طب وصحة

الأرق المزمن.. خطر متزايد على الدماغ يؤدي إلى الخرف

النوم الجيد وقاية للدماغ من الإصابة بالخرف- عربي21
النوم الجيد وقاية للدماغ من الإصابة بالخرف- عربي21
ذكر موقع "كونفيرزيشن" في مقال أن المحاضر في المعلوماتية الحيوية بجامعة أنغليا روسكين، تيموثي هيرن، موضحا أن التحديق في السقف عند الساعة الثالثة صباحاً لا يستنزف الطاقة لليوم التالي فقط، بل يرتبط أيضاً بمخاطر صحية خطيرة. وأشار إلى أن دراسة أمريكية واسعة وطويلة الأمد أجريت على كبار السن كشفت عن صلة بين الأرق المزمن والتغيرات الدماغية التي قد تمهّد للإصابة بالخرف.

تابع الباحثون، في عيادة مايو كلينك في الولايات المتحدة، 2750 شخصا تبلغ أعمارهم 50 عاما فأكثر لمدة خمس سنوات ونصف في المتوسط.

وأجرى المتطوعون سنويا اختبارات ذاكرة مفصلة، وخضع العديد منهم أيضا لفحوصات دماغية لقياس علامتين دالتين على وجود مشاكل إدراكية مستقبلية: تراكم لويحات الأميلويد، وبقع صغيرة من التلف في المادة البيضاء في الدماغ - تُعرف باسم فرط كثافة المادة البيضاء.

وصنِف المشاركون على أنهم يعانون من الأرق المزمن إذا احتوت سجلاتهم الطبية على تشخيصين للأرق على الأقل بفارق شهر - وهو تعريف شمل 16 بالمئة من العينة.

وأظهرت نتائج الدراسة أن المصابين بالأرق المزمن، مقارنةً بمن ينامون نوماً عميقاً، واجهوا تدهوراً أسرع في الذاكرة والتفكير، كما زادت احتمالية إصابتهم بضعف إدراكي خفيف أو خرف بنسبة 40% خلال فترة المتابعة.

وأظهر التدقيق أن الأرق المصحوب بقلة النوم كان الأكثر ضرراً، إذ بدا أداء المصابين به كما لو كانوا أكبر عمراً بأربع سنوات في التقييم الأول، كما سجلوا مستويات أعلى من تراكم لويحات الأميلويد وتلف المادة البيضاء في الدماغ.

على النقيض من ذلك، فإن المصابين بالأرق الذين قالوا إنهم ينامون أكثر من المعتاد، ربما لأن مشاكل نومهم قد خفت، كان لديهم تلف أقل في المادة البيضاء من المتوسط.

وتعد لويحات الأميلويد وتلف الأوعية الدموية عوامل بالغة الأهمية، إذ إن مرض الزهايمر لا يُعزى إلى الأميلويد وحده، بل تشير دراسات متزايدة إلى أن انسداد الأوعية الدموية الدقيقة أو تسريبها يسرّع التدهور المعرفي، فيما تُفاقم كلتا الحالتين المرضيتين إحداهما الأخرى.

اظهار أخبار متعلقة



ويعطل فرط كثافة المادة البيضاء الروابط المسؤولة عن نقل الإشارات بين مناطق الدماغ، فيما يُعيق تراكم الأميلويد عمل الخلايا العصبية ذاتها. ويعزز وجود مستويات مرتفعة من كلا العاملين لدى المصابين بالأرق المزمن الفرضية القائلة إن قلة النوم قد تدفع الدماغ إلى مواجهة ضربة مزدوجة.

أكدت نماذج الدراسة التأثير المعروف لمتغير ApoE4، وهو أبرز عامل خطر وراثي شائع للإصابة بمرض الزهايمر المتأخر، إذ تدهورت حالة حامليه بوتيرة أسرع من غيرهم، وكان أثر الأرق بالغاً لدرجة تعادل تأثير وجود هذا الجين.

