ملفات وتقارير

جسر إنساني يخترق الزنازين.. حسن عبادي صوت أسرى فلسطين إلى العالم

عبادي بدأ مبادرة لنقل معاناة الأسرى منذ العام 2019- صفحته الرسمية
عبادي بدأ مبادرة لنقل معاناة الأسرى منذ العام 2019- صفحته الرسمية
تُعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، من أكثر الملفات الإنسانية حساسية، وتحمل في طياتها قصصا مأساوية لا تنتهي. وفي خضم هذا الواقع الصعب، برز اسم المحامي حسن عبادي، الذي يسخّر وقته وجهده منذ سنوات في سبيل نقل حكايا الأسرى إلى العالم الخارجي، وإيصال رسائل ذويهم لهم.

في صفحته عبر "فيسبوك"، ينشر عبادي بشكل دوري، قصصا عن الأسرى الذين يزورهم، وجلّهم في سجن الدامون. عبادي المحامي والمثقف الفلسطيني، استطاع منذ العام 2019 أن يزور عددا ضخما من الأسرى، كمبادرة تطوعية شخصية دون أي دعم مؤسسي، يهدف من خلالها إلى نقل صورة مختلفة لا تُروى كثيرا عن واقع سجون الاحتلال، وكسر العزلة التي يفرضها الاحتلال على الأسرى.

يجول عبادي في تفاصيل دقيقة ينقلها من الأهالي إلى الأسرى، والعكس أيضا، يتجاوز فيها الأحاديث القانونية حول قضايا الأسرى، والتصريحات المهنية التقليدية التي تهمه كمحام، ويغوص في حكايا اجتماعية يخطر فيها الأسرى والأسيرات بمستجدات أحبائهم في الخارج (زواج، تخرّج، وفاة، وغيرها).

يقول عبادي: "حين أغادر بوابة السجن أتصل مباشرة بأهالي من التقيت بهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات، وأهتم بإطلاع أهالي من تم قمعها أو عزلها أو التنكيل بها بشكل خاص منعاً للتقوّلات؛
أحاول قدر استطاعتي إيصال صوتهن لكلّ بقاع العالم".

"الجميع مقصّر"
في حديث لـ"عربي21"، قال حسن عبادي إن ما يقوم به ليس بالأمر الصعب على غيره من المحامين، قائلا إن آلاف المحامين في الداخل الفلسطيني المحتل مقصرّون تجاه الأسرى، ونقل معاناتهم، ويطلبون أموالا طائلة لقاء مثل هذه الزيارات التي يقوم بها هو بشكل تطوعي.

وقال عبادي إن الصليب الأحمر، وغيرها من المنظمات الحقوقية تجاهلت زيارة سجون الاحتلال، للوقوف على أوضاع الأسرى بعد السابع من أكتوبر 2023.

عبادي الذي مُنع سابقا من زيارة السجون، لكنه عاد بقرار من المحكمة، أوضح أنه تأثر بالتضييقات على الأسرى بعد الحرب على قطاع غزة، إذ انخفض معدل الزيارات المسموح له القيام بها، لكنه لا يزال يقوم بدوره الإنساني بشكل غير منقطع.

بسيطة وعميقة
تُظهر النصوص التي ينشرها عبادي، اشتياق الأسيرات للحياة البسيطة التي كن يعشنها، إضافة إلى عمق المعاناة اليومية في سجن الدامون.

يوثق عبادي على سبيل المثال، رسائل سلام رزق الله سلمان 20  عاما، (طالبة التسويق الرقمي) التي عبرت عن اشتياقها لوالدها، ومدمنة النسكافيه التي حُرمت منها منذ اعتقالها قبل شهور، وعبارتها الحزينة والمُحملة بالمسؤولية لذويها: "آسفه إنّي انحبست، بس هاي تربايتكم"، علما أنها.

كما ينقل رسائل فاطمة حسن سلمان الجسراوي (المحامية) التي تذرف دموع الفرح لسفر إخوتها وتوظف أختها بعد طول انتظار، قبل أن يعود ليعكر صفوها بخبر إغلاق شركة ابنها.

ووصف المسرحي الفلسطيني نضال الخطيب، مدير مسرح "الطنطورة"، ما يقوم به عبادي بعبارة لافتة، قائلا " حرر الأسرى قبل تحريرهم بسنوات،   فهو المسؤول عن حريتهم الأهم، روحهم النقية ومشاعرهم ونبل عواطفهم وصدق ضمائرهم ونور قلوبهم".

