ملفات وتقارير

اعتراف بريطانيا بفلسطين ودور القضاء.. هل تتحقق تعويضات تاريخية؟

المطالب الفلسطينية تسند إلى المسؤولية المباشرة للانتداب البريطاني عن ضياع حقوقهم- جيتي
المطالب الفلسطينية تسند إلى المسؤولية المباشرة للانتداب البريطاني عن ضياع حقوقهم- جيتي
أثار الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين، الذي أُعلن رسميًا الأحد، موجة من الجدل الواسع حول ما إذا كانت هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مطالبات فلسطينية بتعويضات مالية ضخمة من لندن استنادا إلى مسؤولية بريطانيا التاريخية عن الأوضاع التي أدت إلى فقدان الفلسطينيين أراضيهم.

وانتشرت خلال الأيام الأخيرة عبر وسائل إعلام غربية ومنصات التواصل روايات وأرقام فلكية تتحدث عن إمكانية إلزام بريطانيا بدفع مليارات الجنيهات، وتناولت بعض وسائل الإعلام والتقارير حديثًا عن احتمال تقديم السلطة الفلسطينية لمطالبات مالية تاريخية نتيجة فترة الانتداب البريطاني على فلسطين بين عامي 1917 و1948، وما ترتب عليها من آثار على الأراضي الفلسطينية.

اعتراف مشروط
جاء الاعتراف البريطاني في سياق أوسع من الضغوط الدولية لإحياء أفق حل الدولتين، فقد أعلنت الحكومة البريطانية أن قرارها يهدف إلى "حماية فرص السلام" ومنع ضياع الحل السياسي تحت ضغط الاستيطان والتصعيد العسكري.

وأوضحت في بيانها أن الاعتراف لا يعني منح الشرعية لحركة حماس، التي لا تزال مصنفة "منظمة إرهابية" في المملكة المتحدة، بل هو خطوة لدعم السلطة الفلسطينية وتعزيز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية.


اظهار أخبار متعلقة


وربطت الحكومة البريطانية تنفيذ الاعتراف بشروط محددة، بينها وقف الحرب في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، والتزام "إسرائيل" بعدم ضم مزيد من الأراضي في الضفة الغربية، ورغم ذلك، قررت لندن المضي في الخطوة باعتبارها "مسؤولية سياسية وأخلاقية"، لتنضم إلى أكثر من 150 دولة تعترف بدولة فلسطين.

وقوبل القرار بترحيب فلسطيني واسع واعتبر "انتصارا سياسيا وتاريخيا"، فيما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "مكافأة للإرهاب"، أما داخل بريطانيا، فقد رأى مؤيدو القرار فيه تصحيحا لمسار تاريخي، وحذر ومعارضون من تبعات سياسية وقانونية محتملة، بما فيها الجدل المتعلق بملف التعويضات.

تحذيرات بريطانية
وكانت تقارير تقارير بريطانية قد حذرت من أن قرار حكومة كير ستارمر الاعتراف بدولة فلسطين قد يترتب عليه تبعات مالية ضخمة، قد تصل إلى مطالبات بتعويضات تتجاوز 2 تريليون جنيه إسترليني، وهو ما يعادل تقريبًا حجم الاقتصاد البريطاني بأكمله.

وبحسب ما نقلته صحيفة ديلي ميل عن خبراء قانون دولي، فإن السلطة الفلسطينية قد تستند إلى حقها في المطالبة بـ"تعويضات تاريخية" عن الأراضي التي فقدت خلال فترة الانتداب البريطاني فيما لوح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في أكثر من مناسبة بإماكنية اللجوء إلى المحاكم الدولية لمطالبة بريطانيا بـ"إصلاح الضرر" وفق قواعد القانون الدولي.


لماذا التعويضات؟
وتستند المطالب الفلسطينية إلى المسؤولية المباشرة للانتداب البريطاني (1917–1948) عن ضياع حقوقهم الوطنية. ففي عام 1917، أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور ما عُرف بـ"وعد بلفور"، الذي تعهد فيه بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، في خطوة تعتبر أنها مفتاح الكارثة التاريخية التي لحقت بالفلسطينيين.

وخلال فترة الانتداب، سمحت بريطانيا بموجات متزايدة من الهجرة اليهودية، وقدمت التسهيلات السياسية والعسكرية للحركة الصهيونية، وفي المقابل قمعت الثورات الفلسطينية ضد هذه السياسات، وعندما أنهت وجودها في فلسطين عام 1948، انسحبت دون وضع أي ضمانات لقيام دولة فلسطينية، وهو ما مهد الطريق لقيام "إسرائيل" ووقوع النكبة التي شُرد خلالها مئات الآلاف من الفلسطينيين.


