ملفات وتقارير

متى بدأت السياسية الإسرائيلية في عزل الفلسطينيين داخل "غيتوهات"؟

متاريس وأسلاك شائكة كانت تفصل الأحياء اليهودية عن الأحياء العربية في مدينة يافا- جيتي
تتصاعد السياسة الإسرائيلية في تقسيم وعزل الفلسطينيين داخل مجتمعات وأماكن جغرافية صغيرة أشبه بـ"الغيتوهات" سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وذلك امتدادًا لجرائم بدأت أول مرة بعد النكبة مباشرة عام 1948، وضد السكان الأصليين الذين تبقوا في الأراضي الفلسطينية التي بات يُطلق عليها "إسرائيل".

ومصطلح "غيتو" يشير إلى منطقة يعيش فيها طوعًا أو كرهًا، مجموعة من السكان يتم اعتبارهم "خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين"، وأصل الكلمة يعود للإشارة إلى حي اليهود في المدينة، مثل "الغَيت" في مركز مدينة روما.

وتم إنشاء الغيتوهات على مستوى واسع ومنها اشتُقّ المصطلح في بولندا لأول مرة بعد حزيران/ يونيو 1941 في الأراضي السوفييتية المحتلة بغرض عزل السكان اليهود وتسهيل عملية نهب ممتلكاتهم واستغلالهم في العمل القسري.

وأُنشئت معظم هذه الغيتوهات في الأحياء الأكثر فقرًا أو في الأحياء اليهودية المأهولة بكثافة، وكان العديد منها تحيط به أسوار أو أسيجة أو يتم استعمال غير ذلك من وسائل لقطع الاتصال بالعالم الخارجي.

الغيتو الفلسطيني
وفي عام 2020، جرى الكشف عن بعض وثائق أرشيف الدولة في "إسرائيل"، وهي الخاضعة للرقابة، ومنها تم الكشف عن معلومات قليلة متوفرة عن المناطق المُسيّجة التي أُنشئت للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، حتى أن البعض أطلق عليها اسم "معسكرات اعتقال" مثلما فعلت ألمانيا النازية.

وكشفت هذه الوثائق بحسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" أنه "في الماضي، كانت الأمور تُطبّق بالقوة، باستخدام أسوار الأسلاك الشائكة وتحديد مناطق تُسمّى غيتوهات ومعسكرات اعتقال، وبدأ فرض حظر التجول وتسييج العرب فور احتلال المدن المختلطة والعربية في حرب عام 1948".

وذكر تقرير الصحيفة أن "المعارك تركت آلاف السكان العرب تحت السيطرة الإسرائيلية، لم يشارك معظم السكان العرب في البلاد مشاركة فاعلة في الحرب، وكان من بقوا في المدن جزءًا صغيرًا من سكان مهزومين وضعفاء وغير ممثلين وخائفين".

وأكد أن "الأشهر الطويلة التي تلت احتلال المدن كانت نموذجًا مصغرًا للعلاقات المستقبلية بين الشعبين اللذين قسّما البلاد، في حيفا، التي احتلت في نيسان/ أبريل 1948 لم يبقَ أكثر من 3500 عربي من أصل ما يقرب من 70 ألفًا كانوا يعيشون هناك قبل ذلك بوقت قصير".

وفي يافا، التي جرى احتلالها في 13 أيار/ مايو، كان بها عدد مماثل من الفلسطينيين قبل الحرب، ولم يبقَ فيها سوى حوالي 4000 نسمة، أما الرملة واللد، اللتان احتلتا في تموز/ يوليو 1948، فقد بلغ عدد سكانهما حوالي 35000 نسمة، وبعد احتلالهما، بقي حوالي 2000 نسمة فقط.

أما في المدن المحتلة الأخرى، مثل طبريا وصفد وبيسان وبئر السبع، فلم يبقَ فيها أي عرب تقريبًا، وفي غضون فترة وجيزة، وجدت الغالبية العظمى (حوالي 85 بالمئة) من العرب الذين كانوا في الأراضي المحتلة عند نهاية الحرب، والذين بلغ عددهم حوالي 160 ألف نسمة، أنفسهم تحت الحكم العسكري، خاضعين لحظر تجول دائم ونظام تصاريح يُقيّد الحركة.