ويرجح العلماء أن متغير ApoE4 يفاقم الضرر الناتج عن قلة النوم عبر إبطاء عملية التخلص من الأميلويد أثناء الليل، وجعل الأوعية الدموية أكثر عرضة للالتهاب.

وتُضاف هذه النتائج مجتمعة إلى مجموعة متنامية من الأبحاث، بدءا من موظفي الخدمة المدنية في منتصف العمر في المملكة المتحدة، وصولا إلى الدراسات المجتمعية في الصين والولايات المتحدة، والتي تُظهر أن جودة نومنا في منتصف العمر وما بعده تتوافق بشكل وثيق مع جودة تفكيرنا لاحقا.

يُظهر الأرق المزمن أنه يُعجّل مسار الخرف عبر مسارات متعددة، تشمل زيادة تراكم الأميلويد، وتلف المادة البيضاء، وربما ارتفاع ضغط الدم ومستويات السكر في الدم كذلك.

ورغم أن الخطوة التالية تبدو بديهية، فإن النتائج جاءت متباينة؛ إذ لم يكتشف باحثو "مايو كلينك" أي فائدة أو ضرر واضح من استخدام المشاركين للحبوب المنومة، فيما أظهرت تجارب على أدوية أحدث، مثل حاصرات الأوركسين، انخفاضًا في البروتينات المرتبطة بمرض الزهايمر في السائل النخاعي، غير أن هذه الدراسات ما تزال محدودة وقصيرة الأمد.

يبقى العلاج السلوكي المعرفي للأرق، سواء طبق حضوريا أو عبر الوسائط الرقمية، الخيار العلاجي الأمثل، إذ يُحسّن النوم لدى نحو 70 بالمئة من المرضى، ولم يُثبت بعد أن النوم يحمي الدماغ بشكل مباشر، رغم أن تجربة محدودة على أشخاص يعانون من ضعف إدراكي طفيف أظهرت تحسناً في الوظائف التنفيذية عقب هذا النوع من العلاج بالكلام.

اظهار أخبار متعلقة



لذا، من غير المرجح أن تكون العلاقة بسيطة كـ"عالج الأرق، وتجنب الخرف". غالبا ما يصاحب قلة النوم الاكتئاب والقلق والألم المزمن وانقطاع النفس النومي - وكلها عوامل تُلحق الضرر بالدماغ. سيتطلب تحديد أي جزء من اللغز يجب استهدافه، ومتى، دراسات طويلة الأمد مُصممة بدقة.

الوقاية تبدأ مبكرا

كان متوسط أعمار المشاركين في دراسة مايو كلينك 70 عاما في بداية الدراسة، لكن أبحاثا أخرى أظهرت أن النوم الروتيني لأقل من ست ساعات في الليلة في الخمسينيات من العمر يرتبط بالفعل بارتفاع خطر الإصابة بالخرف بعد عقدين من الزمن.

هذا يشير إلى أن جهود الوقاية لا ينبغي أن تنتظر حتى التقاعد. إن مراقبة النوم منذ منتصف العمر، إلى جانب ضغط الدم والكوليسترول وممارسة الرياضة، هي استراتيجية حكيمة لصحة الدماغ.

ليالي الأرق لا تُعد مجرد إزعاج عابر، بل يبدو أن الأرق المزمن يُسرّع تراكم الأميلويد ويُفاقم تلف الأوعية الدموية الصامت، مما يدفع الدماغ نحو التدهور المعرفي، خصوصاً لدى حاملي جين ApoE4 عالي الخطورة.

ويبرز النوم الجيد كركيزة قابلة للتعديل لصحة الدماغ، غير أن العلماء ما زالوا يدرسون ما إذا كان علاج الأرق قادرًا فعلاً على الوقاية من الخرف، وأي مرحلة عمرية قد تحقق التدخلات فيها أكبر فائدة.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم