نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا قالت فيه إن الهجوم الإسرائيلي على
إيران أحدث تحولًا في الرأي العام، إذ دفع بعض الإيرانيين إلى دعم أجهزة الاستخبارات، رغم تجنّبهم التقليدي للتعامل معها في ظل النظام الاستبدادي، وذلك نتيجة لحالة من الوحدة الوطنية خلف القيادة.
وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن السلطات الإيرانية طلبت، منذ العدوان الإسرائيلي الأخير، من المواطنين الإبلاغ عن أي شخص يحمل حقائب، أو يرتدي نظارات شمسية ليلًا، أو حتى يرتدي قبعات، وهي إكسسوارات غير شائعة في إيران.
وأشارت الصحيفة إلى السلطات حثت الجمهور على الإبلاغ عن لوحات المركبات المسروقة أو الشاحنات الصغيرة ذات الصناديق المغطاة أو الحافلات التي تسير في أوقات غير معتادة، محذّرة من أن جميع هذه المؤشرات قد تكون دلائل على وجود أعداء يعملون من داخل البلاد.
وردًّا على الضربات الإسرائيلية، أطلقت إيران حملة مطاردة واسعة للمشتبه بهم بالتسلل والتجسس، بمشاركة من المواطنين. وقد اعتُقل المئات، وسرّعت السلطات محاكمات وإعدامات الجواسيس، كما أقرت قانونًا يوسّع تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم التجسس.
ونظرًا لاتساع حملة الاعتقالات حتى بعد وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، يخشى بعض الإيرانيين أن تتحوّل هذه الحملة إلى جولة جديدة من القمع ضد المعارضين السياسيين، في ظل حكومة لها تاريخ طويل في قمع الأصوات المعارضة.
وذكرت الصحيفة أن لإسرائيل تاريخًا طويلًا في اختراق إيران لتنفيذ عمليات استخباراتية واغتيالات، وقد أظهرت في الحرب الأخيرة قدرتها على شنّ هجمات واسعة من داخل الأراضي الإيرانية، بحسب مسؤولين من الجانبين.
وأفاد مسؤولون إيرانيون مؤخرًا بعدد من الأدلة التي قالوا إنها تدل على تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، بمساعدة عملاء ميدانيين داخل البلاد، من بينها أدلة على تجميع الصواريخ الإسرائيلية ونشرها داخل إيران، إلى جانب العثور على آلاف الطائرات المسيّرة الهجومية الصغيرة في العاصمة طهران.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل، في غضون ساعات من بدء هجومها في 13 حزيران/ يونيو، اغتالت عددًا من كبار الجنرالات والعلماء النوويين في منازلهم، ودمّرت منصات صواريخ ودفاعات جوية، ما أجبر المرشد الأعلى على الاختباء، في استعراض لمدى دقة معلوماتها الاستخباراتية.
لسنوات، عانت الحكومة الإيرانية من مشكلة خروقات الاستخبارات. والآن، تأتي حملة مطاردة الجواسيس على مستوى البلاد في وقت حساس للغاية.
وتابعت الصحيفة أن حملة إيران لملاحقة الجواسيس تأتي في وقت حساس، وسط تفهّم شعبي نسبي، يغذيه الغضب الوطني تجاه الخسائر المدنية الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية.
ولكن المسؤولين الإيرانيين لم يعترفوا علنًا بإخفاقاتها الاستخباراتية الكبيرة، حتى في الوقت الذي يشنون فيه حملة قمع واسعًا تستهدف، وفقًا لحقوقيين، معارضين وأقليات وأجانب.
وأفادت منظمات حقوقية بأن العديد من المعتقلين احتُجزوا دون مذكرات توقيف أو تمكينهم من توكيل محامين، بينما وصفت منظمة العفو الدولية محاكماتهم السريعة وتنفيذ الإعدامات بأنها "جائرة" و"محاولة مضللة لإظهار القوة".
وقالت الصحيفة إن يوم الأربعاء، نشر جهاز الموساد مقطع فيديو نادرًا يظهر فيه مديره ديفيد برنيا وهو يشيد بمجموعة من العملاء، وتم تعتيم وجوههم، تقديرًا لعملهم المتعلق بإيران.