وأكد تقرير الصحيفة أن الجزء الأكبر من هذه الوثائق المتعلقة بتلك الأيام يُوجد في مئات الملفات التابعة لـ"وزارة الأقليات"، التي كانت برئاسة الوزير بيخور شالوم شطريت، ومن ثم أُغلقت في منتصف عام 1949، بعد أن "عملت جاهدةً في ظل قيود صارمة، على تحسين وضع العرب المتبقين".

وأشار إلى أنه "لا تزال الوثائق بالغة الأهمية غير متاحة للاطلاع العام في أرشيف الدولة وأرشيف الجيش الإسرائيلي، بينما في الشهادات والوثائق الأخرى من تلك الفترة، والتي فُتحت للاطلاع على مر السنين، توجد محاولات لإخفاء وتصفية تعابير وتصريحات لا تُعجب اليهود، ولا تتعلق هذه المحاولات بالأمن، بل تخضع للرقابة لأسباب دعائية بحتة".

وأضاف أن "محاضر مناقشات اللجنة الوزارية المعنية بالأملاك المهجورة في كانون الأول/ ديسمبر 1948 تقدم مثالًا صارخًا على هذه المحاولة للتستر، وخلال الاجتماع الذي ناقش فيه الوزراء تجميع سكان اللد العرب في أحياء محددة لصالح توطين المهاجرين اليهود في المدينة، صرّح مدير وزارة الأقليات، جاد مكينز، بأنه يعتقد أن احتجاز السكان العرب في معسكرات اعتقال مسيّجة لم يعد مبررًا".

وأكد تقرير الصحيفة أن "الجملة المذكورة والمتعلقة باحتجاز السكان العرب في معسكرات اعتقال جرى حذفها من قِبل أرشيف الدولة في الملف الذي تُحفظ فيه محاضر مناقشات اللجنة، والمنطق من هذا واضح بأنه لا يحق للمواطنين العرب في إسرائيل معرفة ماضيهم".

ويكشف تتبع مصير سكان المدن المحتلة عن نمط مماثل: فقد أُنشئت هناك غيتوهات، حتى في ذلك الوقت، كانت كلمة "غيتو" صعبة الاستيعاب، لذلك حاول عنوان أحد ملفات أرشيف الدولة، الذي استخدم الكلمة المُحمّلة بالمعاني، تقديم بديل أكثر منطقية: "نقل العرب إلى منطقة أمنية (غيتو)".

وأشار التقرير إلى أنه "أينما نُقل السكان العرب، سارت الأمور على نحو مماثل، وعند زيارته لحيفا بعد احتلالها، أمر رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون بتجميع العرب المتبقين في وادي النسناس (للمسيحيين) ووادي الصليب (للمسلمين)، وبحلول مطلع تموز/ يوليو، تقرر إجبار العرب على الانتقال إلى منطقتهم السكنية الجديدة".

وقال إن "يوسف فاسيتش، عضو حزب مبام وأحد قادة القسم العربي في الحزب، كان في قلب الأحداث في حيفا آنذاك، وأبلغ عن الفوضى التي أعقبت القرار: استُحيل الاحتفاظ بالعقار، وكانت الشقق قذرة، وانقطعت عنها المياه والكهرباء، وادّعى اليساريون العرب الذين استشهد بهم: أن هذا عمل سياسي-عنصري، وليس عسكريًا، ويهدف إلى إنشاء غيتو عربي في حيفا".

وعارض فاسيتش بشدة تجميع العرب في مجمعات مسيّجة، وكتب: "هذا التجميع هو أهم إجراء يُتخذ بشأن العرب في دولة إسرائيل. هنا سيُحدد ما إذا كانت دولة إسرائيل ستكون دولة ديمقراطية أم دولة إقطاعية ذات عادات من العصور الوسطى وقوانين نورمبرغ"، وفي الواقع، مُنع العرب من العيش أينما أرادوا، وتم تجميعهم في وادي النسناس.

ويُذكر أن قوانين نورمبرغ هي سلسلة من القوانين العنصرية صدرت في 15 أيلول/ سبتمبر 1935 لتشكل معلمًا من معالم السياسة التشريعية المناهضة لليهود في ألمانيا، وكان أهم تشريعين هما "قانون مواطنة الرايخ" و"قانون حماية الدم الألماني والشرف الألماني" اللذين ألغيا مواطنة اليهود كونهم أبناء عنصر آخر ومنعَا "قيام علاقات جنسية بين اليهود وغير اليهود أو تشغيل الخادمات الألمانيات في المنازل اليهودية".

