أكد الكاتب
اللبناني إبراهيم الأمين في مقاله بصحيفة الأخبار٬ أن الوضع الراهن بين لبنان والاحتلال
الإسرائيلي يتطلب قراءة دقيقة للعديد من الملفات الحساسة، أبرزها مصدر المعلومات المتعلقة بمحاولات
حزب الله لإعادة بناء قدراته، ومسار التهديدات الإسرائيلية، والرسائل الأمريكية، إضافة إلى المبادرات الدبلوماسية العربية والإقليمية.
وأوضح الأمين أن البداية كانت بتسريبات إسرائيلية إلى فضائيات تمولها السعودية والإمارات، مفادها أن تل أبيب ترصد نشاطات حزب الله في إعادة بناء قدراته العسكرية. وتولت وسائل إعلام العدو مهمة نقل هذه الرسائل مباشرة، عبر سلسلة من التقارير والمقالات والتصريحات الصحفية، مصحوبة بموجة أولى من التهديدات.
في الوقت ذاته، وجه مندوب الجيش الإسرائيلي في لجنة «الميكانيزم» اتهامات إلى الجيش اللبناني بعدم اتخاذ أي خطوات لوقف نشاطات حزب الله، ووافقه المندوب الأمريكي الذي أشار إلى أن الجيش اللبناني قادر على القيام بالكثير، مع تفهم الهواجس الإسرائيلية تجاه لبنان.
وأضاف الأمين أن مورغان أورتاغوس نقلت رسائل الإدارة الأمريكية، مؤكدة أنها لا ترى ضرورة أن يراعي لبنان حزب الله في ملفي السلاح والمفاوضات، وأن الاحتلال زود واشنطن بتفاصيل مثيرة حول جهود الحزب لإعادة بناء قدراته، موضحة أن إسرائيل «لن تنتظر طويلا، ومستعدة للقيام بمهمة نزع السلاح في حال رفض لبنان التحرك».
وفي السياق ذاته، أشار المبعوث الأمريكي توم براك إلى «تقاعس» المسؤولين اللبنانيين، داعيا إلى خطوات عاجلة نحو تسوية شاملة مع الاحتلال الإسرائيلي، وموضحا أن لبنان أمام فرصة وحيدة لمنع عودة الحرب، عبر إعلان الموافقة على مفاوضات مباشرة ومنح الجيش اللبناني صلاحيات إضافية لنزع سلاح حزب الله، لكنه شدد على أنه ليس منطقيا توقع أن تمنع الولايات المتحدة إسرائيل من حماية أمنها بحسب رؤيتها.
وأشار الأمين إلى أن الاحتلال لم يقدم أي ضمانات بشأن وقف العدوان على لبنان، وأن التفاوض وحده لا يلزمها بأي خطوات عملية. ولفت إلى أن ما عرض على لبنان والمقاومة ليس تفاوضا مباشرا فحسب، بل يتضمن تنازلات مسبقة دون أي ضمانات، مع توضيح قادة العدو أن لبنان بحاجة لإثبات قدرته على تنفيذ أي اتفاق أمني قبل أن تنظر إسرائيل في أي التزامات عملية.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف الكاتب أن الاحتلال طالب الأمريكيين بمصارحة لبنان أن الحديث لا يدور عن تنفيذ اتفاقية 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 أو متابعة القرار 1701، بل عن اتفاقية أمنية شاملة، مشددة على أن اتفاق وقف إطلاق النار السابق لم يعد على الطاولة، وأنه من المتوقع التخلص منه تدريجيا عبر برنامج لتسريح قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان.
وفي هذا الإطار، تناول الأمين دور الوساطة
المصرية بعد اتفاق غزة، حيث ناقشت واشنطن الأمر مع القاهرة، وطلبت من مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد زيارة تل أبيب للقاء قادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين وأمنيين، بهدف وضع مبادرة مصرية المنشأ للتنسيق بين لبنان وإسرائيل. وأوضح أن تل أبيب ترى أن الحساب مع حزب الله وإيران لم يغلق بعد، وأنها تستعد لجولة حروب محتملة تشمل لبنان والعراق واليمن وحماس، معتبرة الترابط بين ساحات الصراع قائما وبقوة.
وأشار الأمين إلى أن القاهرة، رغم تعزيز دورها عبر غزة، تسعى لملء الفراغات الإقليمية ولا ترغب بتركها للسعودية أو الإمارات أو تركيا، مؤكدة على قدرتها على تنسيق مثمر مع الأمريكيين، خصوصا بين رشاد والوسيط الأمريكي ستيف ويتكوف.
وأضاف أن زيارات رشاد إلى بيروت شملت سلسلة اجتماعات علنية وأخرى سرية، أكدت أن إسرائيل تنشط أمنيا واستخباراتيا لتوجيه ضربة لحزب الله، مع احتمال تنفيذ اغتيالات لقادة سياسيين وعسكريين، مع قدرتها على حملة جوية تكسر ظهر المقاومة، كما تفعل في العراق وضد الحوثيين.
وأوضح الكاتب أن الاستراتيجية الأمريكية تتطلب خطوات عملية من لبنان بالتنسيق مع حزب الله، بينما ترى القاهرة أنه يجب التعامل بحذر، مع التركيز على منع تهجير سكان غزة وعدم سحق حزب الله، مع البحث عن صيغة لتجميد سلاح الحزب جنوب الليطاني، قبل بدء مفاوضات أوسع تشمل الانسحاب الإسرائيلي الكامل وترسيم الحدود وإطلاق الأسرى وإعادة الإعمار.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب الأمين، لم يبد حزب الله تحفظا في موقفه الرسمي، مؤكدا أن المبادرات تهدف لإلزام لبنان بالتنازل عن اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر، وأنه لا يتوقع من أي طرف خارجي ضمان التزام الاحتلال بأي اتفاق، مشددا على التزام الحزب باتفاق وقف إطلاق النار وعدم نيته اتخاذ أي خطوات هجومية.
وأوضح أن المقاومة لا تتحدث عن عملها العسكري، واتخذت قرارا بالانتقال إلى «المجهول»، وأنها غير مسؤولة عن كل الكلام المثار من مؤيديها أو خصومها، لكنها ستواصل حقها في العمل الدفاعي، وهو ما قد يكون سبب إطلاق مرحلة التصعيد الجديدة وفق رؤية أمريكية وسعودية وإسرائيلية مشتركة.
ختاما، يرى الأمين أن المشهد الراهن يؤكد أن لبنان وحزب الله أمام تحديات معقدة، بين التهديدات الإسرائيلية والضغوط الأمريكية والمبادرات العربية، في حين تبقى ملفات السلاح والتفاوض محور التوتر الأساسي، مع استمرار حالة الغموض حول خطوات الردع أو التهدئة المستقبلية، وسط تأكيد المقاومة على تمسكها بحقها الدفاعي وعدم القبول بفرض أي تنازلات خارج الإطار الوطني اللبناني.