مقالات مختارة

العراق… هل سينجح السوداني بالفوز بولاية ثانية؟

صادق الطائي
الأناضول
الأناضول
منذ تسنمه رئاسة الحكومة أواخر 2022، بدا محمد شياع السوداني، وكأنه يحاول إعادة تعريف موقع رئيس الوزراء في العراق. لم يظهر كزعيم مذهبي، بل كـ»رجل دولة» يحاول الموازنة بين الداخل والخارج، بين متطلبات الشارع واشتراطات القوى السياسية، وبين مصالح العراق وحسابات الإقليم.

واليوم، ومع اقتراب انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2025، يطرح سؤال: هل سيتمكن السوداني من تأمين الفوز بولاية ثانية؟

في أيار/ مايو الماضي، مع التهيئة لخوض الانتخابات، أعلن السوداني عن تشكيل «ائتلاف الإعمار والتنمية»، وهو تحالف ضم سبعة كيانات سياسية بينها حزب السوداني «تيار الفراتين» و»تحالف العقد الوطني» و»ائتلاف الوطنية» و»تحالف إبداع كربلاء» و»تجمّع بلاد سومر» و»تجمّع أجيال» و»تحالف حلول الوطني».

وقد قال السوداني في بيان إعلان الائتلاف: «التزاماً بالوعد الذي قطعناه لأبناء شعبنا الكريم، بالعمل والخدمة والحفاظ على كيان مؤسسات الدولة وسيادتها، وتوفير أسباب التنمية المستدامة، واستكمالاً لنهج الإعمار والإصلاح الذي شرعت به الحكومة عبر برنامجها وبأولوياته الخمس، ومن خلال مشاريعها ومُستهدفاتها، تتشرف مجموعة من القوى والتيارات الوطنية العراقية، أن تعلن لعموم أبناء شعبنا العراقي، عن تشكيل (ائتلاف الإعمار والتنمية)، لخوض الانتخابات التشريعية، المقرر إجراؤها في تشرين الثاني المقبل».

هذا التحالف لم يكن مجرد تجمع انتخابي تقليدي، فقد ضمّ شخصيات من خارج «الإطار التنسيقي»، ما اعتُبر مؤشراً على رغبة السوداني في الخروج من عباءة الإطار، وبناء تحالف عابر للطوائف.

النائب مختار الموسوي وصف الخطوة بأنها «خروج واضح عن الإطار التنسيقي، يهدف إلى ضمان ولاية ثانية للسوداني». وبالتوازي، أعلن 53 نائباً من كتل مختلفة انضمامهم إلى كتلة نيابية تحمل الاسم ذاته، لتشكل ذراعاً برلمانياً مبكراً له، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، رأى أن هذا الانضمام «يمثل حالة طبيعية بسبب حضور رئيس الوزراء وتأثيره القوي في المشهد السياسي»، مضيفاً أن «السوداني مرشح لتحقيق عدد كبير من المقاعد خلال الدورة الانتخابية المقبلة». استراتيجية السوداني الانتخابية تمثلت باستهداف الفئات الاجتماعية التقليدية، التي عادةً ما تدعم النخبة الحاكمة في العراق، إذ يهدف السوداني إلى جذب الطبقة الوسطى الشيعية، بمن في ذلك موظفو الدولة والعسكريون والمهنيون وصغار التجار في بغداد والمحافظات الجنوبية، حيث تميل هذه الفئات إلى إعطاء الأولوية للاستقرار السياسي والإداري، إلى جانب النمو الاقتصادي، حتى إن كان بطيئا وتدريجيا، على الخطاب الثوري أو المواقف المتطرفة.
قد قدّم السوداني نفسه كمرشح براغماتي يركز على الحوار

وقد قدّم السوداني نفسه كمرشح براغماتي يركز على الحوار، متجنبا المواجهات السياسية والعسكرية، ومركّزا على تقديم الخدمات والتنمية الاقتصادية، وقد لاقى هذا النهج صدى لدى شرائح من الناخبين، وأثار ردود فعل من منافسه الرئيسي نوري المالكي زعيم ائتلاف «دولة القانون»، الذي يتنافس على الفئة السكانية نفسها.

وإدراكًا منه للتغيرات في المزاج العام داخل المجتمع الشيعي، دعا المالكي إلى تعديلات على قانون الانتخابات، وتحديدا اعتماد نظام انتخابي هجين يجمع بين التمثيل النسبي والترشيح الفردي. ويُنظر إلى هذه المبادرة على نطاق واسع على أنها محاولة لإضعاف مزايا السوداني الرئيسية.

لكن يجب أن نقر بناءً على الدورات الانتخابية السابقة، بأن الكتلة البرلمانية وحدها لا تكفي للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة، والكل يتذكر التجربة العراقية التي أظهرت أن رئاسة الوزراء لا تُحسم بالأرقام فقط.

كما أشار نوري المالكي في تصريح سابق، إذ قال: «لقد فزت بـ103 مقاعد عام 2014، ولم أحصل على رئاسة الوزراء لغياب التوافق. الأرقام وحدها لا تكفي».