وبحسب التقرير، تم في يافا أيضًا ترحيل الفلسطينيين، وقال الحاكم العسكري مئير لنيادو لأعضاء اللجنة العربية في المدينة في تموز/ يوليو 1948: "من الأفضل تخصيص مناطق خاصة لليهود وأخرى للعرب".

واحتج موشيه آرام، مدير إدارة التعامل مع الأقليات وتنظيم العلاقات السليمة معها في وزارة الأقليات، لدى وزير الأقليات شطريت على تمركز العرب في حي العجمي، المحاط من جميع الجهات بالأحياء اليهودية، مشيرًا إلى "عدم وجود أي حرص على أمن المدينة ومحيطها، والآن سيُحيطون حي العجمي بسياج من الأسلاك الشائكة يفصل الحي العربي عن المساكن اليهودية بشكل صارم".

وأضاف آرام: "سيجعل هذا الترتيب حي العجمي يبدو كغيتو مغلق، يصعب علينا تقبّل هذه الفكرة، فهي تُثير فينا مشاعر الرعب".

واعتقد آرام أيضًا أن إنشاء الغيتو سيُحدد ما يلي: "مرة أخرى، نزرع بذرةً مليئةً بالسم في قلوب السكان العرب، غيتو مُحاطٌ بسياج من الأسلاك الشائكة، غيتو معزولٌ عن البحر. هل سيكون هذا هو خطنا السياسي؟".

وعن هذا كتب المؤرخ يوآف غيلبر، في أحد أشمل الكتب التي كُتبت عن "حرب الاستقلال" (المُسمى الإسرائيلي لأحداث النكبة)، أن فكرة تسييج الحي العربي في يافا قد أُلغيت، لكن هذا غير صحيح.
وكتب الحاكم العسكري لنيادو أنه "كان يفكر في إمكانية تقليص الأسلاك الشائكة ومنح العرب حرية حركة أكبر حتى لا يشعروا وكأنهم في معسكر اعتقال" – لكن حي العجمي ظل مُسيّجًا لأشهر عديدة.

وأفادت وزارة الأقليات حينها، في صراعها مع السلطات العسكرية، في شباط/ فبراير 1949، أنها لا تزال تعمل على الحصول على تراخيص ليتمكن السكان العرب من "الخروج من سياج الأسلاك الشائكة".

ونقل تقرير الصحيفة عن إسماعيل أبو شحادة، أحد سكان المدينة حينها: "حاصرونا بأسوار من الأسلاك الشائكة بثلاث بوابات، ولم يكن بإمكاننا مغادرة المنطقة إلا للعمل في أحد البساتين المحيطة بالمدينة، وكان ذلك يتطلب إذنًا من صاحب العمل".

وأكد التقرير أن "الأمر أُبقي سرًا، لكن موشيه تشيزيك، الحاكم العسكري السابق لنيادو، زعم في محادثات مغلقة أن إسرائيل تنتهك شروط الاستسلام مع العرب، التي وعدتهم، من بين أمور أخرى، بحرية التنقل في المدينة".

وفي اللد، اعتُقل السكان الفلسطينيون أيضًا وفُرض عليهم حظر تجول. في إحدى المرات، كتب الفلسطينيون في الرملة: "وُضع كبار السن والنساء والشباب والأطفال في مجموعات وأُجبروا على الوقوف لمدة ثماني ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة دون ماء أو طعام، لا لسبب سوى الرغبة في إذلالهم وإساءة معاملتهم"، بحسب ما ورد في الوثائق.

وفي حالات أخرى، طالبت وزارة الأقليات السلطات العسكرية بهدم سياج الأسلاك الشائكة الذي أحاط بالمناطق السكنية العربية في اللد، ولم يتم فك القيود على الحركة إلا في تموز/ يوليو، بعد إلغاء الحكم العسكري في المنطقة، لكن الأسلاك الشائكة ظلت قائمة.

وتصف وثائق أرشيفية إضافية إغلاقًا مماثلًا لأحياء سكنها سكان فلسطينيون في مدن أخرى، مثل المجدل وعكا، وصرّح الوزير شطريت بأنه "يعارض إنشاء غيتوهات للأقليات".

وفي رسالة إلى أعضاء الحكومة في منتصف عام 1948، أشار إلى أن علاقاتنا مع العرب "متعثرة ومشوهة"، مطالبًا بـ"وضع خط واضح للمساواة في الحقوق المدنية خشية أن ينتقم الواقع منا".

"غيتو غزة"
تفرض "إسرائيل" منذ عام 2007، حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا شاملًا على القطاع، ومنذ ذلك الحين، تم تقليص حركة الناس والسلع إلى حدّ كبير، واستُبدلت تقريبًا بمعدلات تصاريح منخفضة للغاية، ما حوّل غزة إلى ما يُعرف بـ"سجن مفتوح"، وهو ما وصفته كبرى المؤسسات الحقوقية بأنه "أكبر سجن في العالم" بحسب منظمة الأمم المتحدة وفريق من المراقبين الدوليين والمؤسسات الحقوقية البارزة.

وأدى الحصار إلى انهيار شبه كامل للبنية الاقتصادية في غزة، حيث تسبّب بخسائر ضخمة، إضافة إلى تراجع صادرات القطاع إلى متوسط شاحنتين شهريًا فقط عام 2009، مقابل مئات في السابق قبل الحصار.

وخلال حرب الإبادة المستمرة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرى تشديد الحصار إلى إغلاق شبه تام، باستثناء دخول شحيح جدًا لبعض شاحنات المساعدات التي يوافق الاحتلال عليها تحت الضغط الدولي الشديد ومطالبات مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة.

وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2024، قد يستغرق إعادة إعمار غزة حتى 350 عامًا إذا استمر الحصار على حاله.

ومنذ بدء الحصار، مُنع إدخال مجموعة واسعة من البضائع، شملت مواد أساسية مثل المعدات الطبية الصحية ومواد تطهير المياه وحتى التوابل والألعاب، بحجة أمنية، وقد عبّرت منظمات مثل "هيومان راتيس ووتش" و"أوكسفام" عن استيائها الشديد من آثار هذه السياسة على حياة الفلسطينيين اليومية، وهو ما تفاقم خلال حرب الإبادة ليشمل كل شيء سواء المحروقات والمياه والكهرباء وحتى الأدوية وحليب الأطفال والطحين اللازم لصناعة الخبز.

بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت "إسرائيل" حصارًا تامًا منع إمدادًا بالغذاء والدواء والوقود والكهرباء، ما فاقم حالة الطوارئ إلى حد المجاعة، وفق الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، مع وفاة آلاف الأطفال والنساء نتيجة الجوع وسوء التغذية.

ويُعاني قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا حصارًا دوليًا يُعزى إلى أسباب أمنية من جهة، وتنفيذ مقيّدات صارمة على حياة المدنيين من جهة أخرى، وقد أدى ذلك إلى تدني الخدمات، انهيار المرافق الصحية والتعليمية، وتزايد البطالة والفقر، وسط تحذيرات مستمرة من منظمات الأمم المتحدة ومجتمع حقوق الإنسان حول آثار الحصار البالغ على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وكان مقترح "المدينة الإنسانية" أحدث وأخطر مقترحات الاحتلال لحصار الفلسطينيين، ويستهدف تجميع نحو 600 ألف فلسطيني في هذه "المدينة" مع حظر مغادرتهم لها.

حسب المخطط الإسرائيلي الذي جرى الكشف عنه في تموز/ يوليو 2025، ستُقام تلك المدينة المزعومة على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وسط مواصلة تل أبيب حرب الإبادة، بالتوازي مع رفضها دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين منذ آذار/ مارس من العام الجاري.

وأعلن وزير الحرب يسرائيل كاتس الخطة قائلًا: "سيتم إنشاء مدينة إنسانية ونقل 600 ألف فلسطيني إليها، وأن كل من يدخل المدينة لن يتمكن من المغادرة، وأن الدخول سيكون عبر بوابات ودون عناصر حماس".

وقال كاتس: إن "الجيش الإسرائيلي سيكون قادرًا على بناء المدينة الإنسانية خلال وقف إطلاق النار (المحتمل) الذي يستمر 60 يومًا مع حماس"، في إشارة إلى المفاوضات التي تستضيفها الدوحة منذ الأسابيع الأولى من تموز/ يوليو 2025.

وكشفت "القناة 12" الإسرائيلية أنه "في الوقت نفسه، تخطط إسرائيل لاستخدام المدينة الإنسانية لتشجيع سكان غزة على الهجرة، ويقود المدير العام لوزارة الدفاع (الحرب) نائب رئيس الأركان السابق، أمير برعام، الخطة ويقوم بالفعل بالترويج لها".

