أعلن الاتحاد الأوروبي، الاثنين، إعادة فرض سلسلة جديدة من العقوبات على
إيران مرتبطة بأنشطتها
النووية، وذلك بعد يوم واحد فقط من دخول العقوبات الأممية حيز التنفيذ على طهران.
وشملت الإجراءات الأوروبية حظرا على صادرات السلاح والمواد المستخدمة في تخصيب اليورانيوم والصواريخ الباليستية، إضافة إلى حظر مالي وتجاري يمتد إلى النفط والغاز والمنتجات البتروكيميائية.
كما نصت العقوبات على تجميد أصول شخصيات وكيانات إيرانية، وإعادة تجميد أصول البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك الكبرى، فضلا عن منع طائرات الشحن الإيرانية من الهبوط في مطارات الاتحاد.
وجاء هذا التطور بعد أن لجأت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي تشكل الترويكا الأوروبية، إلى "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى.
ودخلت العقوبات الأممية حيز التنفيذ فجر الأحد، بعد فشل المفاوضات بين الترويكا الأوروبية وطهران، وفشل محاولات
روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي لتمديد رفع العقوبات لمدة ستة أشهر إضافية.
وأعادت الأمم المتحدة فرض حظر على الأسلحة وعقوبات أخرى على إيران بسبب برنامجها النووي، بعد أن أطلقت القوى الأوروبية عملية داخل مجلس الأمن حذرت طهران من رد قوي عليها.
وأعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أو ما يعرف بالترويكا الأوروبية، إعادة فرض العقوبات على إيران داخل مجلس الأمن الدولي، استنادا إلى اتهامات بانتهاكها الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي كان يهدف إلى منع طهران من تطوير سلاح نووي، فيما تنفي إيران باستمرار أن تكون لديها نية لإنتاج قنبلة نووية.
ومن المرجح أن يؤدي انتهاء الاتفاق النووي، الذي وقعته إيران مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين، إلى تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط، خصوصا بعد أشهر قليلة من قصف إسرائيل والولايات المتحدة مواقع نووية إيرانية.
ودخل قرار إعادة فرض العقوبات الأممية، التي كانت قد تبناها مجلس الأمن في سلسلة قرارات بين عامي 2006 و2010، حيز التنفيذ عند الساعة الثامنة مساء بتوقيت نيويورك يوم السبت، فيما فشلت محاولات تأجيل عودة هذه العقوبات خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي.
وبموجب هذه العقوبات، تخضع إيران مجددا لحظر على الأسلحة، وعلى أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، إضافة إلى أي نشاط يتصل بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية.
وتشمل أيضا حظر سفر على عشرات الإيرانيين، وتجميد أصول العديد من الأفراد والكيانات، فضلا عن حظر توريد أي مكونات أو تقنيات يمكن استخدامها في البرنامج النووي. كما تمنح العقوبات الأممية الحق لجميع الدول في مصادرة أي مواد محظورة بموجب قرارات مجلس الأمن والتخلص منها، وتمنع إيران من الحصول على حصص في أنشطة تجارية في الخارج متصلة بتعدين اليورانيوم أو إنتاجه أو استخدام التكنولوجيا النووية.
فشل الوساطات
شهدت الجهود الدبلوماسية التي قادتها الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) محاولات حثيثة لتهدئة الأزمة مع إيران وإحياء المسار التفاوضي بشأن الاتفاق النووي، إلا أن المحادثات الأخيرة لم تُفضِ إلى اتفاق يضمن تأجيل إعادة فرض العقوبات الدولية.
ومع تعثر هذه المفاوضات، بقي الباب مفتوحًا أمام تفعيل آلية "السناب باك" التي تقضي بإعادة العقوبات الأممية على طهران، وهو ما أقدمت عليه القوى الأوروبية بعد فشل التوصل إلى تسوية.
من جهة أخرى، رفضت طهران عرضًا وسطيًا حمله وزير خارجية سلطنة عُمان نيابةً عن الولايات المتحدة، يتضمن عناصر مقترحة لإعادة إحياء الاتفاق النووي. واعتبرت إيران أن العرض لا يعالج القضايا الجوهرية المرتبطة بتخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات، ويُبقي على الشروط الأميركية دون تغيير، ما دفعها إلى اعتباره "غير مقبول" ورفضه بشكل رسمي.
الرد الإيراني
من جانبها، قررت طهران وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 21 أيلول/سبتمبر 2025، بعد اجتماع لمجلس الأمن الدولي ناقش مشروع قرار حول إعادة فرض العقوبات عليها، بحسب ما أوردت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
وجاء القرار بعد إعلان الحكومات الأوروبية يوم الجمعة أن إيران لم تلتزم ببنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وأكدت طهران أنها سترد بقوة، لكن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال إن بلاده لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية السبت استدعاء سفرائها لدى بريطانيا وفرنسا وألمانيا للتشاور.
في المقابل، أعربت روسيا عن رفضها إعادة فرض العقوبات الأممية.
واتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دول الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة بمحاولة "ابتزاز" بلاده عبر إثارة المخاوف. وقال في تصريح للتلفزيون الإيراني إن بلاده اتخذت خلال الأسبوع الماضي إجراءات دبلوماسية مكثفة لمنع تفعيل "آلية الزناد".
وأضاف عراقجي أن هناك تحديا قانونيا داخل مجلس الأمن، مشيرا إلى أن روسيا والصين تعتبران أن إعادة تفعيل العقوبات لم يتم بطريقة قانونية. وأوضح أن القرار 2231 ينتهي في 18 الشهر المقبل، وأن العقوبات ستنتهي معه، مؤكدا أن إيران ستخوض "نضالا قانونيا" في مجلس الأمن، وأنها تسعى أيضا إلى التوصل لاتفاق سياسي "عادل ومتوازن".
