مقالات مختارة

إسرائيل من الإعدام الميداني إلى الإعدام القانوني

جمال زحالقة
الأناضول
الأناضول
ناقش الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع مشروع قانون حكم الإعدام، الذي طرحته نائبة من حزب «القوّة اليهودية» الفاشي، الذي يرأسه الوزير العنصري إيتمار بن غفير. وبعد إقراره في لجنة الأمن القومي البرلمانية، جرى تحويله للتصويت عليه بالقراءة الأولى في الهيئة العامة للكنيست، وسيتواصل النقاش حول هذا القانون، قبل عرضه للتصويت النهائي بالقراءتين الثانية والثالثة، وقد تدخل فيه بعض التعديلات غير الجوهرية. ويحظى القانون بأغلبية واضحة في الكنيست بعد أن تلقّى دعما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن عدد من أحزاب الائتلاف والمعارضة، منها «الليكود» و»الصهيونية الدينية» و»القوة اليهودية» و»إسرائيل بيتنا».

وخلال جلسة اللجنة البرلمانية، التي ناقشت القانون أعلن جال هيرش المسؤول عن ملف المحتجزين في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية، أن نتنياهو يدعم القانون، وأكد إزالة التحفّظ السابق بأن مجرد بحثه «كان سيعرض حياة المخطوفين للخطر»، وقال: «بما أن المختطفين الأحياء قد عادوا، لم تعد حاجة لمعارضة بحث وتمرير القانون». وطلب أن يُسمح للشاباك بتقديم تقرير سري للمحكمة، قبل اتخاذ قرار الإعدام، فردّ عليه بن غفير معارضا ومؤكدا، أن القانون ينص على أن الإعدام إجباري لا حرية قرار للقضاة. ويبدو أن هذا الموضوع (رأي الشاباك) سيكون معرض نقاش في المراحل المقبلة لسن القانون.

ينص اقتراح القانون على أن «من يقتل مواطنا إسرائيليا بدوافع عنصرية، أو عداء لجمهور معيّن، بهدف الأضرار بدولة إسرائيل وبقيامة الشعب اليهودي في بلاده»، يكون الحكم عليه بالإعدام، كحكم إجباري لا خيار فيه. وقد صيغ هذا البند على أساس عنصري، لأنه يجبر القضاة على الحكم على المتهم الفلسطيني بالإعدام، لأنه «ضد إسرائيل» في حين يمنعهم من اتخاذ قرار بالإعدام على يهودي ارتكب المخالفة القانونية ذاتها، وهو يربط بين حكم الإعدام ونية المس بدولة إسرائيل. ويُدخل القانون الجديد تعديلا يسمح باتخاذ قرار الإعدام بغالبية أصوات القضاة، وليس بالضرورة بالإجماع كما كان سابقا، بالإضافة لكل ذلك ينص القانون على عدم جواز الاستئناف أو إصدار عفو عن المحكوم عليهم بالإعدام.

فوجئ الكثير من المحللين الإسرائيليين من تغيير موقف نتنياهو، الذي عارض على مدى سنوات طويلة سن قانون حكم الإعدام. والسؤال هل كان هذا تغييرا تكتيكيا للمحافظة على بقاء بن غفير في الحكومة، أم أنه تغيير جوهري في أعقاب هزة السابع من أكتوبر، وتماشيا مع موجات العداء للفلسطينيين والعرب، ورغبة الشارع الإسرائيلي للمزيد من الانتقام والثأر. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف نتنياهو السابقة المعارضة لحكم الإعدام، وموقفه الحالي الداعم له، فإن الأرجح أن يسعى لتمرير قانون لا يصادر قدرة الحكومة والشاباك على توجيه سياسة العقوبات في المحاكم العسكرية بكل ما يتعلق بفرض عقوبة الإعدام ـ كما كانت عليه الأمور إلى الآن. هذا يتطلب تغيير بعض بنود القانون وملاءمته للقانون الإسرائيلي، ولموقف الشاباك.

موقف الشاباك
على مدى عشرات السنين عارض جهاز الشاباك فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين، الذين أدينوا في المحاكم الإسرائيلية بقتل فلسطينيين، وفضّل الحكم عليهم بالسجن المؤبّد. وأصبح توجه الشاباك هو السائد والموقف شبه الرسمي للحكومة وللأذرع الأمنية والجهاز القضائي.
إسرائيل اليوم أكثر جاهزية لتمرير حكم الإعدام، خاصة بعد تعيين الجنرال ديفيد زيني رئيسا للشاباك

واتخذت الحكومة الإسرائيلية عام 1967 قرارا بعدم فرض عقوبة الإعدام في المحاكم العسكرية التي أنشأتها في المناطق المحتلة بعد الحرب مباشرة، لكن إسرائيل اليوم أكثر جاهزية لتمرير حكم الإعدام، خاصة بعد تعيين الجنرال ديفيد زيني رئيسا للشاباك، وهو معروف بمواقفه المتطرفة، التي لا تختلف كثيرا عن تلك التي يحملها الثنائي بن غفير وسموتريتش. لقد دارت في الماضي نقاشات كثيرة في إسرائيل حول موضوع حكم الإعدام، وكان الرأي السائد هو المعارضة، استنادا إلى:

