مقالات مختارة

تداعيات السابع من أكتوبر: تحقيقات وانقسامات إسرائيلية

جمال زحالقة
جيتي
جيتي
شبت منذ بداية الأسبوع الحالي زوبعة من الخلاف والتراشق الكلامي بين وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ورئيس هيئة أركان الجيش، الميجر جنرال إيال زامير. ونشب النزاع بينهما على خلفية التعامل مع تقرير «لجنة ترجمان»، التي فحصت جودة 25 تقرير عسكري عن إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول وكشفت أن معظمها كان إما سطحيا أو غير مكتمل، وأوصت اللجنة باتخاذ خطوات قصاصية ضد الضباط المسؤولين عن الفشل وهذا ما فعله رئيس الأركان الإسرائيلي ما أثار حفيظة وزير الأمن، الذي صرح بأن زامير لم يستشره. ومن المهم الانتباه إلى أن مثل هذه الخلافات (والاتفاقات أيضا) الإسرائيلية الداخلية لها تأثير ملموس واسقاطات مباشرة وغير مباشرة على الحالة الفلسطينية وعلى جميع المواجهات الإقليمية، التي خاضتها وتخوضها إسرائيل.

على أثر التقرير، أعلن الجنرال زامير عن سلسلة من الإجراءات العقابية ضد عشرين من كبار الضباط، الذين ثبت تقصيرهم، وتراوحت العقوبات بين إعفاء من المنصب إلى توجيه «ملاحظة من القيادة».

وكان من بين من جرى الإعلان عن إنهاء خدمتهم في قوات الاحتياط الجنرالات أهرون حليوة، الرئيس السابق لشعبة المخابرات العسكري؛ ويارون فينكلمان، قائد المنطقة الجنوبية الأسبق؛ وعوديد باسوك، الذي شغل منصب رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي. كما أُعفي من خدمة الاحتياط كل من يوسي سريئيل، الرئيس السابق لوحدة 8200 الاستخباراتية، وآفي روزنفيلد، القائد السابق لفرقة غزة.

هؤلاء جميعا أنهوا خدمتهم العسكرية مدى الحياة. إضافة إليهم وُجّهت «ملاحظة من القيادة» – التي تحمل طابع التوبيخ الرسمي – إلى الجنرال تومير بار، القائد السابق لسلاح الجو، لفشله في التصدي للمسيرات؛ وكذلك إلى الجنرال دافيد سعادة، القائد السابق لسلاح البحرية لفشله من منع الاختراق من البحر يوم السابع من أكتوبر. وهناك من يقول إن الإقالات والاستقالات الأخيرة هي البداية وليست النهاية.

استغل يسرائيل كاتس، وزير الأمن الإسرائيلي ما جرى، وأعلن عن تعيين «مراقب الجيش»، ليفحص تقرير ترجمان وأصدر قرارا بتجميد التعيينات في الجيش لمدة شهر إلى حين انتهاء تحقيق المراقب. وأثار هذا القرار غضب زامير، الذي اعتبره تدخلا في عمله المهني كرئيس للأركان، وسخر من تعيين محقق للتحقيق في «تحقيق التحقيقات» – كما يوصف تقرير ترجمان – قائلا بأنه لا يعقل أن ينهي ضابط واحد، في غضون شهر، فحصا لتقرير أعده 12 ضابطا خلال سبعة أشهر متتالية. ووجه زامير انتقادا علنيا مباشرا للقيادة السياسية وقال إن «الجيش هو الجسم الوحيد الذي حقّق بعمق في إخفاقاته وتحمل المسؤولية عنها».

وأضاف أنّ «تجميد التعيينات يضر بكفاءة الجيش وباستعداداته لموجهة التحديات المقبلة». وردّ عليه كاتس مذكّرا إيّاه بأن «رئيس الأركان يخضع لرئيس الوزراء ووزير الأمن وحكومة إسرائيل».

تداخلت في هذا النزاع عدة عوامل ومؤثّرات مرتبطة بمسعى اليمين الإسرائيل المحموم للسيطرة على مفاصل الحكم، وبالأخص في مجالات الأمن والقضاء والإعلام. ويحاول كاتس أن يظهر بمظهر الزعيم القوي وصاحب القرار الذي يفرض على زامير من يعيّن ومن يقيل من ضباط، وعَينُهُ على الانتخابات الداخلية في الليكود، فهو يسعى إلى تعظيم نفوذه الحزبي في إطار الصراع المحتدم في الكواليس حول وراثة نتنياهو في يوم ما، وكاتس يعتبر نفسه مرشحا جديا لقيادة حزب الليكود.

أمّا زامير، الذي عيّنه نتنياهو وكاتس في رئاسة الأركان خلفا للميجر جنرال هرتسي هليفي، فمعني بإثبات استقلاليته وبالتزامه بحماية الجيش من السياسة والسياسيين، وهو يعرف تماما أنه يصعُب على نتنياهو إقالته أو دفعه للاستقالة – كما فعل مع غيره.

تحقيق التحقيقات
يطلق تعبير «تحقيق التحقيقات» على اللجنة برئاسة الجنرال احتياط سامي تورجمان وبعضوية 12 ضابطا كبيرا من مختلف الاختصاصات، التي قدمت تقريرها في العاشر من الشهر الحالي.

