استيقظ
الأرجنتينيون ذات صباح ليجدوا أن تجار الدواجن قد اتفقوا سرّا على رفع سعر البيض
دفعة واحدة؛ لم يفكر هؤلاء في الفقراء، ولا في العائلات التي تكافح لسدّ رمق
أطفالها، لكن الشعب الأرجنتيني لم يصرخ، ولم ينتظر تدخلا رسميا، بل استخدم أذكى
سلاح يملكه:
المقاطعة الواعية.
كان المواطن
يدخل السوبرماركت، ينظر إلى السعر المرتفع، ثمّ يعيد البيض إلى مكانه دون كلمة.
ومع مرور الأيام، امتلأت الرفوف بالبيض الذي لم يلمسه أحد. رفض أصحاب المحال
استلام أي شحنات جديدة، وتراكمت الخسائر على التجار حتى اضطروا أولا إلى إعادة
السعر السابق، لكن الشعب لم يشترِ. ثم خفّضوا السعر أكثر، فرفض الشعب، وفي النهاية
اضطر التجار إلى بيع البيض بربع سعره الأصلي مع تقديم اعتذار رسمي للشعب. هكذا انتصر
شعب لم يرفع سلاحا، بل رفع وعيه..
واليوم في سوريا.. هل نقدر على ما قدر عليه الأرجنتينيون؟
رفعت مؤسسة
سِرياتيل للاتصالات
أسعار باقات الإنترنت إلى أرقام لا يمكن احتمالها، في وقت لا
يزال فيه الشعب السوري يخرج من سنوات حرب مُرهقة، عاد فيها كثير من الناس من
الخيام ليبنوا بيوتهم المهدّمة من جديد. الإنترنت اليوم ليس ترفا، بل حاجة للطالب
والعامل والأسرة، ولا يجوز أن يتحول إلى عبء يستنزف ما تبقى من أموال الناس.
يا شعب سوريا..
لقد واجهتم في الماضي أحد أعتى الأنظمة وأفجرها في العالم، وصمدتم، فكيف تعجزون
اليوم عن الوقوف في وجه جشع بعض التجار أو استغلال الشركات؟
نحن لا ندعو
إلى فوضى، ولا إلى مواجهة الحكومة، فالحكومة الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع
تعمل في مرحلة حساسة من الإصلاح والبناء، وعلينا أن نصبر عليها وندعم خطاها، لكن
دعم الدولة لا يعني السكوت عن الظلم التجاري.
المقاطعة
الواعية ليست خروجا على الدولة بل خروجا على الجشع
لو اتفق
السوريون قاطبة على عدم شحن الباقات بأسعارها الجديدة، وعلى تخفيف الاستهلاك
واستخدام البدائل، لاضطر التجّار والشركات إلى التراجع كما حدث في الأرجنتين،
ولأصبحت المقاطعة قوة شعبية تعزز جهود الحكومة في ضبط السوق ومحاربة الفساد.
ورسالة صادقة
إلى التجّار.. ارحموا أنفسكم وارحموا الناس
أيها التجار..
إن سوريا اليوم ليست بلدا مستقرا مترفا، بل بلد يخرج من حرب، ومئات الآلاف عادوا
من الخيام ليبنوا حياتهم من جديد ويرمموا ما دُمر من دورهم. هؤلاء لا يحتملون غلاء
مصطنعا ولا احتكارا.
إن محبة
الخير للمسلمين أصل في تجارتكم. وقد قال النبي ﷺ للتجار حين رأى بيعهم وشرائهم: "إن التجار
يُبعثون يوم القيامة فجّارا، إلا من اتقى الله وبرّ وصدق. وقال ﷺ: "رحم الله رجلا
سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى".
السماحة ليست
ضعفا.. إنها بركة في الرزق، وراحة في الضمير، ورحمة للآخرين.
أين منكم
اليوم خُلُق عثمان بن عفّان رضي الله عنه؟ حين جاءته قافلة ألف راحلة في زمن
القحط، عرض التجار عليه الربح الكبير، فقال لهم: "زادني بكل درهم عشرة.. الله
سبحانه وتعالى" ثم تصدق بالقافلة كلها على فقراء
المدينة.
وأين منكم
محمد بن المنكدر رحمه الله الذي أعاد مالا إلى صاحبه لأنه لا يرضى للمشتري ما لا
يرضاه لنفسه؟ حتى قال الناس عنه: هذا الذي نستسقي به إذا قحطنا.
التجارة
الحقيقية ليست في رفع الأسعار ساعة ضعف الناس.. بل في الأمانة، والرحمة، وإغاثة
المحتاجين.
وأخيرا.. القناعة كنز لا يفنى..
القناعة ليست
فقرا، بل غنى. إذا قنع التاجر بالربح المعقول بارك الله له، وإذا قنع
الزبون وترك الإسراف عاش أوسع وأهدأ. فالقناعة تكبح جشع التاجر، وتمنع غلو المستهلك، وتخلق
سوقا صحية عادلة.
فيا شعب سوريا
العظيم.. لقد وقفتم أمام الطغيان فلم تهتزّوا، فلا تجعلوا غلاء التاجر
يهزمكم. كونوا مثل الأرجنتينيين: متحدين، هادئين، واعين. اصبروا على الحكومة، ولا
تصبروا على الظلم. واجعلوا من المقاطعة وسيلة إصلاح، لا وسيلة صراع. وسترون
النتائج أسرع مما تتصورون..