وتعهدت وزارة الاستخبارات الإيرانية بأن "جهادها الاستخباراتي سيستمر بلا شك" ضد عملاء إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة، التي أقرت بإغلاق الإنترنت في البلاد لأيام بسبب مخاوف من هجمات إلكترونية، حثّ الإيرانيين على تجنّب مواقع التواصل الاجتماعي الدولية والاكتفاء بالمنصات المحلية.
وشددت الصحيفة على أن العملاء الأجانب الذين يسعون إلى التجنيد في إيران لن يجدوا صعوبة في العثور على مواطنين ساخطين بين سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران شهدت، على مدى عقود، موجات متكررة من الاحتجاجات الشعبية قوبلت بحملات قمع دموية. وقد تكون هناك أيضًا دوافع مالية قوية للتجسس، في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تمر بها البلاد نتيجة لعقود من العقوبات الغربية وسوء الإدارة الحكومية.
ونقلت الصحيفة عن سرور، من سكان طهران، قولها إنها تعتقد بوجود شبكة تجسس واسعة، مشيرة إلى أنها أبلغت عن منزل مشبوه في حيها وشاهدت السلطات تعتقل أشخاصًا وتصادر طائرات مسيّرة، لكنها فضّلت عدم كشف هويتها الكاملة خوفًا من العواقب.
وتقول السلطات الإيرانية إن شركاء إسرائيل على الأرض كانوا يستخدمون منازل آمنة لتجميع الصواريخ والطائرات المسيّرة، التي كانت تُنقل وتُطلق وتُفجّر سرًّا. وقد سمحت لوسائل الإعلام المحلية بتصوير ما قالت إنها ورش لتصنيع المسيّرات وأماكن مخصّصة لإخفائها في صناديق الشاحنات.
وسعيًا للكشف عن هذه الخلايا، نشرت السلطات الإيرانية إعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، تضمنت أحيانًا رسومات كاريكاتورية تصور المخربين وهم يستخدمون أدوات ويجمعون معدات.
وجاء في بيان نُشر عبر وكالة "فارس" للأنباء التابعة للحكومة، باسم قائد الشرطة الإيرانية أحمد رضا رادان: "إذا كنتم قد أجرتم ممتلكاتكم أو منازلكم خلال الأشهر الأخيرة، سواء بطرق تقليدية أو غير تقليدية، وبذريعة السكن لشركة ما، سواء على المدى القصير أو الطويل، فاحرصوا على الإبلاغ عن ذلك".
وأوضحت الصحيفة أن السلطات الإيرانية كشفت عن أكثر من 10,000 طائرة مسيّرة صغيرة في طهران منذ الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو/ حزيران، وقال مسؤولون أمنيون إنها استُخدمت في اغتيال علماء مرتبطين بالبرنامج النووي، بحسب ما نقلته وكالة فارس.
وفي محاولة لتشجيع التعاون الشعبي، تعلن السلطات بانتظام أن بعض اعتقالاتها أو مصادرتها للأسلحة جاءت بمساعدة من مواطنين عاديين.
ونقلت الصحيفة عن المحلل الإيراني شباني قوله إن المواطنين عادةً يتجنبون التعامل مع وزارة الاستخبارات، لكن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى اصطفاف وطني دفع بعضهم للتعاون معها.
وذكرت الصحيفة أن بعض السياسيين المعتدلين حثوا السلطات على الاستفادة من الدعم الشعبي من خلال إجراء بعض المراجعات الذاتية.
وقال الرئيس مسعود بيزشكيان إن الحرب والوحدة الشعبية تشكّلان فرصة ذهبية لمراجعة أسلوب الحكم وتحقيق التغيير، معتبرًا أنها لحظة مناسبة لتحسين الأوضاع والانفتاح على الغرب.
واختتمت الصحيفة تقريرها بنقل رأي محمد رضا من تبريز، الذي رأى أن النظام الإيراني سيوسّع قريبًا حملة القمع لتشمل المعارضين السياسيين، مؤكدًا أن خوفه الأكبر هو أن يظهر بمظهر الضعيف، لأن ذلك قد يشجّع الناس على الثورة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)