سياسة عربية

ما وراء رفض السيسي التصديق على "الإجراءات الجنائية" وإعادته للنواب؟

انتقادات حقوقية واسعة لبنود مشروع القانون- أ ف ب أرشيفية
انتقادات حقوقية واسعة لبنود مشروع القانون- أ ف ب أرشيفية
بعد جدل قانوني دام نحو 55 شهرا، رفض رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الأحد، التصديق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد المثير للجدل، وإعادته مرة أخرى لمجلس النواب لإجراء بعض التعديلات عليه؛ في قرار اعتبره خبراء بالقانون "مفاجأة من العيار الثقيل"، تبعه قرار آخر بإخلاء سبيل الناشط علاء عبدالفتاح.

في العام 2022، طالبت حكومة مصطفى مدبولي، مجلس النواب، (الغرفة التشريعية الأولى) بإجراء تعديل على (365 مادة) من أصل (461 مادة) بقانون الإجراءات الجنائية، ليقرر البرلمان في كانون الأول/ ديسمبر 2022، إعداد مشروع قانون جديد، بدأ مناقشته في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وأقر مواده بشكل مبدأي في شباط/ فبراير الماضي، وبشكل نهائي في نيسان/ أبريل الماضي.

مواد القانون البالغة (540 مادة)، أخذت مساحة واسعة من الجدل وانتقادات معارضين، وحقوقيين، ونقابتي المحامين، والصحفيين، وحتى نادي القضاة، لما تمنحه للسلطات الأمنية والنيابية والقضائية من صلاحيات وسلطات وإجراءات تعسفية، بحق المتهمين والمعارضين والمحامين والصحفيين، وُصفت بأنها غير قانونية وتتعارض بعضها مع الدستور وقواعد حقوق الإنسان.

لهذا أحدث ضجيجا

يلغي القانون بند الحد الأقصى للحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين، والمحدد بعامين في القانون الحالي، بل ويتيح استمرار تمديد الإجراء غير القانوني الذي يعاني معه آلاف المصريين، في بلد تحتجز سلطاته أكثر من 60 ألف معتقل سياسي منذ العام 2013.

اظهار أخبار متعلقة



كذلك تمنح المادة (79)، السلطات حق مراقبة الاتصالات وأجهزة الهاتف والحسابات الشخصية ومنصات التواصل الاجتماعي وتسجيل المحادثات، ومصادرة الهواتف والأجهزة المحمولة، ما يرى فيه معارضون انتهاكا للخصوصية، ويتعارض مع الدستور.

حقوقيون، يرون أن القانون يزيد صلاحيات النيابة، باحتجاز المتهمين لفترات قبل المحاكمة، مما يؤدي إلى اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وحبس احتياطي، وسوء استخدام السلطات الأمنية والنيابة تلك الصلاحيات، في توقيف الأشخاص واستجوابهم.

يقلص النص الجديد أيضا، دور المحامي في التحقيق، ويقيد حق المتهم والمحامي في الاطلاع الكامل على ملف القضية، بل يسمح للنيابة منع كشف بعض الأدلة، كما وضع القانون المحامي (أحد جناحي العدالة) تحت المحاكمة الجنائية.

ويهدر القانون، وفق صحفيين، حقوق الصحافة المصرية في ممارسة دورها الرقابي على أجهزة الدولة والكشف عن الفساد.

ورغم الاعتراضات على القانون ومناقشة مواده بلجان "الحوار الوطني"، وعرضه خلال "الاستعراض الدوري الرابع" لمصر بـ"مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة في جنيف 28 كانون الثاني/ يناير الماضي؛ أقره مجلس النواب في 29 نيسان/ أبريل الماضي، بأغلبية ساحقة، دون الأخذ بأية ملاحظات أو مطالب بتعديل.

لتعلن رئاسة الجمهورية في بيان رسمي الأحد، وبعد شهر من استلام نص مشروع القانون من البرلمان 26 آب/ أغسطس الماضي، رده لمجلس النواب لبحث الاعتراضات في سابقة قد تكون الأولى خلال حكم السيسي، وفي 10 سنوات من عمر برلماني 2015 و2020.

وتمنح (المادة 123)، من الدستور رئيس الجمهورية حق الاعتراض على القوانين خلال 30 يوما من تاريخ إحالتها من مجلس النواب.

بيان الرئاسة، لفت إلى أن "المواد المعترض عليها تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق".


مطالبة بمراجعات أخرى وإسقاط النواب

وبينما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها السيسي، علنا مجلس النواب بتعديل بعض مواد بمشروعات قوانين، طالب مراقبون بإعادة قوانين أخرى مثيرة للجدل إلى البرلمان وبينها "قانون الإيجار"، الذي تدخل السيسي في تعديل مدة تنفيذه في تموز/ يوليو الماضي، بمد الفترة الانتقالية للوحدات السكنية من 5 إلى 7 سنوات.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجه سياسيون ومحامون وصحفيون انتقادات حادة لأعضاء البرلمان ولمروجي قانون الإجراءات الجنائية والمدافعين عن ما يصدر عن الحكومة والبرلمان، خاصة وأن مجلس النواب وفي أول رد فعل منه لم يدافع عن وجهة نظره في إقرار القانون، وأشاد بقرار السيسي، رد القانون لتعديله.