كما شدد عراقجي على سلمية برنامج بلاده النووي، مبديا استعداد إيران لبناء الثقة مع الأطراف الأخرى شريطة أن يتم الاعتراف بحقها "المشروع في تخصيب اليورانيوم".
المنظور الإسرائيلي
ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية أن القيادة الإيرانية تنظر إلى الوضع الراهن باعتباره "انتصارا"، خصوصا بعد إعادة فرض العقوبات الأوروبية والأممية، ورغم الجمود الذي أصاب الاتفاق النووي. وأشارت الصحيفة إلى أن إيران لا تبدو خائفة من اندلاع حرب جديدة، معتبرة أنها قادرة على تحقيق إنجازات عجزت عن تحقيقها في مواجهات سابقة.
وأضافت الصحيفة أن القيادة الإيرانية تدرك أن احتمالات التصعيد تتزايد، خاصة مع التهديدات الإسرائيلية باستئناف العمليات العسكرية إذا أعادت إيران بناء قدراتها النووية.
ولفتت إلى أن طهران تنظر إلى الموقف الغربي باعتباره مطلبا بالاستسلام، وأنها تحاول الاستفادة من تجاربها السابقة عبر التركيز على تطوير منظوماتها الصاروخية. وأكدت أن تقارير يومية ترد حول تجارب صاروخية وتصريحات لمسؤولين إيرانيين كبار بشأن تعزيز هذا القطاع.
الموقف الروسي والصيني
رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار تقدمت به روسيا والصين لتأجيل إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران لمدة ستة أشهر، بعدما فشل في الحصول على الأصوات اللازمة لاعتماده. وصوت لصالح المشروع أربعة أعضاء، بينما عارضه تسعة وامتنع عضوان عن التصويت.
وحذر نائب المندوب الروسي في مجلس الأمن من أن إعادة فرض العقوبات قد تؤدي إلى "عواقب وخيمة" وتفاقم التوتر في منطقة الشرق الأوسط. واعتبر أن التصويت كان "الفرصة الأخيرة" أمام الترويكا الأوروبية للتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف.
واتهم القوى الأوروبية بممارسة ضغوط على طهران استنادا إلى ما وصفها بأنها "أكاذيب"، مؤكدا أن إيران قدمت تنازلات كثيرة دون أن تتلقى أي مقابل من الغرب.
أما ممثل الصين فأكد أن إيران بعثت "إشارات إيجابية عديدة"، مشيرا إلى أن تأجيل العقوبات كان سيبقي الباب مفتوحا أمام الحلول الدبلوماسية.
وفي سياق متصل، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، قوله إن بلاده وقعت في موسكو اتفاقيات مع روسيا لبناء وحدات جديدة للطاقة النووية. وأوضح أن الاتفاقيات تشمل خطة لإنشاء ثماني محطات نووية بهدف رفع القدرة الإنتاجية إلى 20 جيجاوات بحلول عام 2040، مشيرا إلى أن المفاوضات دخلت مرحلة العقود التنفيذية، وأن "الخطوات التشغيلية ستبدأ بعد توقيع الاتفاقية هذا الأسبوع".
بوادر استئناف العقوبات
أعلنت الحكومة اليابانية استئناف العقوبات الاقتصادية على إيران تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي، لكنها شددت على أهمية مواصلة المسار الدبلوماسي. وأفادت وسائل إعلام يابانية بأن طوكيو قررت تجميد أصول 78 منظمة و43 فردا إيرانيا.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، يوشيماسا هاياشي، في مؤتمر صحفي: "القضية الآن في مفترق طرق"، مؤكدا أن بلاده ما زالت تؤمن بأهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة.
وأضاف: "يجب ألا نضيّع فرص الحوار"، مشددا على أن موقف اليابان لم يتغير، وأنها ستواصل العمل الدبلوماسي بالتوازي مع الالتزام بقرار مجلس الأمن.
اظهار أخبار متعلقة
سيناريوهات مواجهة محتملة
من جانبه، قال الباحث والمحلل لقاء مكي، عبر حسابه على منصة إكس، إن قرار الحرب على إيران اتُخذ بالفعل، وأنه ليس قرارا إسرائيليا فقط بل تشارك فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول غربية عديدة.
ورأى أن منح الدبلوماسية فرصة وتأجيل العقوبات لعدة أشهر كان منطقياً وعادلاً، لكنه اعتبر أن الهدف الحالي دفع إيران إلى ردود فعل قوية تُوفّر ذريعة للحرب، مؤكداً أن المشروع النووي سيُستغل كذريعة فقط، بينما الهدف الحقيقي هو تغيير النظام.
وأوضح أن المواجهة لن تتضمن غزوا بريا بالمعنى التقليدي، بل ستشهد قصفاً تدميرياً وتنظيماً لفوضى داخلية، مشدداً على أن إيران ليست الهدف الوحيد بل أن المواجهة تستهدف أيضاً روسيا ونفوذ الصين، لأن انهيار النظام الإيراني سيضر بمصالح هذين البلدين ويخلق مشكلات خاصة لروسيا في جنوب القوقاز.
كما رأى أن الفوضى في إيران قد تؤثر على باكستان وتركيا والعراق، وأن هذه التأثيرات الجانبية قد تُعتبر مقبولة وربما مرغوبة لدى إسرائيل والغرب.
وحذر من أن لهذه الحرب بعداً عالمياً يتجاوز المنطقة، وقد تشكل نواة لصراع عالمي، لكنه أوضح أن تحقيق أهدافها غير مضمون، ليس فقط لامتلاك إيران وسائل قوة، بل لأن تدخّل أطراف عديدة قد يجعل الموقف خارج السيطرة.