أحوال مأساوية
ويوثق عبادي ظروفاً "مبكية ومضحكة" كالتعامل مع مصادرة ساعة يد، أو "قمعة وعزل الأظافر"، والعيش في غرف "مخنوقة" حيث "العدد الصباحي والفورة الأولى ع الخمسة والحمّام بميّة باردة".

وتُبرز شهادات الأسيرات مثل ميسون محمود مشارقة (أم لسبعة أولاد) معاناتهن من الحساسية والحبوب، ونقص المستلزمات الأساسية، وحيلة "صناعة الدامون الوطنيّة" بـ "تنّورة اليانس-شرشف للبنات السابقات"، كدليل على الإبداع في مواجهة الحرمان.

وعلى الرغم من كل شيء، تُجمع الشهادات على أن "المعنويات عالية". يوثق عبادي إصرارهم على النضال المعنوي، حتى عندما يهمس السجان لهم بأنهم "منسيّات ومش سائلين عنّا".


لقاء مع القيادات
بالتوازي، يعمل عبادي أيضا على نقل رسائل كبار القيادات في سجون الاحتلال، فقد زار الأسير عباس السيد في سجن مجدّو قبل أيام، وهو المحكوم بعدة مؤبدات، والمسجون منذ عام 2002.

وكتب عبادي كيف شرح لعباس السيد تفاصيل دقيقة عن حفل زفاف نجله، وهو العرس الذي كان السيد يمنّي النفس بحضوره، قبل إصرار الاحتلال على عدم شمله في صفقة التبادل.

وأوصل عبادي للسيد أخبار البناء والتجديد للمنزل، في مقابل خبر حزين عن قطع راتبه وإغلاق شركة ابنه، ليعقب السيّد قائلاً: "الحقيقة المرّة خير ألف مرّة من الوهم المُريح".

ووصف عباس السيد بحسب عبادي وضعه ومن معه بأنه أشبه بـ "أهل الكهف"، حيث التنكيل والتجويع والعزل التام، ومع ذلك، تبقى المعنويات "تناطح السحاب"، وهو أمل في ترويحة قريبة.


إصدارات أدبية

قام عبادي بتأليف كتاب "زهرات في قلب الجحيم"، حيث يركّز المحامي الفلسطيني بشكل كبير على الأسيرات في سجون الاحتلال، وينقل نبضهن إلى العالم الخارجي.

إضافة إلى كتابه "زهرات في قلب الجحيم"، عمل حسن عبادي على تحويل زياراته إلى سجون الاحتلال لـ"أدب سجون" سيبقى محفوظا في الثقافة الفلسطينية.

وأصدر أيضا كتاب "احتمالات بيضاء-قراءات في أدب الحرية الفلسطيني". وهو الكتاب الذي قال عنه الناقد الأردني محمد الصمادي في تصريحات سابقة إن قوته تكمن في قدرته على "الانتقال من الوثيقة إلى النظرية، وتحويل معاناة الأسرى إلى رؤية فلسفية عن الحرية والمقاومة والخلود".

ومن إصدارات عبادي أيضا كتاب "الكتابة على ضوء شمعة"، الذي أعدّه بالشراكة مع الكاتب فراس حج محمد، وهو تجربة فريدة في توثيق أدب الأسرى الفلسطينيين من داخل الزنازين. فالعمل لا يكتفي بجمع النصوص، بل يرصد حالة التجلي التي يولد فيها الإبداع من رحم القيد، حيث تتحول الكتابة إلى فعل مقاومة يتحدى المكان والزمان.

"يوميات الزيارة والمزور"، هي عنوان كتاب آخر أصدره حسن عبادي، وكان مخصصا للزيارات التي قام بها المحامي الحيفاوي للأسرى الكتّاب أيضا. ووصف فراس حج محمد "يوميات الزيارة والمزور" بأنه كان مصدر إلهام لعديد من الأسرى الذين بدأوا بكتابة مذكرّاتهم، وقصصهم في السجون، بعد قراءته.


Image1_10202527141647393930710.jpg
Image2_10202527141647393930710.jpg
Image3_10202527141647393930710.jpg

التعليقات (0)