هذا الدرس يواجهه السوداني اليوم، إذ يحتاج إلى توافق داخلي، ودعم إقليمي ودولي، وليس مجرد كتلة كبيرة. خصوم السوداني في البيت الشيعي كثر. نوري المالكي بكتلته «دولة القانون» يبقى المنافس الأبرز، إذ يمتلك قاعدة حزبية وتنظيماً متجذراً في بغداد والجنوب. كما يواجه السوداني منافسة من هادي العامري و»تحالف الفتح» المدعوم من فصائل الحشد الشعبي، ومن قيس الخزعلي الذي يقود كتلة «الصادقون»، إضافة إلى تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم. هذه القوى تمتلك ما يفتقر إليه السوداني: خبرة انتخابية طويلة، أجنحة مسلحة، وموارد مالية ضخمة.

ومع تزايد الدعوات لمقاطعة الانتخابات، دخل السوداني في حوار سياسي غير مباشر مع الصدر زعيم «التيار الصدري»، إذ اتهم السوداني دعاة مقاطعة الانتخابات بعرقلة الإصلاح، وعرقلة مشروع التنمية، وتقويض جهود بناء الدولة. ويبدو من التحركات التي قام بها السوداني أنه يسعى بنشاط إلى استقطاب شرائح من القاعدة الشعبية للتيار الصدري لدعم ائتلافه، ويعتمد نجاح هذه الاستراتيجية على قرار الصدر إما بتشجيع أنصاره على التصويت أو مواصلة المقاطعة، وهو ما سيتضح في الأشهر المتبقية حتى موعد الانتخابات.

من جانبه أعلن مقتدى الصدر مقاطعة العملية الانتخابية، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام دعم غير مباشر لقوى تتبنى مطالبه. بعض المصادر لم تستبعد احتمال أن يشجع الصدر أنصاره على دعم السوداني، وهو ما قد يشكل مفاجأة انتخابية تعزز حظوظ السوداني بالفوز بولاية ثانية. غير أن هذا الاحتمال يبقى في دائرة التكهنات، خصوصاً أن الصدر اعتاد على التحركات غير المتوقعة.

إلى جانب التحالفات، يعوّل السوداني على إنجازات حكومته، فقد أعاد افتتاح مواقع تاريخية في الموصل مثل جامع النوري بعد إعادة إعمار منارته الحدباء، مقدماً نفسه كـ»ضامن للاستقرار والوحدة الوطنية».

وفي كلماته خلال هذه الفعاليات، حاول مخاطبة العراقيين كـ»مواطنين لا كأتباع طوائف أو مكونات». كما تبنى سياسة خارجية متوازنة، أبعدت العراق عن الانجرار إلى الحرب الإيرانية ـ الإسرائيلية الأخيرة، وهو ما اعتبره إنجازاً شخصياً يسجل له. مع ذلك، هناك من يرى أن هذه الإنجازات ما هي إلا «بروباغندا انتخابية». فالمشاكل البنيوية في الاقتصاد والخدمات والفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، ما زالت قائمة، بعض القوى في «الإطار» تروّج لفكرة أن السوداني «لن يكون رئيس وزراء لدورة ثانية»، لكن آخرين يشيرون إلى أنه نجح في إقامة علاقات متوازنة داخلياً وخارجياً، وحظي بثقة قوى سنية وكردية.

وفق تحليلات مراكز الدراسات، سيناريوهات نتائج الائتلاف الذي يقوده السوداني في الانتخابات المقبلة متعددة. السيناريو المتفائل يمنحه أكثر من 50 مقعداً ليصبح رقماً صعباً في تشكيل الحكومة. أما السيناريو المرجح فيتوقع حصوله على 30 ـ 40 مقعداً، ما يعني تمثيلاً جيداً دون هيمنة على البيت الشيعي. والسيناريو الأسوأ يضعه تحت سقف 25 مقعداً، وهو ما قد يضعف موقعه التفاوضي كثيراً.

هنا يبرز العامل الحاسم: التحالفات ما بعد الانتخابات، السوداني لن يصل إلى عتبة 165 مقعداً بمفرده، وسيحتاج إلى تفاهمات مع قوى سنية مثل تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، ومع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. لذلك يمكننا القول إن قدرة السوداني على إقناع هذه القوى ستحدد ما إذا كان سيبقى في رئاسة الوزراء أم لا.

في المحصلة، يقف السوداني اليوم عند مفترق طرق، فهو من جهة رئيس وزراء استطاع أن يقدم نفسه بصورة مختلفة عن أسلافه، متجاوزاً الخطاب الطائفي لصالح خطاب الإعمار والخدمات. ومن جهة أخرى، يواجه منظومة سياسية متشظية وخصوماً أقوياء، وشعباً فقد ثقته بالطبقة الحاكمة، لذلك فإن معركة الولاية الثانية لن تُحسم في صناديق الاقتراع وحدها، بل في صفقات ما بعد الانتخابات، وفي التوازنات الإقليمية والدولية التي ستقرر مَن هو «رجل المرحلة» في العراق. إذن الإجابة على السؤال «هل سينجح السوداني بالفوز بولاية ثانية؟» تبقى مفتوحة، لكن المؤكد أن الرجل اليوم هو المرشح الأبرز، والأكثر قدرة على خوض هذه المنافسة المعقدة.

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل