سياسة عربية

إعدامات ميدانية وجثث متناثرة.. مأساة الفاشر تتفاقم ومخاوف التقسيم تتزايد (شاهد)

القتلى ينتشرون بالفاشر جراء مذابح ارتكبتها الدعم السريع- أ ف ب أرشيفية
القتلى ينتشرون بالفاشر جراء مذابح ارتكبتها الدعم السريع- أ ف ب أرشيفية
تتطور الأحداث في مدينة الفاشر السودانية بشكل متسارع، وسط تقارير عن فظائع وإعدامات ميدانية قامت بها قوات الدعم السريع، فيما ارتفعت الأصوات الدولية مطالبة بإنقاذ المدنية التي تعرضت لحصار استمر أكثر من سنة.

وأظهرت صور ومشاهد نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، مدنيين يفرون من مدينة الفاشر، وجثث متناثرة على الأرض قرب سيارات محترقة، وذلك بعد دخول قوات الدعم السريع للمدينة.

كما أظهرت مشاهد أخرى عمليات إعدام بالرصاص الحي لمدنيين فارّين من المعارك، فيما قالت منظمة الهجرة الدولية، إن التقديرات الميدانية تشير إلى نزوح أكثر من 26 ألف شخص من مدينة الفاشر خلال 48 ساعة.

كيف تطور الوضع

بعد معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الأسبوع الماضي وسيطرة الدعم السريع على أجزاء من المدينة، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مساء الاثنين، مغادرة القيادة العسكرية الفاشر لتجنبها مزيدا من "التدمير والقتل الممنهج" على يد قوات الدعم السريع.

وفي أحدث تطور قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان اليوم الثلاثاء إن قوات الدعم السريع ارتكبت عمليات قتل عنصري وترويع ممنهجة ضد المدنيين العُزّل، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، في مشاهد صادمة يوثقها مرتكبوها بفخر ووقاحة".

واتهمت الخارجية السودانية "الدعم السريع" بـ"التخطيط لهذه الإبادة الجماعية بحصار الفاشر وتجويع سكانها لعامين ونصف لتتوجها بمجزرة مروّعة تضاف إلى سجل المليشيا الأسود من الفظائع والانتهاكات الممتدة من مدينة الجنينة إلى قرى وأريا".

إعدامات ميدانية

أظهرت مقاطع فيديو وتقارير ميدانية نشرت اليوم الثلاثاء أن قوات الدعم السريع نفذت إعدامات ميدانية بحق المدنيين في الفاشر منذ دخولها المدينة مساء الاثنين.

وقالت القوة المشتركة للحركات الموالية للجيش السوداني، إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم بشعة في مدينة الفاشر، راح ضحيتها أكثر من ألفي مدني أعزل خلال يومي 26 و27 أكتوبر الجاري، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.

وقالت القوة المشتركة في بيان صحفي صدر اليوم الثلاثاء واطلعت عليه "عربي21" إن هذه الانتهاكات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

وأضاف البيان: "نحمل المليشيا وما يسمي بتحالف التأسيس وابو ظبي والدول الداعمة لها كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية والقانونية عمّا جرى في الفاشر".

وشددت الحركات في بيانها على أن مدينة الفاشر ستبقى "صامدة في وجه الهجمة البربرية الغاشمة التي تشنها المليشيا، وتؤكد القوة المشتركة بقاءها على العهد قتالاً تحت قيادة القوات المسلحة السودانية دفاعاً عن الشعب السوداني، في التزام كامل بالقانون الإنساني الدولي".

تقارير مروعة

من جهته قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه تلقى تقارير متعددة ومقلقة تفيد بأن قوات الدعم السريع تنفذ فظائع، بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من مدينة الفاشر المحاصرة في شمال دارفور ومدينة بارا بولاية شمال كردفان خلال الأيام الأخيرة.

وقال فولكر تورك المفوض السامي لحقوق الإنسان في تصريحات نشرتها الأمم المتحدة عبر موقعها الرسمي إنه "في الفاشر، تشير التقارير الأولية إلى وضع شديد الخطورة منذ أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني قبل يومين".

وحذر تورك من تصاعد خطر وقوع مزيد من الانتهاكات والفظائع واسعة النطاق ذات الدوافع القبلية في الفاشر، وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لضمان حماية المدنيين في الفاشر وتأمين ممر آمن لمن يحاولون الوصول إلى أماكن آمنة نسبيا.

بدوره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن ما يحصل يمثل "تصعيدا مروعا" للنزاع، مشددا على أن الوقت قد حان لكي يتحدث المجتمع الدولي بوضوح مع كافة الدول التي تتدخل في الحرب وتقدم الأسلحة للأطراف المتحاربة، وحثها على التوقف.

