كتاب عربي 21

دميون بالميلاد والتنشئة

جعفر عباس
لا يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه عنصري استعلائي، وصدرت عنه أقوال مسيئة وجارحة بالطن المتري عن ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية، بل ووصف الدول الأفريقية بأنها "حُفَر مراحيض".. الأناضول
لا يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه عنصري استعلائي، وصدرت عنه أقوال مسيئة وجارحة بالطن المتري عن ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية، بل ووصف الدول الأفريقية بأنها "حُفَر مراحيض".. الأناضول
لكل ذي عقل أن يعجب كيف لشعب نسبة التعليم لديه عالية، ولديه أقوى أجهزة الإعلام في العالم، أن يرتضي إسناد الرئاسة إلى شخص (ترامب)، غرٍّ غرير مغرور، يمجد العنف ويتوعد الأقارب والأباعد بالويل والثبور، وحقيقة الأمر هي أن الملايين من الأمريكان يطربون عندما يتحدث ترامب عن قصف مفاعل نووي في إيران، ويهدد بتوجيه ضربات جوية لنيجيريا بزعم أن المسيحيين فيها يتعرضون للتصفية، ويصفقون وسلاح الجو الأمريكي يدمر قوارب صيد الأسماك قبالة سواحل فنزويلا، بزعم أنها تحوي مخدرات متجهة إلى السوق الأمريكي، ولا يسأل المصفقون أنفسهم: هل لتلك الطائرات حاسة شم تجعلها تميز بين رائحة السمك ورائحة الكوكايين، ولماذا لا يتم قصف الشاحنات الضخمة التي تجوس الأراضي الأمريكية محملة بأطنان من المخدرات.

واقع الأمر هو أن السمة الأساسية للتاريخ الأمريكي، هي استدامة العنف، فقد ولدت الولايات المتحدة بعد مخاض عنيف، سالت فيه دماء سكان الأرض الأصليين أنهارا، وأوكل النشاط الاقتصادي فيها إلى العبيد، ولما تقرر تحريرهم قامت حرب أهلية كان عدد ضحاياها أعلى من عدد ضحايا كل الحروب الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، وهناك اليوم عشرات الجماعات المسلحة التي تمارس العنف ضد ذوي الأصول الأفريقية، الذين تم الإتيان بأسلافهم قسرا إلى الأراضي الأمريكية. وطوال القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادي والعشرين كانت المدن الأمريكية مسارح لعنف أهوج، يغذيه القانون الذي يقول بأن امتلاك السلاح الناري حق دستوري.

واقع الأمر هو أن السمة الأساسية للتاريخ الأمريكي، هي استدامة العنف، فقد ولدت الولايات المتحدة بعد مخاض عنيف، سالت فيه دماء سكان الأرض الأصليين أنهارا، وأوكل النشاط الاقتصادي فيها إلى العبيد، ولما تقرر تحريرهم قامت حرب أهلية كان عدد ضحاياها أعلى من عدد ضحايا كل الحروب الأوروبية خلال القرن التاسع عشر
المناهج التعليمية الأمريكية أيضا تمجد العنف، وتغرس في عقول الناشئة أن شن الحروب على الشعوب الأخرى ضرورة لـ "الأمن القومي". وهكذا تتم برمجة الطلاب وحشو رؤوسهم بأمجاد القوات الأمريكية في الساحة الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية، وفي فيتنام وكمبوديا والعراق وأفغانستان، وإيهامهم بأن خوف السوفييت من القوة الأمريكية الغاشمة ـ وليس اعتلال بنيان دولتهم داخليا ـ هو الذي أدى الى تفكك تلك الدولة.

لا يخفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه عنصري استعلائي، وصدرت عنه أقوال مسيئة وجارحة بالطن المتري عن ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية، بل ووصف الدول الأفريقية بأنها "حُفَر مراحيض"، وأنصاره من غلاة اليمينيين يطربون لذلك، ويعتقدون إن ممارسة العنف بحق الأقليات والشعوب غير البيضاء واجب وطني. وأن أفراد تلك الأقليات مجرد أشياء مثل الفأس والمحراث، وأنه لا باس ولا تثريب في التخلص منها بأسلوب فظ، متى ما استنفدت الغرض الذي من أجله جلبت إلى الأراضي الأمريكية. ومنطقهم هنا هو أن العبيد تحرروا نتيجة لحرب أهلية، ومن ثم فمن المشروع إعادة إخضاعهم، أو إرغامهم على العودة إلى من حيث أتوا بالعنف.

