سياسة عربية

المرتزقة في السودان… شبكات حرب عابرة للحدود

تجار الحرب.. الشبكات التي تجلب القتلة المأجورين إلى ساحات السودان - أ ف ب "أرشيفية"
تجار الحرب.. الشبكات التي تجلب القتلة المأجورين إلى ساحات السودان - أ ف ب "أرشيفية"
يشكل تدخل المرتزقة الأجانب في الصراع الدامي بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني بعد عام 2023 أحد أبرز أوجه الحرب السودانية، ويدل على تحول الصراع المحلي إلى ما يشبه “حرب بالوكالة” بإشراف جهات دولية وإقليمية. 

هؤلاء المرتزقة وبحسب تقارير رسمية وأكاديمية من دول عدة منها كولومبيا، وروسيا٬ وأوكرانيا، ودول أفريقية، ويتم استقطابهم عبر شبكات قبلية أو شركات أمن خاصة ترفع قدرة الدعم السريع القتالية وتوسع نفوذها داخل السودان. 

في المقابل، يواجه هذا التدخل تساؤلات قانونية وأخلاقية كبيرة، خاصة أن قوات الدعم السريع متهمة بارتكاب جرائم حرب واسعة بحسب تقارير حقوقية.

خلفية الصراع ودور الدعم السريع
تطورت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" من ميليشيات الجنجويد في دارفور إلى قوة سياسية-عسكرية مهيمنة، يربطها اقتصاد الذهب وشبكات مصرفية وتجارية واسعة.

ومنذ اندلاع الصراع مع الجيش السوداني في نيسان/أبريل 2023، تحولت قوات الدعم السريع إلى لاعب فاعل يسيطر على أجزاء كبيرة من دارفور، ويواجه اتهامات بجرائم قتل جماعي، واغتصاب، وتهجير ومذابح عرقية، خاصة ضد العديد من القبائل في الفاشر وغيرها من المناطق. 

بل وصف بعض العاملين الحقوقيين ما يجري بأنه “إبادة حقيقية” في الفاشر، في ظل وجود تقارير عن  عمليات قتل منظمة٫ وقيام طائرات بدون طيار بضرب الأحياء المدنية والمرافق الطبية.

مما دفع ناشطون ودبلوماسيون سودانيون إلى دعوة المجتمع الدولي لتصنيف الدعم السريع جماعة “إرهابية” وفرض حظر على تدفق الأسلحة والمرتزقة إليه. 

صعود المرتزقة الأجانب
ومن أبرز قصص المرتزقة في هذا النزاع هي ما تسميه الحكومة السودانية ووسائل الإعلام بـ “ذئاب الصحراء”٬ وهي رحدة مقاتلين من كبار قدامى القوات المسلحة الكولومبية، يقدر عددهم بين 350 و380 شخصا، تم تجنيدهم عبر شركات أمن خاصة في دولة الإمارات.

وفق رسالتهم إلى مجلس الأمن، تقول الحكومة السودانية إن هؤلاء المرتزقة جاؤوا إلى السودان عبر طرقات لوجستية معقدة تشمل الطيران من الإمارات إلى الصومال أو ليبيا، ثم عبورا عبر تشاد إلى داخل أراضي السودان، إلى مناطق مثل الفاشر ونالا.

ووفق الحكومة  فإن هؤلاء المرتزقة لم يعدوا فقط للمشاركة في المعارك، بل شغلوا أدوارا متعددة منها٬ تشغيل طائرات بدون طيار، وقيادة العربات المدرعة، والمساهمة في القتال المباشر.

كما تؤكد الحكومة السودانية على استخدامهم ترسانة من الأسلحة المحرمة في بعض الأوامر التشغيلية، مثل الفوسفور الأبيض، بحسب وثائق يزعم أنها جزء من خطة عملياتية لوحدة “ذئاب الصحراء” في الفاشر.

كما تحدثت تقارير عن تجنيد أطفال ومراهقين من قبل المقاتلين الكولومبيين، عبر معسكرات تدريب داخل الفاشر، مما يثير قضايا خطيرة تتعلق بالقانون الدولي الإنساني. 

وبحسب رأى بعض المراقبين، فإن استخدام المرتزقة الكولومبيين يمثل استراتيجية مزدوجة للدعم السريع: أولا، لتعويض نقص الخبرة لدى بعض وحداته، وثانيا كذراع لوجستي واستخباري، مع الحفاظ على طبيعة “غير رسمية” لتجنيدهم لتفادي المساءلة الدولية٬ وفق ما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية. 

اظهار أخبار متعلقة


مرتزقة أوكرانيون وأجانب آخرون
إلى جانب الكولومبيين، أكدت تقارير أن هناك مقاتلين من أوكرانيا يعملون مع الدعم السريع. وزارة الدفاع السودانية أعلنت  بحسب بعض المصادر أنها نفذت كمينا أسفر عن مقتل عدد من الأجانب من كولومبيا وأوكرانيا داخل الفاشر، ووصف بيانها بعضهم بأنهم “مهندسون نظاميون” وقناصة.

من جهة أخرى، يشير بحث أكاديمي  إلى أن استقطاب المرتزقة في السودان لا يتم فقط عبر أجانب من جغرافيا بعيدة عن السودان، بل عبر شبكات عرقية قبلية. وذلك بحسب البحث المنشور في "Small Wars & Insurgencies" والذي يتحدث عن  ظاهرة اسماها “ethno-mercenarism” (المرتزقة العرقيين): حيث يتم تجنيد المرتزقة عبر روابط عرقية أو قبلية بين العرب في منطقة الساحل العربي وبين بعض المقاتلين الأجانب، ما يعزز التماسك داخل وحدات الدعم السريع ويسهل تجنيدهم.

وهذا النمط، بحسب الباحثين، يمنح التجنيد ميزة استراتيجية للدعم السريع وهي٬ الاستفادة من ولاءات عرقية أو لغوية لتكوين وحدات مقاتلة موثوقة وبناء تحالفات عابرة للحدود.

فاغنر إلى جانب الدعم السريع
في حين أشارت تقارير إلى وجود مرتزقة روس مرتبطين بمجموعة فاغنر في أفريقيا، إلا أنه لا توجد أدلة قاطعة  على وجودهم بشكل  مباشرة في صفوف الدعم السريع في السودان. التقرير يصف كيف تستخدم روسيا مجموعات المرتزقة كمصدر نفوذ اقتصادي وسياسي في عدة دول أفريقية، لكنه لا يربطهم دائما بطرف واحد فقط في النزاع السوداني.

ومع ذلك، أشار بعض المحللين إلى أن روسيا  عبر ما يُعرف الآن بـ كوربس أفريقيا (Africa Corps) – قد تكون تستثمر في السودان من خلال شبكات فاغنر ، خاصة في مجال التعدين والذهب، وهو أحد أعمدة دعم الاقتصاد المالي للدعم السريع. 

من أين تأتي الموارد والدعم اللوجستي؟
التجنيد الأجنبي ليس سوى جزء من اللعبة الاستراتيجية التي تدعمها جهات دولية. مثل الإمارات العربية المتحدة التي تقف في قلب هذا الصراع٬ وتتهمها الحكومة السودانية بدعم الدعم السريع بالسلاح، والمرتزقة، والتمويل٬ وفق ما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست".

وفقا لتقارير واشنطن بوست، فهناك أدلة من صور وتتبع رحلات جوية على أن الإمارات قدمت طائرات دون طيار، صواريخ، ودعم لوجستي للدعم السريع عبر طرق متعددة تشمل دولا مثل تشاد وليبيا.

وهذا الدعم يتجسد أيضا في التسيير اللوجستي للمرتزقة٬ فحسب شكوى الحكومة السودانية إلى مجلس الأمن، فإن الرحلات الجوية التي تقل المرتزقة من الإمارات إلى مناطق مثل الصومال ثم ليبيا ثم تشاد وثم إلى السودان قد تمت عبر شبكة معقدة.

بجانب ذلك، هناك اتهامات بأن الإمارات تسهل تجارة الموارد السودانية لصالح الدعم السريع خاصة الذهب، ما يعزز مصالح المليشيا ويجعلها متصلة اقتصاديا بإقليم الخليج.

اظهار أخبار متعلقة


جرائم موثقة.. أين يقف الحق الإنساني؟
استخدام المرتزقة من قبل قوات الدعم السريع يصاحبه ما يصفه مراقبون دوليون وحقوقيون بأنه موجة من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني. فبعد سقوط مدينة الفاشر في دارفور بيد الدعم السريع٬ وردت شهادات عن وجود الاف القتلى خلال أيام في أحياء المدنية، بحسب شبكة الأطباء السودانيين، مع حديث عن اغتصاب وقتل جماعي.  

ناجون من الفاشر رووا أن هناك “مجزرة منظمة” تشمل مداخل الأحياء، المستشفيات، حتى المساجد، مع تنفيذ عمليات تفتيش بالقوة، وقتل، ونهب.

أحد الأمثلة المؤلمة على هذا النمط هو ما جرى في مخيمات النزوح٬ فتقارير من منظمات إغاثية تقول إن الدعم السريع قامت بمداهمات، وتطهير عرقي، واستهداف للمدنيين في المخيمات.

إضافة إلى ذلك، هناك انتقادات كبيرة حول قيام المرتزقة الأجانب بتدريب الأطفال في صفوف الدعم السريع، بما في ذلك التدريب على إطلاق النار واستخدام الأسلحة، وهي ممارسات تشكل خرقا صارخا للقانون الدولي وحقوق الطفل.

وتعكس قضية المرتزقة الأجانب في الحرب السودانية مع الدعم السريع وجها من أزمة عميقة تجمع بين النزاعات الداخلية والتمويل الخارجي والمصالح الاقتصادية، ما يحول السودان إلى ساحة لتجارب الحروب خاصة  "جيوش الظل".
التعليقات (0)