تقارير

الجزائر تحتفي بالإبداع والفكر في الطبعة الثامنة والعشرين لصالون الكتاب

تعكس الطبعة الـ28 من صالون الجزائر الدولي للكتاب الرهان الاستراتيجي للجزائر على الثقافة كأداة مواجهة فكرية وسياسية في زمن التحولات الإقليمية والدولية.
تعكس الطبعة الـ28 من صالون الجزائر الدولي للكتاب الرهان الاستراتيجي للجزائر على الثقافة كأداة مواجهة فكرية وسياسية في زمن التحولات الإقليمية والدولية.
انطلقت، صباح أمس الأربعاء، فعاليات الطبعة الثامنة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب (سيلا)، في قصر المعارض بالصنوبر البحري في العاصمة الجزائرية، بإشراف الوزير الأول سيفي غريب، وبحضور أعضاء من الحكومة وشخصيات ثقافية وأكاديمية بارزة، إلى جانب ممثلين عن هيئات ومؤسسات وطنية ودولية.

وجاءت هذه الدورة تحت شعار "الكتاب ملتقى الثقافات"، في إشارة إلى الرغبة في جعل المعرض فضاء للحوار الحضاري وتبادل المعارف في زمن التحولات الرقمية والفكرية الكبرى. وتستمر فعاليات الصالون من 29 أكتوبر / تشرين الأول إلى 8 نوفمبر / تشرين الثاني 2025، بمشاركة 1254 دار نشر من 49 دولة، من بينها 290 دار نشر جزائرية، تعرض مجتمعة أكثر من 240 ألف عنوان تغطي مختلف مجالات المعرفة والبحث الأدبي والعلمي والفكري.

موريتانيا ضيف شرف.. وحضور مغاربي لافت

وتحل الجمهورية الإسلامية الموريتانية ضيف شرف لهذه الدورة، في خطوة تؤكد ـ بحسب المنظمين ـ عمق الروابط الثقافية والتاريخية بين الجزائر وموريتانيا، وتجسد الرغبة في توثيق جسور التعاون الفكري بين بلدان المغرب العربي والساحل الإفريقي.

ويتوقع أن يشارك عدد من المفكرين والكتاب الموريتانيين في لقاءات وندوات فكرية تعالج موضوعات الهوية واللغة والذاكرة المشتركة.

ويضم البرنامج الثقافي للصالون أكثر من 55 فعالية، تشمل محاضرات وندوات وأمسيات شعرية ولقاءات مع الروائيين والنقاد، تناقش قضايا الأدب واللغة وأدب الطفل، إضافة إلى مواضيع راهنة مثل الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي، وتحديات الكتابة في عصر الرقمنة، وتأثير الثورة التقنية على الوعي الثقافي المعاصر.

كما يحتفي المعرض هذا العام بالأديبين الكبيرين رشيد بوجدرة وعبد الحميد بن هدّوقة، تقديرًا لإسهاماتهما في إثراء الأدب الجزائري والعربي. ويشمل البرنامج أيضًا ندوات فكرية حول التحرر ومساندة الشعوب المقاومة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، تأكيدًا على البعد الإنساني والتحرري للثقافة الجزائرية.

الذاكرة الوطنية والهوية الحضارية

ويولي الصالون اهتمامًا بارزًا بـ "الذاكرة والتاريخ الوطني"، من خلال سلسلة ندوات حول جرائم الاستعمار الفرنسي، أبرزها الندوة الخاصة بمجازر 8 مايو / أيار 1945، وأخرى تستعيد الذكرى السبعين لهجومات الشمال القسنطيني في 20 آب / أغسطس 1955.

كما سيتم تنظيم جلسة فكرية مخصصة لـ "الأمير عبد القادر الجزائري"، رمز المقاومة والنهضة، لاستحضار إسهاماته الفكرية والسياسية في بناء الهوية الوطنية.

وفي هذا السياق، سيُعقد على هامش المعرض ملتقى دولي بعنوان "الجزائر في الحضارة"، يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني بفندق الأوراسي، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين من داخل الجزائر وخارجها، لمناقشة مكانة الجزائر في التاريخ الثقافي الإنساني، وإبراز غناها بـ التراث المادي واللامادي، والآثار والنقوش، والموروث الفني والحضاري الذي شكّل ملامح الشخصية الجزائرية عبر العصور.

الكتاب في مواجهة التحولات العالمية

وتأتي هذه الطبعة من صالون الجزائر الدولي للكتاب في لحظة فكرية دقيقة، حيث تتقاطع التحديات الثقافية والرقمية والسياسية في المنطقة العربية، وتواجه صناعة النشر والقراءة تحولات عميقة فرضها الذكاء الاصطناعي وهيمنة المحتوى الرقمي.

ويعكس الشعار "الكتاب ملتقى الثقافات" رغبة في الدفاع عن الكتاب كفضاء للحوار والوعي والنقد، في مواجهة الانغلاق والتطرف وتهميش الفكر في الفضاء العمومي.

ويُنتظر أن تكون الندوات المخصصة للقضية الفلسطينية والذاكرة الاستعمارية من أبرز محاور الصالون، في ظل تأكيد الجزائر على أن الثقافة فعل مقاومة بقدر ما هي فعل إبداع.

فمنذ تأسيس المعرض منتصف التسعينيات، ظل "سيلا" منبرًا للتعبير عن الروح التحررية للثقافة الجزائرية، وعن انتمائها العربي والإفريقي، وهو ما يجعل من هذه الطبعة مناسبة لتجديد الالتزام الثقافي والإنساني تجاه قضايا العدالة والحرية في العالم.

الصالون بين الثقافة والمواجهة الفكرية

تعكس الطبعة الـ28 من صالون الجزائر الدولي للكتاب الرهان الاستراتيجي للجزائر على الثقافة كأداة مواجهة فكرية وسياسية في زمن التحولات الإقليمية والدولية. فبينما يواجه العالم العربي تحديات رقمية وتكنولوجية وسياقات صراع سياسي وأيديولوجي، يحرص المنظمون على إبراز دور الكتاب وفضاءات النقاش كوسيلة لترسيخ الوعي الوطني والانتماء الحضاري.

ويأتي تركيز الصالون على الذاكرة التاريخية والعدالة الاجتماعية ودعم القضايا الإنسانية، مثل فلسطين والصحراء الغربية، ليؤكد أن الثقافة الجزائرية لا تنفصل عن البعد التحرري والمقاوم، وأن الكتاب يبقى منصة للمعرفة والحوار والتضامن، في مواجهة محاولات الطمس والتهميش التي يفرضها العولمة والرقمنة.

كما يعكس حضور موريتانيا كضيف شرف وفتح أبواب الصالون أمام نخبة من الباحثين والكتاب من خارج الجزائر الاهتمام بإعادة بناء جسور التواصل الثقافي الإقليمي والدولي، ما يجعل من "سيلا 2025" أكثر من مجرد معرض للكتاب، بل موقعًا حيويًا للحوار الحضاري والمواجهة الفكرية الرصينة.
التعليقات (0)

خبر عاجل