كتاب عربي 21

تركيا والعراق.. تعزيز العلاقات عبر بوابة المشاريع المشتركة

إسماعيل ياشا
"تهدف أنقرة إلى دعم بغداد في تطوير البنية التحتية للمياه"- تي آر تي
"تهدف أنقرة إلى دعم بغداد في تطوير البنية التحتية للمياه"- تي آر تي
قام وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، بزيارة رسمية للعاصمة العراقية بغداد، شهدت توقيع "وثيقة آلية تمويل المشاريع بخصوص اتفاقية التعاون الإطارية في مجال المياه" بين تركيا والعراق. ووصفت وسائل الإعلام التركية والعراقية هذه الخطوة بــ"التاريخية" وأنها "تحول إستراتيجي في إدارة ملف المياه". وتعكس الوثيقة رغبة تركيا في دعم العراق في إيجاد حلول لمشاكله، إلى جانب تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

العراق يعاني من الجفاف وشح المياه، ويطالب بزيادة حصته من مياه نهري دجلة والفرات. إلا أن أنقرة ترى أن تركيا هي الأخرى ليست من الدول الغنية بالموارد المائية، وأن الحل طويل الأمد لمشكلة المياه في العراق يكمن في ترشيد استخدام المياه وإصلاح الشبكات والحيلولة دون إهدارها. وبالتالي، تهدف إلى دعم بغداد في تطوير البنية التحتية للمياه من أجل الاستخدام الفعال والمثمر والمستدام لموارد المياه من خلال المشاريع التي ستتولاها الشركات التركية.

تركيا تتعامل مع جميع الأطراف الإثنية والمذهبية في العراق دون تمييز لتقف على مسافة واحدة منها، وتكسب ثقتها. وفي هذا الإطار، استقبل وزير الخارجية التركي رئيسَ هيئة الحشد الشعبي فالح فياض، في أنقرة

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، عيَّن في أيار/ مايو الماضي الوزير السابق ويسال أروغلو ممثلا خاصا لتركيا في العراق. وكان أردوغان عيَّن المهندس أروغلو مديرا عاما لإدارة المياه والصرف الصحي في إسطنبول عام 1994، بعد فوزه برئاسة بلدية إسطنبول التي كانت آنذاك تعاني من أزمة مياه خانقة. وقام أروغلو بحل الأزمة من خلال إنجاز عشرات المشاريع، وتولى بعد ذلك مناصب مدير عام شؤون المياه الحكومية، ووزير البيئة والغابات، ووزير الغابات وشؤون المياه، الأمر الذي أكسبه خبرة وشهرة واسعتين في مجال التنمية الإستراتيجية في قطاع المياه والري. وتأمل أنقرة أن يحل أروغلو مشكلة المياه في العراق بفضل تلك الخبرة.

تركيا تتعامل مع جميع الأطراف الإثنية والمذهبية في العراق دون تمييز لتقف على مسافة واحدة منها، وتكسب ثقتها. وفي هذا الإطار، استقبل وزير الخارجية التركي رئيسَ هيئة الحشد الشعبي فالح فياض، في أنقرة قبل أسبوع من زيارته لبغداد. وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات وسُبل تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات، على رأسها الأمن ومكافحة الإرهاب.

تعزيز التعاون الأمني لمكافحة التنظيمات الإرهابية كان على الطاولة في المباحثات التي أجراها فيدان في بغداد مع المسؤولين العراقيين. وشدد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره العراقي فؤاد حسين، على ضرورة أن تكون عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني كاملة وشاملة في العراق وسوريا، فيما لفت حسين إلى أن قيادة التنظيم الإرهابي الانفصالي أعلنت أنها ستحل التنظيم داخل الأراضي العراقية.

كانت تركيا أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات القادمة من مطار السليمانية الدولي والمتجهة إليه، في نيسان/ أبريل 2023، بسبب سماح السلطات المحلية في السليمانية لحزب العمال الكردستاني بزيادة أنشطته في المدينة ومطارها، إلا أن ذلك الحظر تم رفعه قبل زيارة فيدان لبغداد، كما استأنفت الخطوط الجوية التركية رحلاتها بين السليمانية وتركيا مباشرة بعد الزيارة.

مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" الذي يجري العمل فيه على قدم وساق، يهدف طي صفحة الإرهاب الانفصالي وإنهاء أنشطة حزب العمال الكردستاني في تركيا والعراق وسوريا. كما أن المشاريع المشتركة بين تركيا والعراق، سواء كانت المخطط إنجازها لحل مشكلة المياه أو تلك المتعلقة
عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته الانفصالية لن تكتمل ما لم تشمل العراق وسوريا، وتبدو بغداد مستعدة للتعاون مع أنقرة في هذا الملف
بمشروع طريق التنمية الذي سيربط ميناء الفاو في مدينة البصرة إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، تتطلب استتباب الأمن والاستقرار وإنهاء خطر الإرهاب في المناطق التي سيتم فيها إنجاز تلك المشاريع. ومن المؤكد أن القيادة العراقية تدرك هذه الحقيقة.

عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته الانفصالية لن تكتمل ما لم تشمل العراق وسوريا، وتبدو بغداد مستعدة للتعاون مع أنقرة في هذا الملف. كما أن هناك أنباء تفيد بانسحاب حوالي ألفين من عناصر التنظيم الإرهابي من الأراضي العراقية وانتقالهم إلى شمالي شرق سوريا، أملا في الانضمام إلى الجيش السوري ضمن تفاهمات محتملة بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وتحت عباءة هذه الأخيرة، لتشكيل جيش داخل الجيش. إلا أن تركيا ترى انضمام "قسد" إلى الجيش السوري ككيان عسكري موحد سيعني استمرار الخطر على أمنها القومي.

النفوذ التركي الذي يتوسع في المنطقة، في الوقت الذي يتراجع فيه النفوذ الإيراني، مبني على الشراكة والتعاون والتنسيق ضمن الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بخلاف النفوذ الإيراني المدمر المبني على التبعية والطائفية، ولذلك يرحب به كل من يريد للمنطقة أمنا واستقرارا وتنمية ولشعوبها رخاء ورفاهية. ومع ذلك، هناك قوى إقليمية منزعجة من الدور التركي المتصاعد، بعضها تريد بقاء المنطقة في دوامة التشتت والصراعات الدموية، وأخرى تطمع أن تملأ الفراغ الذي يخلَّفه تراجع النفوذ الإيراني، على الرغم من صغر حجمها وافتقارها لأدواته.

x.com/ismail_yasa
التعليقات (0)

خبر عاجل