شهد إقليم
كردستان في شمال
العراق هذا الأسبوع موجة غير مسبوقة من الهجمات بالطائرات المسيّرة المفخخة استهدفت حقولا نفطية رئيسية، ما تسبب بخفض إنتاج
النفط في الإقليم إلى أقل من النصف، في تطور يُنذر بمخاطر استراتيجية على الاقتصاد العراقي، وسط اتهامات لجماعات مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف خلف هذه العمليات.
وأفاد جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان، الخميس، بأن طائرة مسيّرة استهدفت حقل طاوكي النفطي الذي تديره شركة "دي.إن.أو" النرويجية في منطقة زاخو، شمالي البلاد، على الحدود مع تركيا.
ويُعد الهجوم هو الثاني على مواقع تديرها الشركة منذ بداية الهجمات مطلع الأسبوع الجاري، بعد تعرض حقل بيشخابور النفطي لهجوم مماثل.
ويأتي التصعيد في توقيت بالغ الحساسية، إذ تزامنت هذه الضربات مع استئناف الحوثيين في اليمن لهجماتهم على مسارات الشحن في البحر الأحمر لأول مرة منذ سبعة أشهر، ما يربط التصعيد في شمال العراق بسياق إقليمي أوسع تقوده أطراف حليفة لطهران، وفق ما تشير إليه مصادر أمنية عراقية.
اظهار أخبار متعلقة
الأضرار تفوق نصف الإنتاج
ووفق مسؤولين في قطاع الطاقة تحدثوا لـ"رويترز"، فإن الهجمات أدت إلى خفض إنتاج كردستان من النفط بنحو 140 إلى 150 ألف برميل يوميا، مقارنة بالإنتاج الطبيعي البالغ حوالي 280 ألف برميل، وذلك بعد تعليق العمل في عدة حقول نتيجة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.
كما استُهدف حقل عين سفني النفطي الذي تديره شركة "هانت أويل" الأمريكية، في محافظة دهوك، أمس الأربعاء، وأكدت الشركة أن منشآتها أُغلقت احترازيا لتقييم الأضرار، دون تسجيل إصابات بين العاملين.
ضربات متوالية ومنشآت معطّلة
ومنذ الاثنين الماضي، شنت طائرات مسيّرة مجهولة المصدر هجمات متكررة على منشآت نفطية في الإقليم، شملت حتى الآن حقول عين سفني، طاوكي، بيشخابور، سرسنك، وشيخان. وتُعد الأخيرة من أبرز الاكتشافات النفطية الحديثة في شمال العراق، وتقع شمال غرب أربيل.
وأفادت سلطات الإقليم بأن الهجمات تواصلت لليوم الرابع على التوالي، مع تسجيل ثلاث ضربات جديدة أمس الأربعاء استهدفت منشآت للطاقة في محافظة دهوك، في حين أكدت مصادر أمنية أن الطائرات المسيّرة انطلقت من مناطق تخضع لسيطرة فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران.
اظهار أخبار متعلقة
سياق إقليمي وأبعاد سياسية
ويأتي التصعيد في ظل تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي دفعت العديد من الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، إلى تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية داخل العراق وسوريا، مستخدمة الصواريخ والطائرات المسيرة.
وتضم هذه الجماعات نحو 50 ألف مقاتل، وتمتلك ترسانات عسكرية متطورة، وتُتهم بتلقي دعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني، ما يثير مخاوف من توسيع دائرة الاستهداف لتشمل البنية التحتية الحيوية في العراق.
وبحسب رابطة صناعة النفط في كردستان، فإن استمرار الهجمات على منشآت الطاقة يُنذر بتوقف إنتاج ما يقارب 200 ألف برميل يوميا، ما قد يلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد العراقي الذي يُعد النفط عماده الرئيسي، ويضع أمن الطاقة في مرمى التهديدات.
ويرى مراقبون أن الهجمات تمثل تحولا نوعيا في استهداف قطاع النفط العراقي، إذ كانت التهديدات في السابق تتركز على البنية التحتية في الجنوب، أو تُرتبط بتقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية، لكن اليوم باتت الضربات موجّهة ومقصودة ضد مواقع إنتاج محددة في الإقليم الكردي الغني بالنفط.
اظهار أخبار متعلقة
غياب الرد الرسمي والتخوف من التصعيد
حتى اللحظة، لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها المباشرة عن الهجمات، كما لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة العراقية أو من حكومة إقليم كردستان حول تدابير الرد أو الحماية، ما يعكس حالة ارتباك سياسي وأمني حيال تطور خطير كهذا يهدد بزعزعة أحد أعمدة الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
ويحذر خبراء من أن تكرار هذه الهجمات قد يؤدي إلى عزوف الشركات الأجنبية عن الاستثمار في قطاع الطاقة في كردستان، خصوصا في ظل غياب الضمانات الأمنية، وهو ما سيعزز الانكماش الاقتصادي ويُفاقم أزمة الموازنات بين بغداد وأربيل.
وتُثار تساؤلات عن توقيت هذه الهجمات وعلاقتها بالحرب في غزة، حيث يرى البعض أنها تأتي في إطار تصعيد محسوب من محور المقاومة المدعوم من إيران، للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، من خلال استهداف مصالحهم الحيوية، بما فيها الطاقة والنقل البحري.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الحوثيون في اليمن هجماتهم على سفن الشحن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي والغرب في البحر الأحمر، تبدو الهجمات على حقول كردستان جزءا من استراتيجية أوسع للرد غير المباشر على العدوان الإسرائيلي في غزة، وتوجيه رسائل ردع ضد أي محاولة للمساس بالمصالح الإيرانية أو حلفائها.