أنه: "أرسل محامين إلى الميناء الواقع في جنوب إسرائيل وطالب بالسماح لهم بالتواصل بالنشطاء المعتقلين من السفينة".


تفاعل متسارع
وفي الوقت الذي لا تزال فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل كافّة النشطاء الذي كانوا متواجدين على متن السفينة الإنسانية "حنظلة"، رصدت "عربي21" التفاعل المتسارع، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يطالب بالإفراج الفوري على نشطاء "حنظلة" وبين من يطالب الناشطون أنفسهم، بـ"الضّغط على بلدانهم للإفراج عنهم".


إلى ذلك، توالت إدانات اقتحام السفينة "حنظلة"، عبر بيانات تابعة لعدد من المنظمات الحقوقية والهيئات المهنية، بينها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي استنكرت في بيان لها: "الاعتقال التعسفي"، وطالبت بـ"الإفراج الفوري وغير المشروط عن الزميل محمد البقالي وعن كافة الموجودين على متن السفينة".

ودعت النقابة، في البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، جميع المنظمات والهيئات الدولية، ذات الصلة بحرية الصحافة وبالعمل الحقوقي والإنساني، إلى: التحرك العاجل والضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل ضمان سلامة الطاقم وتمكينه من أداء مهمته الإنسانية والإعلامية.

وبحسب المصدر نفسه، فإنّ: "المعطيات المتوفرة تؤكّد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعترضت السفينة واقتحمتها بعد سلسلة من المضايقات في عرض البحر، على بعد أقل من سبع ساعات من بلوغها شواطئ غزة؛ في اعتداء سافر على مهمة سلمية ذات طابع إنساني وحقوقي وإعلامي"، مبرزة أنّ: "هذا الاعتداء يُعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، ولقواعد حماية الصحافيين أثناء تأديتهم لمهامهم، خاصة في مناطق النزاع".


"هذه الخطوة دليلا جديدا على استهتار الاحتلال الإسرائيلي بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، وتهديدا خطيرا للسلامة المهنية للصحافيين" تابعت النقابة الوطنية للصحافة المغربية؛ فيما طالبت النائبة البرلمانية المغربية، فاطمة التامني، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، بـ"ضرورة التدخل لحماية المواطن المغربي محمد البقالي المحتجز من طرف سلطات الاحتلال الإسرائيلي".

وجاء في الرّسالة الموجّهة إلى وزير الخارجية المغربي: "أمام هذا الوضع الذي يمس سلامة مواطن مغربي ويضرب في الصميم حقه في تأدية واجبه المهني والإنساني، واعتقاله في مكان مجهول ومسكوت رسمي غير مبرر إلى حدود الساعة، نتساءل بقلق عن الإجراءات التي تنوون القيام بها لحماية المواطن المغربي محمد البقالي، وضمان سلامته الجسدية والنفسية، والتدخل من أجل الإفراج الفوري عنه، على غرار ما بادرت إليه دول أخرى من أجل مواطنيها المشاركين في نفس المهمة".

كذلك، جاء في بيان لـ"إعلاميون مغاربة من أجل فلسطين وضد التطبيع": "ندين اختطاف الزميل محمد البقالي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ونطالب الدولة المغربية بالتدخل العاجل لحماية مواطنها".

وأبرز البيان، الذي وصل "عربي21" نسخة منه: "يتابع الصحافيون والصحافيات المغاربة بقلق بالغ حدث احتجاز زميلنا محمد البقالي، من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك أثناء اختطافها السفينة "حنظلة" بعد اعتراضها في المياه الدولية، لمنع وصولها إلى قطاع غزة وكسر الحصار المفروض عليه، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين".

وفيما طالب "إعلاميون مغاربة من أجل فلسطين وضد التطبيع"، الدولة المغربية، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، بالتدخل العاجل من أجل حماية الزميل البقالي، والعمل على إطلاق سراحه.  بدوره، حزب العدالة والتنمية المغربي، عبر بيان له، أعلن عن تضامنه الكامل مع الإعلامي المغربي محمد البقالي، مطالبا سلطات البلاد بالتحرك الفوري لإطلاق سراحه.

وبحسب البيان، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، فإنّ: "ما يثير الانتباه والاستنكار، أن عملية قرصنة السفينة الإنسانية والسلمية تمت من طرف قرصان البحر الصهاينة في المياه الدولية في مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية ذات الصلة، وفي تحد صارخ للنظام العالمي، ولاقت للأسف كسابقاتها صمتا مطبقا للمجتمع الدولي، مما يشجع الكيان الصهيوني على مواصلة تصرفاته ووحشيته غير مبال بالقوانين والمواثيق والمؤسسات الدولية، وهو ما يهدد ويقوض السلم والأمن الدوليين".

حكومة غزة تدخل على الخط
طالب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بتأمين الحماية الدولية للقوافل الإنسانية، واصفا اقتحام السفينة بأنها قرصنة بحرية جديدة في المياه الدولية؛ مؤكّدا أنّ: "هذا العدوان السافر انتهاك صارخ للقانون الدولي ولقواعد الملاحة البحرية حيث يتصرف الاحتلال من جديد كقوة بلطجة خارج القانون".

وحمّل المكتب الإعلامي الحكومي، الاحتلال الإسرائيلي، المسؤولية الكاملة عن سلامة المشاركين على متن السفينة، بينما طالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية والدولية باتخاذ موقف عاجل وحازم ضد هذا العدوان.


من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إنّ: اعتراض جيش الاحتلال الإسرائيلي السفينة حنظلة واحتجاز ركابها، يعتبر: "جريمة قرصنة وتحد سافر للإرادة الإنسانية وكشف لزيف الاحتلال". وحمّلت الحركة حكومة نتنياهو المسؤولية عن سلامة المتضامنين ودعت لاستمرار تسيير القوافل البحرية حتى كسر الحصار.

إلى ذلك، طالبت حماس، الأمم المتحدة، بإدانة جريمة القرصنة ومحاسبة الاحتلال على عدوانه المتواصل وحرب الإبادة على غزة. وبدورها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أدانت بأشد العبارات اقتحام السفينة حنظلة، واتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي، بارتكاب: "جريمة قرصنة صهيونية وحلقة جديدة من الاستهداف المتعمد لأي مبادرة لإيصال صوت غزة للعالم".

"حنظلة".. أي مصير؟
"سيلجؤون إلى الإضراب عن الطعام في حال تعرضهم للاعتقال، من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي" هذا كان قد أعلن الناشطون المشاركون على متن سفينة "حنظلة"، المتجهة نحو غزة، في محاولة لكسر الحصار على غزة؛ وذلك قبل أن يتمّ محاصرتهم واعتقالهم. وهو ما جعل المتابعين لمسار السفينة الإنسانية، عبر العالم، يعربون عن تخوّفهم على مصير النشطاء.

وتأتي هذه الخطوة، ضمن الإجراءات النضالية السّلمية، التي يسير عليها كافة المتواجدين على متن السفينة؛ الرّامية للفت أنظار العالم إلى معاناة سكان قطاع غزة تحت حصار الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يرحم لا بشرا ولا حجرا، ودمّر كافة مقوّمات الحياة.

وكان تحالف أسطول الحرية، صباح السبت، قد أعلن أنّ: "طائرات مسيرة شوهدت تحلق فوق سفينة "حنظلة" التي أبحرت من شواطئ إيطاليا في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة". ما جعل أنظار العالم تتّجه نحو السفينة، التي أتت عقب أسابيع من سفينة "مادلين" التي لم تنجح في كسر الحصار.



وعبر بيان للتحالف، نُشر على قناة التواصل الاجتماعي "تيلغرام"، قبل اعتقال كافة المتوجدين على متن "حنظلة"، فإنّه قد تمّ: "رصد 16 مسيرة في آخر 45 دقيقة؛ بعضها كان يحلق فوق السفينة". 

وكانت النائبة الفرنسية، غابرييل كاتلا، قد أوردت خلال منشور آخر، أنّهم "مستعدون لأي تدخل محتمل قد يحدث خلال الساعات القادمة أو صباح الغد"، مردفة من قلب السفينة الإنسانية: "اتحدنا جميعاً، نحن متضامنون ومستعدون، بدأت الطائرات المسيرة تتجه نحونا، في حال انقطاع الإنترنت قد تحدث أشياء غريبة". 

وتابعت: "لا تقلقوا علينا، فكّروا بالفلسطينيين، إنهم يتألمون، ما يتعرّضون له في ظل الإبادة الفظيعة أسوأ بكثير من المخاطر التي نواجهها على متن هذه السفينة". وذلك عقب ساعات قليلة فقط من إعلان تحالف أسطول الحرية، عن استعادة الاتصال بسفينة "حنظلة" المتوجهة إلى قطاع غزة، التي كان قد قُطع معها الاتّصال.

إلى ذلك، طالب عدد متسارع من الناشطين، عبر العالم، حكومات بلادهم، بالتدخل من أجل منع دولة الاحتلال الإسرائيلي من مهاجمة السفينة أو اعتراضها. ما جعل مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ترجّ بالصور ومقاطع الفيديو المُتتبّعة لمسار السفينة التضامنية، مصحوبة بدعوات لحمايتها من مهاجمة الاحتلال الإسرائيلي؛ غير أنّ ما يجري حاليا يسير عكس ما كان يرغب به كافة النشطاء عبر العالم، لتتحول مطالب عدم التعرّض، إلى مطالب متواترة بـ"الإفراج عن كافة نشطاء حنظلة".