رئيس حزب "الخضر" المصري محمد عوض، أكد أن رفض رأس السلطة لمشروع القانون يعني أن البرلمان مرر مشروع قانون يضر بالمواطن، ملمحا إلى أنه قرار يأتي قبيل انتخابات الرئاسة، معتقدا أنه "توجيه رئاسي للشعب بإسقاط كل أعضاء البرلمان الحالي".


هل هناك ما بعد خطوة عبدالفتاح؟

والاثنين، فجر السيسي، مفاجأة حقوقية ثانية، بالعفو عن الناشط المعارض علاء عبدالفتاح، بعد مطالبات حقوقية ومن أسرته ومن بريطانيا التي يحمل جنسيتها، وذلك في قرار تضمن إلى جانبه 6 أشخاص آخرين، وفق المحامي خالد المصري.


عبدالفتاح، اعتقل 3 مرات منذ 2011، وحكم بالسجن 5 سنوات بقضية "أحداث مجلس الشورى 2013"، وبـ5 سنوات ثانية عام 2021 في "نشر أخبار كاذبة"، ورفضت السلطات إخلاء سبيله في أيلول/ سبتمبر 2024، ما دفع والدته ليلى سويف، للإضراب عن الطعام، والاعتصام أمام وزارة الخارجية البريطانية التي طالبت بإطلاق سراحه.

إجراءات منقوصة

وفي قراءته لقراري السيسي، وهل هي إجراءات مرحلية في ظل ظروف حرب غزة وأزمات الاقتصاد المصري، أم سلوك قادم محتمل وتغيير وارد، قال الحقوقي المصري خلف بيومي: "كل الاحتمالات واردة بشأن موقف النظام المصري".

مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، أضاف لـ"عربي21": "لكن يبقى أن تلك القرارات جاءت متأخرة جدا؛ نظرا لحالة الظلم التي تعرض لها علاء عبدالفتاح بعدم الإفراج عنه أو بسبب التعسف غير الطبيعي من السلطة التشريعية في إصدار قانون الإجراءات الجنائية".

ولفت إلى أن ذلك القانون "صاحب إصداره رفض مؤسسات حقوقية ونقابات مهنية خاصة الصحفيين والمحامين؛ وقد بدأ واضحا في القانون إعطاء صلاحيات واسعة لسلطة الضبط القضائي وجهات التحقيق تخصم من أمان المواطن وحقوقه".

اظهار أخبار متعلقة



وأكد أنه "لا زالت هناك إجراءات أكثر تعسفا تحتاج لمراجعة؛ أهمها نظر إجراءات التقاضي في غياب المحامين بعد إدخال (تقنية الفيديو)، ولكن هناك أيضا قانون آخر أثار جدلا واسعا وهو قانون الإيجار، وتمنى الكثير عدم التصديق عليه، وقد نشهد أيضا إعادته مرة أخرى".

بيومي، توقع أن "تكون تلك القرارات لتجميل وجه النظام، وكسبا لرضى بعض فئات الشعب؛ ولكنها تبقى إجراءات منقوصة في ظل غلق المناخ السياسي في مصر، والزج بأكثر من 60 ألف معتقل خلف الأسوار بينهم ما يزيد عن 400 سيدة، فضلا عن المرضى وكبار السن".

تفاؤل في غير موقعه

وعبَّر مراقبون، عن أمنيتهم أن يكون قرار تعديل القانون وإخلاء سبيل علاء عبدالفتاح، مؤشرا على تغيير في توجه السيسي، بملف الحريات، ورغبة في تغيير حقيقي واستجابة لمطالبات شعبية، وألا يكون مجرد مداعبة للشارع المصري الغاضب في توقيت تشتعل فيه الأزمات الاقتصادية وعلى حدود مصر الشرقية.


وإزاء حالة التفاؤل بخطوة إخلاء سبيل علاء عبدالفتاح، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية، أكد الحقوقي هيثم أبوخليل، أنها ليست "خطوات لتقوية الجبهة الداخلية في ظل التوترات المزعومة مع إسرائيل"، لافتا إلى استمرار السلطات المصرية في نهج التنكيل بالمصريين والمعارضين.

وأشار إلى الإعلان الاثنين، عن محاكمة ثانية للسياسي المعتقل رئيس حزب "مصر القوية" عبدالمنعم أبوالفتوح، ومحاكمة ثالثة لنائب رئيس الحزب محمد القصاص، "في قضايا جديدة تم تجهيزها لهم أثناء فترة حبسهم الانفرادي"، وفق تأكيده.

التعليقات (0)