وذكر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه تلقى تقارير عن إعدامات للمدنيين الذين يحاولون الفرار، مع مؤشرات على وجود دوافع قبلية لعمليات القتل، وكذلك قتل أشخاص لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية.

وأشار مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى أنه تلقى مقاطع فيديو متعددة تظهر عشرات الرجال العزل يتعرضون لإطلاق نار أو جثثهم على الأرض، محاطين بمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يتهمونهم بأنهم مقاتلون تابعون للقوات المسلحة السودانية.

استخدام التجويع كسلاح حرب

بدوره أدان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف اليوم الثلاثاء الفظاعات وجرائم الحرب التي تحدّثت عنها تقارير من مدينة الفاشر السودانية.

وأعرب يوسف في بيان عن "القلق البالغ حيال العنف المتصاعد والفظاعات التي تتحدث عنها تقارير من المدينة" بينما دان "جرائم الحرب المفترضة وعمليات قتل المدنيين التي تستهدف جماعات عرقية".

ودعا إلى "وقف فوري للأعمال القتالية وفتح ممرات إنسانية للسماح بوصول المساعدات المنقذة للحياة إلى السكان المتأثّرين".

فيما شددت الأمم المتحدة على أن حصار المساعدة الإنسانية والغذاء على وجه الخصوص هو بمثابة استخدام التجويع كسلاح حرب "لذا، فهو وضع بشع في الأساس، حيث يخاطر الناس بعبور طريق خطير للغاية لأننا لا نحصل على ضمانات المرور الآمن".

نداء للوحدة والصمود

وفي خضم هذه التطورات قال والي غرب دارفور الجنرال بحر الدين ادم كرامة إن القوات المسلحة السودانية "صبرت واستبسلت في الفاشر بكل تشكيلاتها، وقدّمت ما استطاعت بقوة دفاعًا عن الشعب غير أن رفع الحصار عن المدينة لم يتحقق كما أردنا، إنها محطة للمراجعة لا للهزيمة".

وأضاف الوالي في تصريحات صحفية اليوم الثلاثاء: "ما حدث في الفاشر لا يعني أن تصدأ بنادقنا، ولا أن تُنكسر إرادتنا، إنها ليست نهاية الطريق، بل نداءٌ جديدٌ للوحدة والصمود. من يظن أن خسارة مدينة تُسقط عزيمة أمة يجهل معدن هذا الشعب".

وتابع: "نحن أمام امتحانٍ لوحدة الصف والإرادة، وسنواصل المعركة عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا حتى يُحاسَب الجنجويد على جرائمهم، ويستعيد وطننا أمنه وكرامته".

"توثيق جرائم المليشيا"

القوات المسلحة السودانية حثت المجتمع الدولي ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية على "توثيق الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها مليشيا اسرة دقلو الإرهابية بمدينة الفاشر، والعمل على إيصال صوت الضحايا إلى العالم، وعدم الصمت إزاء الفظائع التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء".

وأكد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد ركن عاصم عوض في بيان أن الجيش السوداني يهيب بكافة الجهات المعنية بتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية في كشف الجرائم، وتوفير الحماية للمدنيين، وتحريك آليات المساءلة الدولية ضد مرتكبي هذه الانتهاكات".

شبح تقسيم السودان

دخول قوات الدعم السريع مدينة الفاشر، أثار مخاوف محلية ودولية من احتمال تقسيم السودان فعلياً، وانفراط وحدة أراضيه، وفي المحصلة زيادة المعاناة الإنسانية فيه، في ظل تأثير التدخلات الإقليمية والدولية.

وباتت قوات الدعم السريع تهيمن على مناطق واسعة من إقليم دارفور، لكن الجيش السوداني يحتفظ بالمناطق الممتدة على طول نهر النيل والبحر الأحمر في شمال البلاد وشرقها ووسطها.

ووفق متابعين للشأن السوداني تسعى قوات الدعم السريع إلى اقتطاع أجزاء من دارفور وكردفان لتكون أوراق ضغط في مفاوضات مستقبلية.

وقال المحلل السياسي المتابع للشؤون الإفريقية أحمد محمد فال، في تصريح لـ"عربي21" إن سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر، تعني بالفعل أنها سيطرت على غالبية مناطق دارفور، حيث تعتبر الفاشر أكبر مدن الإقليم.

وأضاف: "الدعم السريع ستلوح بورقة تقسيم السودان، قد يكون ذلك في مرحلة من المراحل بهدف تعزيز أوراق التفاوض، لكن في ظل الوضع الدولي والإقليمي فإن خطر التقسيم يبقى واردا بالفعل، وشبح التقسيم يلوح في الأفق".



التعليقات (0)

خبر عاجل