وأشارت إلى أن "هدف المدينة: عزل السكان عن حماس، وإنشاء آليات لتشجيع الهجرة الطوعية، وإنشاء نظام مدني جديد"، وفق تعبيرها.

"غيتوهات الضفة"
وتنفذ "إسرائيل" سياسة تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق "أيه" و"بي" و"سي"، حيث تُسيطر على أكثر من 60 بالمئة من أراضي المنطقة "سي"، وتفرض قيودًا صارمة على البناء والتنمية، مما يجعل سكانها يعيشون في ظروف مأساوية، مع خطر دائم لهدم منازلهم.

ويُمنع الفلسطينيون من الوصول إلى خدمات أساسية أو بناء منشآت دون تصريح كهذا، مما يعزلهم عن بقية الضفة ويقوض استمرارية مجتمعهم المحلي.

وتُقسَّم الضفة الغربية بموجب اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995 إلى هذه المناطق الثلاث، ضمن سياسة فرضها الاحتلال الإسرائيلي لتفتيت السيطرة الفلسطينية.

وتشكل المنطقة "أيه" نحو 18 بالمئة من الضفة وتخضع إداريًا وأمنيًا للسلطة الفلسطينية، بينما تخضع المنطقة "بي" التي تمثل حوالي 21 بالمئة، لسيطرة إدارية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، أما المنطقة "سي"، التي تبلغ نسبتها أكثر من 60 بالمئة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية كاملة لـ"إسرائيل"، وتضم معظم المستوطنات، وتُعد الشريان الحيوي للموارد والمساحات المفتوحة.

وتم الاتفاق على أن هذا التقسيم سيكون مؤقتًا لخمس سنوات، وخلالها تُستأنف مفاوضات "الوضع النهائي" بشأن قضايا كبرى مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، وكان يُفترض أن يتم نقل المزيد من الأراضي إلى السلطة الفلسطينية تدريجيًا، ولكن ذلك لم يحدث بسبب تعثر المفاوضات وتوسع الاستيطان.

وقد تحولت هذه التقسيمات عمليًا إلى نظام فصل عنصري، حيث يُقيَّد الفلسطينيون في جيوب معزولة غير متصلة، مع تضييق كبير على البناء والتنقل، مقابل حرية شبه مطلقة للمستوطنين في التنقل والتوسع داخل المناطق نفسها.

ويُحظر على الفلسطينيين البناء في المنطقة "سي" من دون تصاريح نادراً ما تُمنح، ما أدى إلى تهجير قسري وهدم جماعي للمنازل والمنشآت الأساسية.

وتشكل الطرق المخصّصة للمستوطنات حواجز صارخة أمام الفلسطينيين؛ لا يسمح لهم باستخدامها، كما يفصل بعضها بينهم وبين حقولهم ومراكزهم الحضرية، وآلاف الحواجز مثل النقاط العسكرية والخنادق والعوائق الترابية تفرض نظام إغلاق شامل، يُطيل أوقات التنقل ويقطع الخدمات ويعطل حياة السكان اليومية، مما ساهم في تفاقم الحالة الإنسانية.

وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في هجمات المستوطنين المدعومة من جيش الاحتلال في الضفة، خاصة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مما دفع رعاة ومجتمعات بدوية إلى حالات نزوح داخلي.
وازدادت عمليات العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، وغالبًا من دون محاسبة، مما عزز الشعور بإقصاء وتخلي دولي عنهم.

في تموز/ يوليو 2025، أقرّ الكنيست قرارًا غير ملزم يدعو إلى ضم رسمي للضفة الغربية، مؤكدًا أن المستوطنات المترامية الأطراف جزء لا يتجزأ من "أرض إسرائيل".

ويعكس القرار الذي أيده عليه 71 عضوًا، اتجاهًا طويل الأمد نحو ممارسة السيادة الفعلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورغم أن المقترح ليس له أي قوة قانونية ملزمة، إلا أنه يحمل "ثقلاً رمزياً وتاريخياً كبيراً"، بحسب "القناة 14" الإسرائيلية التي أكدت أنّ "المقترح تقدم به أعضاء الكنيست سيمحا روتمان من حزب الصهيونية الدينية، وليمور سون هار ميليش من حزب القوة اليهودية، ودان إيلوز من حزب الليكود، الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".