قضايا وآراء

شتّان ما بين الصحفي والإعلامي

"الصحافة هي فن ومهنة جمع المعلومات، والتحقق منها، ومعالجتها، ثم تقديمها للجمهور بمهنية وموضوعية"- عربي21
بات لقب "إعلامي" أو "إعلامية" يُوزَّع كيفما اتفق، على كل من يظهر على شاشة التلفزيون، أو يُسمع صوته عبر أثير الراديو، أو حتى من يحقق شهرة على منصات التواصل الاجتماعي، دون النظر إلى مؤهلاته أو دوره الحقيقي في مجال الإعلام.

هذه الفوضى في استخدام التسمية تجعل من الصعب ضبطها، سواء في الحقل المهني نفسه أو في أوساط الجمهور. فـ"الإعلامي" أصبح مرادفا للنجومية والشهرة، لا لمهنة الصحافة المنظمة التي تستند إلى قواعد راسخة.

في جوهره، يُعد مصطلح "الإعلامي/ة" وصفا عاما لمن يشارك في إنشاء أو نشر المعلومات، أو الترفيه، أو المحتوى الترويجي عبر وسائل الإعلام المختلفة. وقد يشمل هذا مقدم البرامج، والمذيع، ومدير المنصات الرقمية، ومصور الفيديو، ومنتج البودكاست، ومصمم الجرافيك، وكاتب المحتوى الإعلاني، وصانع المحتوى، أو حتى المؤثر.. والقائمة تطول، بقدر ما تطول مساحة هذا التعريف المطاطي.

أما الصحفي، فهو خريج تخصّص أكاديمي واضح: الصحافة والاتصال الجماهيري، الذي يدرسه في مرحلة البكالوريوس على مدار أربع سنوات. فما الفرق إذن؟

الصحفي الحقيقي لا يكتفي بإتقان مهارات التحرير وإعداد التقارير، بل يمتد دوره إلى التصوير، والتحقيق الاستقصائي، وكتابة المقالات، والعمل في التلفزيون والإذاعة والمنصات الرقمية، بل وتدريب الأجيال القادمة من الصحفيين

الصحافة هي فن ومهنة جمع المعلومات، والتحقق منها، ومعالجتها، ثم تقديمها للجمهور بمهنية وموضوعية. هي حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية، إذ تسهم في إبقاء المواطنين على اطلاع، ومساءلة السلطة، وفهم العالم من حولهم. وهي مهنة تقوم على معايير أخلاقية صارمة.

الصحفيان الأمريكيان بيل كوفاتش وتوم روزنستيل يختصران المهمة الصحفية في عبارة شهيرة: "الواجب الأول للصحافة هو الحقيقة، وولاؤها الأول للمواطنين". وفي كتابهما "عناصر الصحافة"، يحددان المبادئ الأساسية للمهنة: الحقيقة والدقة، والاستقلالية، والإنصاف والنزاهة، والإنسانية (تقليل الضرر)، والمساءلة. 

الصحفي الحقيقي لا يكتفي بإتقان مهارات التحرير وإعداد التقارير، بل يمتد دوره إلى التصوير، والتحقيق الاستقصائي، وكتابة المقالات، والعمل في التلفزيون والإذاعة والمنصات الرقمية، بل وتدريب الأجيال القادمة من الصحفيين. أما الإعلامي، غالبا ما يكون دوره محصورا ضمن مجال ضيق، بلا مرجعية أكاديمية أو مهنية واضحة.

ولو بحثنا عن تعريف دقيق لكلمة "إعلامي" أو "إعلامية"، سواء بالعربية أو بالإنجليزية، فلن نجد لها تأصيلا أكاديميا أو توصيفا مهنيا معتمدا. ولهذا، لا نجد في الجامعات العريقة تخصّصا بهذا الاسم، بل نجد برامج دراسية في الصحافة والاتصال والإعلام الرقمي، تخرّج صحفيين متكاملين، لا "إعلاميين" هشّين.

صحيح أن لقب "الإعلامي" يبدو براقا، لكنه يفتقر إلى الجذور، لذلك فإن بريقه سرعان ما يخبو. لا أخفي انحيازي العلني للصحافة كمهنة، وأجد أنه لا مكان حقيقيا لكلمة "إعلامي/ة" في ساحة الصحافة الجادة، فالمساواة بينهما ليست إلا ظلما فادحا.

الصحفي، تماما كمن يملك بناية كاملة، أما "الإعلامي"، فكمن يقف في شرفة تلك البناية فقط.