قضايا وآراء

لقاء عماد أديب ويائير لبيد: هل يكون مدخلا خلفيّا للتطبيع السيادي القادم؟!

"ما فاقم الشعور بالغضب من أداء عماد أديب؛ المقارنة الحتمية بين حواره المشبوه ولقاءات إعلاميين آخرين؛ أظهروا مهنية وشجاعة في مواجهة الرواية الصهيونية"- إكس
أثار اللقاء التلفزيوني الذي أجراه الإعلامي عماد أديب مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق يائير لبيد على شاشة "سكاي نيوز عربية" عاصفة من الانتقادات اللاذعة والاستهجان غير المسبوق، لا سيما في الأوساط العربية والمُتابعة للشأن الفلسطيني. لم يقتصر النقد على مجرد الاختلاف في وجهات النظر، بل تجاوز ذلك ليطال صميم المهنية الصحفية وطريقة إدارة الحوار نفسها، مما دفع الكثيرين للتساؤل بغضبٍ:

هل كان اللقاء منصة ترويجية مكشوفة لتلميع صورة لبيد -ليعود رئيسا لوزراء الكيان الصهيوني مرة أخرى- والدفاع عن العدوان الصهيوني الغاشم، بدلا من كونه حوارا صحفيّا يهدف إلى المساءلة وكشف الحقائق المخفية؟!

وقد بلغ الأمر ببعض المعلقين حدَّ وصف دور عماد أديب في هذا الحوار بأنه خرج عن الإطار المعهود لـ"المُحَلِّل السياسي" ليتحول بشكلٍ صادمٍ ومُخْزٍ إلى دورٍ أقرب ما يكون إلى "المُحَلِّل"؛ بالمعنى الدارج الذي يُستخدم تحايلا لرجوع المطلقة ثلاثا لزوجها الأول!

هذا التشبيه اللاذع يعكس حجم الغضب العارم من الطريقة التي أدار بها أديب الحوار، والتي بدت وكأنها "تُحَلِّل" ليائير لبيد تبريرَ عدوانه والدفاعَ عن سياساته القمعية دون أدنى مساءلة حقيقية.

محتوى اللقاء.. غياب فاضح للموازنة والمساءلة الصحفية
اتسم الحوار بالغياب الفاضح للموازنة والمساءلة الصحفية الجادة. بدا عماد أديب، والقناة التي بثت اللقاء، وكأنهما قد منحا يائير لبيد ساحة مفتوحة على مصراعيها للترويج لأفكاره وسياساته، والدفاع عن الممارسات الوحشية للكيان الصهيوني في غزة، دون وجود تحَدٍّ حقيقي أو استجواب نقدي يُذكر

اتسم الحوار بالغياب الفاضح للموازنة والمساءلة الصحفية الجادة. بدا عماد أديب، والقناة التي بثت اللقاء، وكأنهما قد منحا يائير لبيد ساحة مفتوحة على مصراعيها للترويج لأفكاره وسياساته، والدفاع عن الممارسات الوحشية للكيان الصهيوني في غزة، دون وجود تحَدٍّ حقيقي أو استجواب نقدي يُذكر.

فعلى الرغم من الطبيعة شديدة الحساسية والمؤلمة للعدوان على غزة، لم يجد المشاهد العربي في أسئلة أديب ما يعكس حجم الكارثة أو يُسائل لبيد عن مسؤولية الكيان الصهيوني المباشرة عنها. على سبيل المثال، لم يُواجه أديب لبيد بأسئلة حقيقية حول مصير الفلسطينيين تحت الاحتلال، أو الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، أو اغتيال النساء والأطفال أمام طوابير المساعدات، أو خطة الكيان الصهيوني لفرض وقائع ديموغرافية في الضفة الغربية والقدس. بل بدت الأسئلة وكأنها مُعَدَّةٌ خصيصا لتمهيد الطريق لردود لبيد المتملصة، حيث حضرت فلسطين في سردية لبيد كـ"ملف أمني" دون أي مجهود من أديب لكسر هذا الإطار.

مقارنة مخزية: أين "المُحَلِّل" عماد أديب من مهنية بيرس مورغان وأحمد طه؟

ما فاقم الشعور بالغضب من أداء عماد أديب؛ المقارنة الحتمية بين حواره المشبوه ولقاءات إعلاميين آخرين؛ أظهروا مهنية وشجاعة في مواجهة الرواية الصهيونية.

يتذكر المشاهد العربي كيف أفحمَ الإعلامي البريطاني بيرس مورغان السفيرةَ الصهيونية في لندن بأسئلته المباشرة والمحاصِرة.

وعلى نفس المنوال، ورغم رفضنا لأي تطبيع، فإن أداء المذيع المهني في قناة الجزيرة المصري أحمد طه في لقاءاته مع صهاينة، كان محاورا صلبا، ذكيّا، ومستعدّا بالحقائق والأرقام التي تضرب في الصميم.

في المقابل، بدا عماد أديب في حواره مع لبيد متخاذلا، ومتآمرا، لم يُظهِر أي محاولة حقيقية لتقويض روايته، مما تُطرح معه تساؤلاتٌ حول الأجندة الخفية.

لقاء صحفي أم منصة للتلميع والترويج السياسي؟

شعر العديد من المشاهدين بأن اللقاء قد تحول إلى إعلانٍ ترويجيٍّ فجٍّ ومباشرٍ ومدفوعٍ ليائير لبيد، حيث سُمِحَ له بطرح روايته الخاصة والمنقحة للأحداث دون أي اعتراضٍ أو تصحيحٍ للمعلومات المغلوطة. على سبيل المثال، سمح أديب للابيد بتقديم روايته بشأن قضايا حساسة مثل الجولان المحتلة دون معارضة تذكر، حيث ذكر لبيد أن "إسرائيل سيطرت على الجولان فترة أطول من سيطرة سوريا على الجولان، وبالتالي الجولان من حق إسرائيل"، والمفاجأة أن عماد أديب "كان صامتا وكأنه مقتنع بالترهات التي يهرف بها لبيد".

بل لم يتطرق الحوار إلى الجرائم البشعة بحق المدنيين الفلسطينيين، أو الحصار الخانق على غزة، أو التوسع الاستيطاني الجنوني الذي يمثله لبيد. على العكس تماما، بدا لبيد وكأنه يُقدِّم خطابا استعراضيّا، مستغلّا فرصة الظهور على شاشة عربية لتلميع صورته الدولية والإقليمية المشوهة، وكأن دور أديب هو "المُحَلِّل" الذي يفتح الباب أمام لبيد ليعيد تموضعه ويروج لخطابه، بل ويساعده على تلميع صورته كمرشح بديل لرئاسة وزراء الكيان الصهيوني بدلا من بنيامين نتنياهو.

لماذا هذا اللقاء الآن؟
هل كان الهدف من لقاء "المُحَلِّل" عماد أديب مع يائير لبيد هو تقديم حوار صحفي متوازن، أم أنه أوجد فرصة لضيفه حتى يدافع عن مواقفه العدوانية، وتسويق أفكاره المسمومة، وتلميع صورته، والترويج لموجة تطبيع سيادي قادمة؛ على حساب الرواية الفلسطينية الحقيقية ومعاناة الشعب الأعزل في غزة؟

إن توقيت هذا اللقاء، في ظل التصعيد غير المسبوق للعدوان على غزة وتنامي حالة الرفض الشعبي للتطبيع في العالم العربي، يثير العديد من علامات الاستفهام حول دلالاته الحقيقية. يبدو أن هذا الظهور التلفزيوني يخدم أجندة خفية تسعى إلى تمهيد الطريق لموجة جديدة من "التطبيع السيادي" في بعض الدول، وذلك عبر إظهار وجه آخر للكيان الصهيوني غير وجه نتنياهو "المتطرف".

يسعى هذا النوع من اللقاءات إلى إيصال رسالة مفادها أن هناك "سياسيين صهاينة" يمكن التفاهم والتحاور معهم، وأن الصورة النمطية لنتنياهو ليست الوحيدة للكيان، بل إن هناك قيادات "معتدلة" أو "براغماتية" يمكنها أن تصنع "سلاما" مع العرب في حال خروج نتنياهو من المشهد السياسي. فقد تحدث لبيد في اللقاء عن مقترح "مهم وممكن التنفيذ" بشأن الرهائن، داعيا العالم العربي لدفع حماس لقبول الاتفاق "من أجل مصلحة سكان غزة ومصلحة سكان إسرائيل". كما شدد على أنه "لا يمكن لحماس أن تحكم غزة"، بل وصرح بأنه "لو كنت أنا رئيسا للوزراء لما حدث شيء مثل 7 أكتوبر، وكنت سأفعل شيئا مختلفا وهو محاولة الدفع قدُما بحكومة بديلة في غزة".

هذا الطرح يهدف إلى "تليين" المواقف الشعبية العربية تجاه الكيان، وفتح الباب أمام تقبل فكرة التعايش مع من تسببوا في قتل وتشريد آلاف الفلسطينيين، وذلك عبر بوابات إعلامية مشبوهة تعمل على غسل الأدمغة وتشويه الحقائق، وهو ما يؤكد أن دور هذا اللقاء لم يكن سوى "تحليل" آخر لمواقف عدوانية وقمعية، ولكن هذه المرة بصبغة "الاعتدال" المزعوم.

وبعد كشف الستار عن خلفية هذا اللقاء، وأسبابه، وتوقيته؛ نجد أنفسنا أمام سؤال بديهي: هل كان الهدف من لقاء "المُحَلِّل" عماد أديب مع يائير لبيد هو تقديم حوار صحفي متوازن، أم أنه أوجد فرصة لضيفه حتى يدافع عن مواقفه العدوانية، وتسويق أفكاره المسمومة، وتلميع صورته، والترويج لموجة تطبيع سيادي قادمة؛ على حساب الرواية الفلسطينية الحقيقية ومعاناة الشعب الأعزل في غزة؟