أولا، يرى الشاباك أن هذه عقوبة لا تحقق ردعا فعليا، بل قد تؤدّي إلى نتائج عكسية، إذ دلت تجارب عالمية على أنّ الإعدام لا يمنع المقاومة الأيديولوجية والدينية، والمنفذون لا يخشون الموت، بل يعتبرونه تضحية مقدسة؛

ثانيا، المجتمع الفلسطيني سينظر إلى ضحايا الإعدام كشهداء، كما قال رئيس الشاباك السابق يعقوب بيري «الإعدام سيعطي الإرهابيين مكانة بطولية ويقوّي الدوافع الدينية»؛

ثالثا، تخشى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن يدفع فرض حكم الإعدام «المسلحين الفلسطينيين» إلى الاستبسال والقتال بشراسة في أية مواجهة، لأنهم يعرفون أن الموت ينتظرهم إن قبض عليها ـ وفي ذلك تعريض حياة جنود إسرائيليين للمزيد من المخاطر؛

رابعا، هناك تقدير بأن تنفيذ أحكام الإعدام سيؤدّي إلى تصعيد أمني كبير، ويزيد حافز اختطاف الجنود للمطالبة بتحرير الأسرى لإنقاذهم من الإعدام، أو لاستعادة جثامينهم إن جرى تنفيذ الحكم بحقّهم.
إن موقف الشاباك في غاية الأهمية، وله تأثير كبير على مجرى سن قانون الإعدام.

في الماضي عارض الشاباك هذه العقوبة، لكن اليوم وبعد السابع من أكتوبر، والتغييرات الكبرى في تركيبة قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قد تكون حصلت تحوّلات معيّنة لم تتضح معالمها بعد. من شبه المستحيل أن يدعم نتنياهو القانون من دون أن يطّلع على موقف الشاباك ويأخذه بعين الاعتبار، وهو الذي أصر على تعيين رئيسه الجديد. من جهة أخرى، فقد طلب ممثل الحكومة في جلسة لجنة الأمن القومي، التي بحثت قانون الإعدام، السماح للشاباك بتقديم تقرير سري للمحكمة حول رأيه بحكم الإعدام، ما يعني أن جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي يريد إبقاء الأمور تحت سيطرته، وألّا تكون قرارات القضاة أوتوماتيكية كما يريد بن غفير.

ضد التيار
منذ بداية الألفية الثالثة، تتجه الغالبية الساحقة من دول العالم، إلى التقليل من فرض عقوبة الإعدام، وحتى إلى إلغائها نهائيا، لكن إسرائيل تسير ضد التيار بالاتجاه المعاكس، حيث تقوم الكنيست هذه الأيام بسن قانون يؤدي إلى توسيع دراماتيكي في تنفيذ عقوبة الإعدام بعد أن كانت من الممنوعات في القضاء الإسرائيلي. هذا التوسيع هو خرق واضح وفاضح للقانون الدولي، خاصة البند السادس في «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» الذي صدر عام 1966 وصادقت عليه إسرائيل عام 1991، إذ يشمل العهد بندا صريحا بخصوص حكم الإعدام ينص على الحق في الاستئناف وعلى الحق في طلب العفو، وهذا ما يمنعه مقترح القانون المطروح حاليا في الكنيست، وكذلك يتناقض القانون الإسرائيلي الجديد مع «معاهدة فينا 1969»، التي تؤكّد على الحق في الحياة وواجب تقليص حكم الإعدام والسعي لإبطاله.

إعدام ميداني
يعتبر الإعدام الميداني قتلا خارج نطاق القضاء، لشخص لا يشكل خطرا مباشرا. والقائد العسكري الإسرائيلي الذي يصدر أمرا بقصف بيت عائلة في غزة لا يشكل أفرادها «خطرا مباشرا» هو عمليا يحكم عليها بالإعدام، وهذا شكل من أشكال الإعدام الميداني. وإذا أخذنا التعريفات المختلفة للإعدام الميداني، نجد أن إسرائيل في عدوانها على غزة أعدمت ميدانيا الآلاف من الفلسطينيين، إضافة جرائم حرب أخرى لا تعرّف كإعدام ميداني. ويسعى الداعمون لقانون الإعدام الإسرائيلي الجديد إلى مواصلة إعدام الفلسطينيين من خلال جهاز القضاء الإسرائيلي، وأكثر ما يهمهم حاليا هو محاكمة أعضاء وحدات النخبة، القابعين في السجون الإسرائيلية، ويدور نقاش في إسرائيل حول طريقة محاكمتهم، وهناك دعوات لتشكيل محاكم خاصة لهذا الغرض.

لقد فرضت إسرائيل خلال حرب الإبادة والتدمير الشامل، سقفا عاليا من أهوال ومستويات جرائم الحرب كما وكيفا. ويأتي سن قانون الإعدام ضمن إطار استباحة الدم الفلسطيني ولمواصلة القتل خارج إطار المعارك والحروب، لكن مهما بلغت فظاعة القمع والقتل الإسرائيلية من مدى، فهي لن تقتل إرادة الحياة الحرة الكريمة لدى شعب فلسطين، وهو سيبقى يناضل بلا توقّف حتى ينال حريته وحقوقه المشروعة.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل