سياسة عربية

هل يدفع قتل المصريين تحت التعذيب بأقسام الشرطة إلى إشعال ثورة؟

منظمات حقوقية كشفت عن مقتل عدد كبير من المصريين بأقسام الشرطة- أ ف ب أرشيفية
منظمات حقوقية كشفت عن مقتل عدد كبير من المصريين بأقسام الشرطة- أ ف ب أرشيفية
مثل مقتل الشابين المصريين خالد سعيد في 2010، وسيد بلال في 2011، تحت التعذيب على يد أفراد الشرطة بالإسكندرية، شرارة انطلاق ثورة 25 يناير 2010 والإطاحة بنظام حكم الرئيس حسني مبارك، وبعد 13 عاما، تتواصل الممارسات ذاته، بعد كشف مقطع مصور عن مقتل الأربعيني أيمن مسلم، بمستشفى منيا القمح العام بمحافظة الشرقية، وتبدو على جثمانه آثار تعذيب وسط اتهام أسرته لضباط مركز الشرطة بقتله.


في اليوم ذاته، نشرت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ملابسات تصفية قوات الأمن المصرية للمواطن أسامة فراج بـ5 رصاصات في فيلا خاصة به بمركز ساحل سليم بأسيوط (جنوب)، الثلاثاء الماضي.


حصاد الدم بالمسالخ البشرية

ورصد مركز "النديم"، في تقريره "حصاد القمع" 20 حالة قتل على يد قوات الأمن بحق مواطنين مصريين خلال آب/ أغسطس الماضي.

وأشار إلى قتل: 8 مصريين بحملة أمنية بمحافظة المنوفية (دلتا النيل)، ومحمود سعيد السيد، ويوسف أبوعجاجة بمداهمة أمنية بذات المحافظة، وصالح أبوفياض و5 آخرين بحملات أمنية بأسوان (جنوب)، وتصفية محرم فؤاد بعد ساعات من القبض عليه بالقاهرة 20 آب/ أغسطس، ومحمد عادل عبدالعزيز بمركز القوصية بأسيوط (جنوب).

كما رصد النديم 24 حالة وفاة في أماكن الاحتجاز بينها 6 بسبب التعذيب، و10 حالات بسبب الإهمال الطبي، و2 لسوء أحوال الاحتجاز، و6 وفيات غير معروفة الأسباب.

ولفتت مؤسسة "جوار" لحقوق الإنسان إلى مقتل: وليد أحمد طه بقسم شبرا الخيمة بالقليوبية 16 آب/ أغسطس، بجانب مقتل زوجين تحت التعذيب بقسم المنشية بالإسكندرية باليوم ذاته، مؤكدة أنها "ليست وقائع فردية؛ بل سجل دموي يفضح دولة تُدير السجون كمسالخ بشرية، حيث يُستبدل القانون بالانتقام، والرعاية الطبية بالإهمال، والاحتجاز المشروع بالتعذيب حتى الموت".

تعتيم متعمد وإنكار للجرائم

وطوال 13 عاما يوثق حقوقيون حالات التعذيب، والضرب المفرط، والإهمال الطبي، والإختفاء القسري التي تعرض لها القتلى قبل الوفاة، عبر مشاهدات ذويهم للجثمان، وشهادات معتقلين وسجناء وشهود عيان، وهي الروايات التي تنفيها بشدة الجهات الرسمية وتصدر تبريرات متباينة.

ويشكو حقوقيون من تعتيم رسمي متعمد على تلك الوقائع، مؤكدين أن "الوصول إلى المعلومات الحقيقية عبر الرواية الرسمية محدود"، مشككين ببيانات الداخلية التي تشير ببعض الوقائع إلى أن العناصر المستهدفة إجرامية أو بادلت القوات إطلاق النار، أو تنفي صلة ضباطها وعناصرها بوقائع القتل والتعذيب، إلا أن حقوقيين يطالبون بتطبيق القانون على الجنائيين دون تصفيتهم دون محاكمة.

في معظم حالات القتل تعذيبا تطالب منظمات حقوقية بتحقيقات مستقلة وشفافة؛ الأمر الذي لا تلتفت له النيابة العامة، إلا في حالات نادرة جرت تحقيقات غير علنية أفضت بعضها إلى محاكمات لم تُفضي إلى محاسبة ضباط وأفراد الشرطة عن جرائمهم، أو أصدرت أحكاما مخففة، يتبعها العفو عن المتهمين، ما بدا لافتا في جريمة قتل 37 مصري بـ"سيارة ترحيلات أبوزعبل" عام 2013.

وتحت عنوان: "التصفية المباشرة.. عنوان مرحلة سوداء"، كتبت مؤسسة "جِوار": "منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، لم يكن الاعتقال وحده أداة القمع؛ بل تصدرت التصفية المباشرة المشهد كنهج ثابت اختاره النظام لإخماد كل صوت معارض"، مشيرة لـعمليات أمنية جرت بـ"رصاص غادر يسبق أي محاكمة، وموت معد سلفا يُسجّل في دفاتر الداخلية على أنه اشتباك بينما الحقيقة أنه إعدام بدم بارد".


ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الوفيات بأقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز خلال حكم السيسي، لكن منظمات حقوقية وثقت 1176 حالة وفاة بأماكن الاحتجاز منذ 2013 وحتى الآن، لأسباب: "الإهمال الطبي المتعمد، والتعذيب وسوء المعاملة، والاكتظاظ الشديد بأماكن الاحتجاز".

وفي إجابته قال السياسي المصري خالد الشريف: "بلاشك الثورات لا تتكرر، فكل ثورة لها خصوصياتها، وثورة 25 يناير اختزلت كل العوامل والأسباب في مقتل خالد سعيد؛ لكن مظالم مبارك كانت طوال 30 عاما متواصلا ولما جاءت ساعة الانفجار تولدت الثورة".

ويضيف لـ"عربي21"، "اليوم أسباب الثورة أكثر بكثير من أسباب 25 يناير، قتل، وفقر، وتكبيل، وقروض، وخيانة، وانقلاب على الثوابت الوطنية، وتراجع الدولة بكل المجالات، والأهم عسكرة الدولة، وغياب الحريات والديمقراطية وانهيار منظومة العدالة؛ ومع ذلك الشعب لايثور ولا يتحرك".

الشريف يرجع تلك الحالة إلى "اتساع حاجز الخوف، والقمع، والبطش، أكثر من عهد مبارك؛ فضلا غياب النخبة والقادة الذين غيبهم النظام الحالي إما في السجون أو عبر الهجرة للخارج".

ومع ذلك الوضع يرى القيادي في حزب "البناء والتنمية"، أن "الثورة قادمة لأن الشعب لا ينسى متطلباته واحتياجاته من حريات وطعام وشراب ومسكن وهو وحده الذي يعلم ميقات الثورة وموعدها؛ فضلا عن أن النظام في مصر لا يملك مقومات البقاء، يملك فقط القمع والبطش وعصا الشرطة، وهذه لا تدوم".

غياب المساءلة

وخلال حكم السيسي، أطلق تصريحات وأصدر قرارات وسن قوانين تقنن حماية ضباط وأفراد الشرطة وتمنع عنهم المساءلة والمحاكمة في جرائم التعذيب والقتل، وترصد "عربي21"، بعضها كالتالي:

تأكيد السيسي، لضباط الجيش والشرطة 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، عقب جريمة فض اعتصام "رابعة والنهضة" بشهر ونصف، بعدم محاكمة "الضابط الذين يضربون قنابل غاز وخرطوش تؤدي لقتل أو إصابة متظاهرين".

وتجديد حالة الطوارئ وفقا لـ"قانون الطوارئ 162 لسنة 1958"، حتى العام 2021، ما أعطى سلطات استثنائية للأمن كالاحتجاز، والتفتيش، والاعتقال دون إذن، ما فاقم جرائم التعذيب والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون.

اظهار أخبار متعلقة



إصدار قانون "تنظيم التظاهرات" لعام 2013، والذي أعطى وزارة الداخلية صلاحيات واسعة وشرعن التدخل الأمني ضد المتظاهرين بطرق عنيفة.

إقرار "قانون 136 لسنة 2014"، الذي توسع في إحالة المدنيين للنيابة والمحاكم العسكرية، وقلل احتمالات المساءلة المدنية لما ترتكبه قوات الأمن من جرائم.

تطبيق قوانين "مكافحة الإرهاب" عام 2015، والتي تمنح النيابة والشرطة صلاحيات توقيف أطول، وإنشاء محاكم خاصة أو إجراءات مستعجلة، وجزاءات تغليظية، ما منح الأجهزة ذريعة لتبرير استعمال القوة.

ويشير قانونيون إلى ثغرات في تعريف جريمة التعذيب بـ"القانون الجنائي" المصري مع محدودية المساءلة بـ"قانون العقوبات"، والمواد المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة بما لا يتطابق، بحسب منظمات حقوقية، مع المعايير الدولية التي تضع القادة بنطاق المسؤولية عن الجرائم المرتكبة.

ويلفتون إلى أن التحقيقات في الانتهاكات غالبا تجريها هيئات تابعة للجهات الأمنية أو النيابة العامة، مع تنصيف التهم إلى "إهمال طبي" أو "اشتباكات" بدلا من توجيه تهم "التعذيب" أو "القتل العمد"، ما يؤدي للإفلات من العقاب.

ويوضحون أن تراكم هذه القوانين والسياسات خلق بيئة مؤاتية لانعدام المساءلة، وقاد لتفاقم الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل، مطالبين بتعديل نصوص التعذيب بـ"قانون العقوبات"، ومطابقتها مع اتفاقية "مناهضة التعذيب"، وإنشاء آلية تحقيق مستقلة بقضايا التعذيب والقتل، ووقف "المحاكمات العسكرية".
التعليقات (0)

خبر عاجل