سياسة دولية

تحقيق لـ"WP" يكشف الجهات المستفيدة من "مشروع غزة الإنسانية" الغامض

أصدرت 21 دولة أوروبية ودول أخرى منها كندا وأستراليا بيانا مشتركا- جيتي
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدته كارين دي يونغ وكيت براون، قالتا فيه إنّ: "مؤسسة غزة الإنسانية أصبحت في مرمي المحادثات الأخيرة، وتريد حماس عودة نظام الأمم المتحدة الذي طبق في القطاع على مدى عقود. وتزعم إسرائيل أن حماس أفسدت النظام هذا".

وتقول الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21" إنّه: "تريد إسرائيل السيطرة الكاملة على المساعدات الإنسانية من خلال مؤسسة غزة الإنسانية. وهو ما يجعل مجتمع الإغاثة الإنسانية، بمن فيه الأمم المتحدة شاكا في أغراض هذه المؤسسة وأنها خلقت من أجل تعزيز أهداف الحرب الإسرائيلية، وتقديم المساعدات بشكل انتقائي وغير كاف، وإجبار سكان غزة على تعريض حياتهم للخطر من أجل الحصول على رزمة مؤن".

ويوم الاثنين، أصدرت 21 دولة أوروبية ودول أخرى، منها كندا وأستراليا، بيانا مشتركا، جاء فيه أنّ: "معاناة المدنيين في غزة قد بلغت مستويات غير مسبوقة"، وأدانت عملية "التوزيع المحدود للمساعدات والقتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين يسعون إلى تلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء". 

وجاء في البيان نفسه: "نموذج تقديم المساعدات الذي تتبعه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية. وكما هو الحال مع الكثير مما يحدث داخل غزة، حيث منعت إسرائيل المراسلين الدوليين إلا في جولات قصيرة ينظمها الجيش لإسرائيلي، لا تزال جذور وعمليات مؤسسة غزة الإنسانية غامضة". 

وأضاف: "الأكثر غموضا هو تمويلها. تقول المؤسسة إنها تلقت حوالي 100 مليون دولار كأموال لبدء التشغيل من حكومة رفضت الكشف عن هويتها. وفي أواخر حزيران/ يونيو، قالت إدارة ترامب إنها ستقدم 30 مليون دولارا لعمليات مؤسسة التمويل الدولية. وتكشف وثائق التخطيط الداخلي أن الإمارات العربية المتحدة كانت ستتبرع بمبلغ كبير للمؤسسة، وهو ما لم يتحقق حسب الخطط التي اطلعت عليها صحيفة: واشنطن بوست". 

وأردف: "نفت إسرائيل أن يكون لها يد في تمويل هذه المؤسسة. وتقف وراء مؤسسة غزة الإنسانية المسجلة كمنظمة غير ربحية تقف وراءها شبكة مترابطة من الأفراد الأمريكيين والإسرائيليين والشركات الأمريكية الخاصة، بما فيها تلك الشركات التي تأمل في نهاية المطاف بتحقيق الأموال من جهود الإغاثة، وفقا لوثائق عامة وخاصة اطلعت عليها "واشنطن بوست" ومقابلات مع 12 مسؤولا أمريكيا وإسرائيليا وممثلي أعمال وغيرهم من المعنين بالمشروع، وكلهم تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم". 

وتابع: "من بين المستفيدين من عقود مؤسسة غزة الإنسانية، شركة أسهم خاصة في شيكاغو اسمها "ماكنالي كابيتال" التي ساعدت واحدة من شركاتها وهي "أوربيس أوبريشنز" في إنشاء غزة الإنسانية وكذا "سيف ريتش سوليوشنز"، شركة التعهدات الأمنية التي تشرف على عمليات مؤسسة غزة الإنسانية في غزة، وهي شركة أنشئت العام الماضي لهذا الغرض". 

ووفقا للتقرير نفسه، فإنّ: شركة "سيف ريتش سوليوشنز" يملك صندوق ائتماني مقره في ولاية وايومينغ، تعتبر شركة "ماكنالي كابيتال" المستفيد الأول منه. كما وشاركت شركة "بوسطن كونسالتينغ غروب" في جهود إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية، على افتراض أنها مؤسسة غير ربحية. ففي آذار/ مارس وقعت هذه الشركة عقدا مدته شهرين بأكثر من مليون دولار مع شركة ماكنالي، لمواصلة مساعدة شركة "سيف ريتش سوليوشنز" وتمديد للعقد في أيار/ مايو. 

وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" أول من كشف عن تورط مجموعة بوسطن. وقد انسحبت هذه الشركة من الترتيبات. وقالت المتحدثة باسم الشركة إنه لم يتم قبول أي مال، مقابل الخدمات. وبدأت غزة الإنسانية عملياتها في نهاية أيار/ مايو، حيث قدمت وجبات معدة في صناديق كافية لإطعام 5.5 شخصا لمدة 3.5 يوما، لكن تناقص الموارد حد من عدد الشاحنات المتاحة لإحضار الطعام إلى القطاع إلى حوالي 70 إلى 80 شاحنة يوميا، مقارنة بالخطط المبكرة لأكثر من 300 شاحنة، حسب أشخاص على معرفة بالخطط.  

وتم تأجيل إنشاء مراكز جديدة بسبب نقص التمويل والعمليات العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة والحاجة إلى إزالة الذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء غزة. كما أدّت المشاكل المالية والنتيجة غير المعروفة لمفاوضات وقف إطلاق النار إلى تعليق خطط لتقديم اقتراح أكثر شمولا، ومثيرا للجدل، لنقل سكان غزة، والذي تم تلخيصه في عرض تقديمي من 19 صفحة تم توزيعه في السفارة الأمريكية في تل أبيب في أيار/ يناير، وفقا لعدة أشخاص. 

وبالإضافة إلى توزيع الغذاء، تضمنت الخطط إنشاء مجمعات سكنية واسعة النطاق داخل غزة، وربما خارجها، حيث يمكن لسكانها الإقامة فيها أثناء "نزع سلاح القطاع وإعادة إعماره". وأشارت الشرائح المقدمة في الخطة إلى أن هذا النهج سيسمح لصندوق الإسكان العام بكسب ثقة سكان غزة، وهي فرصة يمكن استغلالها "لتسهيل رؤية الرئيس ترامب" للقطاع المتضرر من الحرب.

وتقول الصحيفة إنّ: "فكرة مؤسسة غزة الإنسانية، كانت جزءا من جهد أكبر قامت به مجموعة من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين ورجال الأعمال الإسرائيليين والشركاء الأجانب لدعم الجهود العسكرية الإسرائيلية والتخطيط لمستقبل غزة. وبدأ أفراد المجموعة لقاءاتهم بعد وقت قصير من بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة وفي أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقطعت المساعدات الإنسانية عن القطاع مع بدء الحرب، حيث بررت حكومة نتنياهو، التي طالما كانت غير واثقة من الأمم المتحدة، التي نسقت عمليات تسليم الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، الحصار بزعم أن حماس تسيطر على توزيع المساعدات وتستفيد منها".

"رغم ضغوط إدارة بايدن والمنظمات الإنسانية وأن منع المساعدات عن القطاع تعتبر جريمة حرب إلا أن مسؤولا مطلعا أخبر الصحيفة قائلا: كانت هناك حاجة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، لكن كان من الضروري أن يتم ذلك: "بطريقة غير تابعة للأمم المتحدة" وفقا للتقرير نفسه.

وفي كانون الثاني/ يناير 2024، طلبت مجموعة العمل الناشئة بشأن غزة المشورة من مايكل فيكرز، وهو جندي سابق في القوات الخاصة الأمريكية (القبعات الخضراء) وعضو سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه)، ووكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات خلال إدارة أوباما. 

وتشير الصحيفة إلى أنّ: "إدارة بايدن كانت تعرف أن الحكومة الإسرائيلية وإسرائيليين وأمريكيين من القطاع الخاص، كانوا يعملون معها على خطة لفرض نظام جديد لإيصال المساعدات. وبينما أبدى بعض أعضاء الإدارة دعمهم، كان معظمهم متشككا. لكنهم لم يتدخلوا مباشرةً في المشروع. وقال مسؤول سابق في إدارة بايدن، مشارك في السياسة الإسرائيلية: كانوا جميعا، وهم الحكومة الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء والجيش الإسرائيلي  يبذلون جهدا لإيجاد صيغة تنزع عن كاهلهم مسؤولية رعاية المدنيين في غزة".

وبحلول خريف ذلك العام، كانت الخطوط العريضة لخطة مساعدات بديلة جاهزة في دراسة جدوى مطولة أعدتها شركة "سيلات تكنولوجيز"، وهي شركة تابعة لأوربيس. وتصورت إنشاء كيان غير ربحي، هو مؤسسة غزة الإنسانية، "لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة بأمان". وذكرت وثائق التخطيط الموزّعة على مدى الأشهر القليلة التالية أن قيادة المؤسسة ستشمل شخصيات إنسانية مرموقة مثل ديفيد بيزلي، الرئيس السابق لبرنامج الغذاء العالمي، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق الذي يدير الآن معهدا لتقديم المشورة للقادة السياسيين". 

وعلى الرغم من وصف الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة غير الحكومية الرئيسية العاملة بالفعل في غزة بأنها جزء لا يتجزأ، إلا أن دورها المقترح لم يكن واضحا. وسيشمل برنامج متطور للتواصل على وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة التواصل مع صحافيين مختارين لتقديم صورة إيجابية عن مؤسسة غزة الإنسانية.

وبناء على التصور، ستعين المؤسّسة متعهدا "رئيسيا" لتنظيم والإشراف على بناء المواقع وعملية الإغاثة داخل غزة. وبعد ذلك، تقوم هذه الشركة بالتعاقد مع شركة أمنية خاصة، ويفضل أن يكون مقرها في الولايات المتحدة، لتكون هي الحارس والمنقذ على الأرض، وتحرس المساعدات أثناء نقلها إلى مراكز التوزيع وحماية المراكز نفسها. وشملت الشركات الخاصة التي اصطفت لخدمة المؤسسة المخطط لها أيضا "بوسطن كونستالتينغ غروب"حيث كان كل من رايلي وفيكرز، مستشارين رئيسيين لها.
 
وتوقعت مجموعة بوسطن، التي صرّحت لاحقا بأن خدماتها الأولية كانت تقدم مجانا، ملياري دولار كتكاليف تشغيل أولية لمؤسسة غزة الإنسانية. وتم تسجيل في تشرين الثاني/ نوفمبر شركة جديدة في جاكسون بولاية وايومينغ باسم "سيف ريتش سوليوشنز"، ووضعت تحت إدراة صندوق إئتماني وهو "تو اوشين تراست"، وبينما لم تشر معلومات في وثائق التسجيل إلى طبيعة عمل الشركة الجديدة أو من يديرها أو من ستوظفه أو المستفيد من الصندوق الائتماني أو الأموال التي ستجنيها أي أموال جنتها. ورفض متحدثون باسم "تو أوشين تراست وسيف ريتش سوليوشنز التعليق. 

وقالت ماكنالي كابيتال، عبر بيان للصحيفة، إنها "لم تستثمر في سيف ريتش سوليوشنز ولم تدرها بنشاط"، لكنها قالت إنّ لديها "مصلحة اقتصادية" فيها. وأسّس وورد ماكنالي من عائلة راند ماكنالي،  الشركة عام 2008  وهي مختصة وهي في الاستحواذ على شركات الطيران والدفاع والتكنولوجيا. وقال شخص مطلع على الجوانب المالية للمشروع: "من الواضح أن ماكنالي شركة تجارية. إنهم يعملون في مجال جني الأموال. لكن أعتقد أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا المشروع سيحقق ربحا في نهاية المطاف".