بداهة فإن شعب دولة قامت على جماجم أهل الأرض الأصليين، ويتباهى حكامها المتعاقبون بغزو هذه الدولة أو تلك، يتشبّع بثقافة أن تحقيق الغايات يمر عبر ماسورة السلاح الناري، وهكذا فالشرطي الأمريكي يده على زناد مسدسه على الدوام، ولا يكاد يمر يوم واحد دون سقوط نحو خمسين شخصا جرحى أو صرعى برصاص الشرطة في عموم الأراضي الأمريكية، بينما بلغ عدد قتلى السلاح الناري 1.4 مليون شخص في الفترة ما بين 1968 و2011. وفي عام 2013 وحده سجلت الشرطة الأمريكية 74000 ونيف حالة إطلاق نار، وإصابة لمدنيين على أيدي مدنيين، نجمت عنها 33,636 حالة وفاة، وهو رقم أعلى من عدد ضحايا الطرفين في الحرب الروسية على أوكرانيا في سنة واحدة، وهلل الإعلام الأمريكي عندما انخفض عدد القتلى بالسلاح الناري في عام 2015 الى 13,286.

ترامب الذي يتباهى بأنه حقق السلام في الشرق الأوسط، بإقناع إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية بوقف إطلاق النار، لا تهتز له شعرة وسلامه يتعرض للدك يوميا بسلاح الجو والمدفعية الإسرائيلية، بل خانه ذكاؤه المحدود وقال في معرض ذلك التباهي بأن إسرائيل قامت بعمل طيب A good job
وبالمقارنة مع 22 دولة موصوفة بالغنى والرفاهية، فإن معدل جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة في الولايات المتحدة ارتفع نحو 25 مرة  في السنوات العشر الأخيرة، بينما عدد سكان أمريكا أقل من نصف عدد سكان تلك الدول مجتمعة.

والشاهد هنا هو أن الأمريكيين منذ فجر تاريخهم ـ وهو "قريب" ـ مجبولون على العنف، ومن ثم فلا عجب في أن تجد بلطجة ترامب استحسان الناخبين، فصفق مريدوه عندما أصدر الأمر بأن يشارك سلاح الجو الأمريكي في قصف مفاعل نووي إيراني، ثم وهو يهدد باجتياح فنزويلا، ليس لأن رئيسها نيكولاس مادورو ديكتاتوري النزعة، ولكن لأن لدى فنزويلا احتياط نفطي هائل، وفي التاريخ القريب قام رئيس أمريكي (جورج دبليو بوش) ينتمي إلى الحزب الجمهوري ـ كما ترامب ـ بغزو العراق بحجة أن به مخزون هائل من أسلحة محظورة بمواثيق دولية، بينما كان قلبه، وكانت عينه على نفط العراق، وعلى موقع العراق الاستراتيجي، والأسافير متخمة بإفادات من عميل المخابرات الأمريكية السابق جون كريكو، بأن رؤساءه أبلغوه في عام 2002، أي قبل عام من الغزو، بأنه تقرر الإطاحة بحكم الرئيس العراقي صدام حسين، وإقامة أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الأراضي الأمريكية في جنوب العراق.

ترامب الذي يتباهى بأنه حقق السلام في الشرق الأوسط، بإقناع إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية بوقف إطلاق النار، لا تهتز له شعرة وسلامه يتعرض للدك يوميا بسلاح الجو والمدفعية الإسرائيلية، بل خانه ذكاؤه المحدود وقال في معرض ذلك التباهي بأن إسرائيل قامت بعمل طيب A good jobفي دكّها لغزة، وها هو يأتي بخطة تضع غزة تحت الوصاية الدولية، وبهذا تصبح غزة كيانا فاقداً للانتماء حتى إلى الضفة الغربية، ومن ثم "فلسطين".
التعليقات (0)

خبر عاجل