انطلاقاً من ذلك، يعتبر الفلسطينيون أن بريطانيا تتحمل تبعات قانونية وأخلاقية عما جرى، ويطالبون بـ"تعويضات في إطار القانون الدولي" عن الأراضي والثروات التي فقدوها.

حق الفلسطينيين في التعويض
وقال أستاذ العلوم السياسية والقانونية الدكتور صلاح عبد العاطي: إن بريطانيا تتحمل المسؤولية الكاملة عن وعد بلفور وفترة الانتداب الممتدة من 1917 حتى 1948، موضحًا أن هذه الحقبة شهدت تسهيل إقامة "وطن قومي لليهود" على حساب الفلسطينيين، بالإضافة إلى مصادرة أموال فلسطينية تُقدر حينها بحوالي 750 مليون جنيه فلسطيني، وهو ما يعادل اليوم أرقامًا ضخمة حاليا وفق تقديرات مختلفة.

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف عبد العاطي في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن الفلسطينيين لهم الحق القانوني في التوجه إلى المحاكم البريطانية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار والانتهاكات التي لحقت بهم، مؤكدًا أن في حال عدم تحقيق ذلك، يمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أو الاحتكام إلى آليات الأمم المتحدة لضمان الحصول على تعويض عادل.

دور الحكومة الفلسطينية
وأشار إلى أن الحكومة الفلسطينية يجب أن تتحرك رسميًا لمتابعة هذه الدعاوى أمام المحاكم البريطانية، وضمان حماية الحقوق القانونية للفلسطينيين، مؤكدًا أهمية التنسيق مع المؤسسات الدولية لتعزيز فرص الحصول على التعويض.

وأوضح أن الهدف من هذه التحركات لا يقتصر على التعويض المالي فقط، بل يسعى أيضا لتوثيق المسؤولية التاريخية البريطانية، وإبراز الحق الفلسطيني على المستوى الدولي، واستخدام هذه الملفات كأداة ضغط سياسية وقانونية في الوقت ذاته.

مسؤولية قانونية
من جانبها، قالت مدير الدائرة القانونية في الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، رنا هديب، إن بريطانيا كانت الدولة المنتدبة على فلسطين، وأصدرت وعد بلفور ووفرت الغطاء السياسي والقانوني للمشروع الصهيوني، مضيفة أن مبدأ المسؤولية الدولية يفتح الباب أمام مطالبة أي دولة متضررة بتعويضات إذا ثبت انتهاك دولة أخرى للقانون الدولي.


اظهار أخبار متعلقة


أوضحت هديب في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن تحويل هذه النظرية إلى مطالبة عملية يتطلب قرارًا قضائيًا من محكمة مختصة، مثل محكمة العدل الدولية أو محاكم بريطانية، مؤكدة أن الحصول على حكم في بريطانيا صعب جدًا وأن التعويضات لن تكون فورية أو تلقائية، لأنها تتطلب إثبات العلاقة السببية بين الفعل البريطاني والضرر الحالي.

ولفتت هديب إلى أن المسألة قانونيًا ممكنة، لكنها تواجه تحديات سياسية كبيرة، مشيرة إلى أن أي اعتراف رسمي بمسؤولية بريطانيا قد يفتح الباب لدعاوى أخرى، كما أن المحاكم الدولية تعتمد على قبول الدول للاختصاص، ما يقلل فرص نجاح المطالبات.

أداة ضغط إعلامية
أكدت هديب أن المطالبات بالتعويضات يمكن استخدامها كأداة ضغط سياسي وإعلامي، حيث يمكن إعداد ملفات قانونية وتجريبية حتى لو كانت فرص النجاح ضئيلة، بهدف خلق نقاش عام وكشف الدور التاريخي لبريطانيا، والاستعانة بآليات الأمم المتحدة لتوثيق المسؤولية.

وأوضحت هديب أن أي تحرك فعال يحتاج إلى تنسيق بين القيادة الفلسطينية، الممثلة رسميًا برفع أي دعاوى، والمجتمع المدني الحقوقي والإعلامي، مع تحالفات مع منظمات حقوقية بريطانية وأوروبية، لتحويل المطالبات إلى قضية رأي عام وضغط سياسي.

ختمت هديب بالقول إن المطالبات بالتعويضات لها أساس نظري، لكنها غير عملية على المدى القريب، وتظل أقرب إلى حملة ضغط سياسي وأخلاقي لإبراز المسؤولية التاريخية البريطانية، أكثر من كونها وسيلة للحصول على تعويض مالي مباشر.
التعليقات (0)