مع اقتراب العام الجديد، تعطّل التقدم نحو تخطيط برنامج المساعدات الغذائية بسبب احتمال وقف إطلاق النار في غزة والإفراج الجزئي عن الأسرى. وافقت دولة الاحتلال الإسرائيلي على سحب قواتها من أجزاء من غزة مؤقتا على الأقل، ما يسمح للمواطنين بالعودة إلى ما تبقى من منازلهم في الجزء الشمالي المدمر بشكل كبير من القطاع. 

و تعاقدت شركة رايلي مع يو جي سوليوشنز، وهي شركة  مقاولات أمن صغيرة مقرها ولاية كارولينا الشمالية، لتوفير طاقم للعملية البرية. برئاسة جيمسون جوفوني، الجندي السابق في القوات الخاصة الأمريكية. وقد سبق لشركة يوجي سوليوشنز أن عملت في أوكرانيا وهاييتي.

وعلى الرغم من أن الهدنة لم تستمر إلا حتى منتصف آذار/ مارس، عندما شنّت دولة الاحتلال الإسرائيلي غزوا بريا آخر لشمال غزة، فقد اعتُبرت نقطة التفتيش ناجحة، ولم يبلغ عن أي حوادث كبيرة. واعتبرت عملية نتساريم بمثابة اختبار تجريبي لعملية توزيع الغذاء، وكانت يو جي وسيف ريتش شوليوشنز في وضع جيد لتوليها نيابةً عن  مؤسسة غزة الإنسانيةـ التي سجلت في 2  شباط/ فبراير، كمنظمة إنسانية غير ربحية في سويسرا وديلاوير. 

وفي مؤتمر صحافي في 9 أيار/ مايو عقده السفير الأمريكي في دولة الاحتلال الإسرائيلي، مايك هاكابي زعم أن مؤسسة غزة الإنسانية هي "مبادرة" من ترامب. وسعى ممثلون أمريكيون، بمن فيهم أرييه لايتستون، وهو مسؤول يعمل الآن مع المبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف، وشغل سابقا منصب مساعد لديفيد فريدمان عندما كان سفيرا للولايات المتحدة لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى إقناع الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين بالتوقيع على الخطة. 

وقامت مؤسسة غزة الإنسانية بترقية المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، جون أكري، والذي عيّن في البداية رئيسا لعمليات المؤسسة داخل غزة، إلى منصب المدير التنفيذي المؤقت للمؤسسة.

وقال أحد الأشخاص إنّ: "المتطوعين كانوا يخشون العودة إلى عائلاتهم ليلا، لكن المخططين الماليين لم يخصصوا ميزانية لتوفير السكن أو المياه الجارية أو غيرها من الإمدادات اللازمة للبقاء في الموقع. قال شخص آخر مطلع على المحادثات بين مستشاري بوسطن كونسالتينغ الماليين ومخططي سيف ريتش سوليوشنز، كان هناك محاسبون في كل مرحلة، يسألون لماذا علينا القيام بهذه الأشياء". 

وأضاف أنّ: "المقاولين اشتروا بعض المؤن للعمال من أموالهم الخاصة. إن العدد المحدود من الشاحنات التي كانت تمر عبر معبر كرم أبو سالم إلى غزة يوميا إلى المواقع بعد التفتيش الإسرائيلي يعني أن الإمدادات نفدت مبكرا جدا، تاركا الآلاف خاليي الوفاض، غاضبين وغير مصدقين أنه لم يعد هناك طعام يمكن الحصول عليه". وخلال الأسبوع الأول من حزيران/ يونيو، انسحبت شركة بوسطن فجأة من المشروع.