وكان الجنرال زامير، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قد عيّن اللجنة لمراجعة وفحص 25 تحقيق قامت بها لجان عسكرية متخصصة، لتقييم جودة ومصداقية وجدارة التحقيقات وتحديد نقاط ضعفها وكذلك الحاجة إلى إعادة التحقيق أو استكماله لسد الثغرات والتوصية على تحقيقات إضافية في قضايا لم تبحثها اللجان التي قدمت تقاريرها. الجديد في لجنة تورجمان أنها تناولت مع الموضوع بنظرة شاملة، في حين أن التحقيقات السابقة ركّزت على معارك وساحات ومجالات عينية، ولم تتناول الصورة الكاملة.

ويظهر من تقرير لجنة تورجمان أن الجيش الإسرائيلي «لم يعرف كيف يجهز نفسه لحرب مباغتة، بالرغم من التحذيرات الاستراتيجية، فهو لم يغير الاستعدادات على الحدود».

ويظهر كذلك من تقرير اللجنة أن قادة الجيش لم يكونوا قادرين على التعامل مع حدث كبير مثل حرب مفاجئة ببساطة لأنه لم يكن ضمن السيناريوهات التي درسوها واستعدوا لها. وجاء تبعا لذلك الاستنتاج أن على الجيش أن يكون جاهزا لحرب مفاجئة حتى لو لم تتوفّر عنها معلومات استخبارية مسبقة.

وكان عدد من الجنرالات الإسرائيليين قد دعوا، بعد السابع من أكتوبر، إلى عدم الاعتماد على الاستشعار المخابراتي وحده، وإلى الاستعداد لمواجهة أي هجوم عسكري طارئ حتى لم تتوفر عنه أية معلومات استخباراتية.

وفق ما نشره الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي، كانت هناك ستة عوامل، حددها طاقم التحقيق بأنها «الأسباب المركزية التي تفسّر فشل السابع من أكتوبر»: الأول، فشل إدراكي بين الواقع الاستراتيجي – العملياتي وإدراك الواقع بالنسبة لغزة ولحماس؛ الثاني، فشل مخابراتي في فهم الواقع وفهم التهديد وعدم توفير المعلومة؛ الثالث، عدم التعامل مع خطة «سور أريحا» (وهي خطة لهجوم ممكن لحماس جرى تداولها قبل الحرب)؛ الرابع، ثقافة تنظيمية وعملياتية تتسم بأنماط وبأعراف معطوبة ترسّخت خلال سنوات؛ الخامس، فجوة عميقة ومستمرة، عند جميع مستويات القيادة، بين التهديد المحتمل وتجهيز الرد العملياتي؛ السادس، عملية اتخاذ قرار وتفعيل قوّات سيّئة في ليلة السابع من أكتوبر 2023.
ببساطة أن إسرائيل ستواصل عدوانها بكافة الاتجاهات بحجة منع تطوير قدرات تهدد أمنها.

ولعل من اهم استنتاجات اللجنة أنه تراكمت ليلة السابع من أكتوبر معلومات متنوّعة وكثيرة، ولو جرى تحليلها بشكل مهني لكان من المفروض أن يكون هناك إنذار بعملية كبيرة. لكن اللجنة تجاهلت العامل النفسي في قرار تجاهل المعلومات المخابراتية، وهو أن النخب الإسرائيلية عموما، وبالأخص النخب الأمنية تميل إلى الاستهتار بالعرب وبالفلسطينيين وليس في حسبانها أنه يمكنهم أن يقوموا بمباغتة الجيش الإسرائيلي بعملية كبيرة. لذا فإن العمى العنصري وتبخيس قدرات الآخر هي من أهم أسباب فشل الجيش الإسرائيلي صبيحة السابع من اكتوبر.

إن الهدف الحقيقي للتحقيقات العسكرية كافة هو جعل الجيش الإسرائيلي «أكثر نجاعة» في عملياته العسكرية، التي تشمل التصفية والاغتيال والعقوبات الجماعية والتدمير وحراسة سارقي الأرض وصولا إلى ارتكاب الجريمة الكبرى جريمة الإبادة الجماعية. الغاية هنا هي تنفيذ الجرائم بشكل منظم وناجع وملتزمة بالاستراتيجية العسكرية. وإذ يجري التشديد في تحقيقات وتقارير الجيش الإسرائيلي على المهنية والمصداقية، فهي مهنية فتّاكة ومصداقية تنفيذ الجريمة بالدقة «المطلوبة».

أمّا الخلاف بشأن التحقيقات فهو يحمل في خلفيته سباقا في مباراة كسب رصيد السعي إلى إنجاح العمليات العسكرية وبسط الهيمنة الأمنية وتحقيق الأهداف الاستعمارية الإسرائيلية. والمتنازعون هنا يسعون بالمجمل إلى الأهداف ذاتها ومع الاختلاف حول الأسلوب وحول النفوذ الفردي والمؤسساتي.

التحقيقات الإسرائيلية حول السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحول الحرب عموما سوف تتواصل، وهي توفّر معلومات وتقييمات تصب في «تنجيع» العمل وتغيير القيادة الأمنية المرتبطة بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول من جهة وهي تدفع باتجاه استراتيجيات أمنية أكثر تشدّدا وعدوانية بالأخص في جعل مفهوم «المنع» المبدأ الناظم للأمن الإسرائيلي، وهذا يعني ببساطة أن إسرائيل ستواصل عدوانها بكافة الاتجاهات بحجة منع تطوير قدرات تهدد أمنها.

القدس العربي
التعليقات (0)