ملفات وتقارير

"وين نروح؟".. نداء الغزّيين يتكرّر في مواجهة خديعة المناطق الإنسانية (شاهد)

يواصل في الوقت نفسه، قصفه الجوي الأهوج والمكثّف على الأبراج السكنية- جيتي
يواصل في الوقت نفسه، قصفه الجوي الأهوج والمكثّف على الأبراج السكنية- جيتي
"وين نروح؟" يتردّد السؤال ذاته، من جديد، في شوارع قطاع غزة المحاصر، ممزوج بيأس مُتفاقم هذه المرّة، وفقا لما يوثّقه الأهالي أنفسهم بالصوت والصورة على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عبر "إنستغرام"، حيث تنقل المقاطع مشاهد الأمهات الحائرات والأطفال المرتجفين، والشّباب المرتبكين، فيما يؤكدون جميعهم أنّ: "لا مكان آمن، كل القطاع بات مُستهدف".

صباح السبت، أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، بيانا جديدا، يطالب سكان مدينة غزة بـ"المغادرة الفورية"، مدّعيًا أنه خصّص منطقة "المواصي" كـ"منطقة إنسانية"، في إطار ما يسميه عملية "عربات جدعون 2" التي تهدف لاحتلال المدينة بالكامل.

البيان الذي نُشر على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، وُصف من قبل منظمات حقوقية مُختلفة، بأنه: ليس سوى غطاء لخطة تهجير قسري وتطهير ديموغرافي، بعد نحو عامين من حرب إبادة شاملة طالت البشر والحجر.


وزعم في بيانه: "ينفذ جيش الدفاع الإسرائيلي عملية لحسم حماس داخل مدينة غزة، وابتداء من هذه اللحظة وبهدف التسهيل على من يغادر المدينة، نعلن منطقة المواصي (في خان يونس جنوبي القطاع) منطقة إنسانية حيث ستجرى فيها أعمال لتوفير خدمات إنسانية أفضل" ما يؤكّد الغزّيين أنها مزاعم كاذبة وأنّ لا مكان آمن في غزة.

وفيما ادّعى جيش الاحتلال الإسرائيلي، أيضا، أنه "خصص شارع الرشيد كطريق إنساني" وفق تعبيره، وأمر الفلسطينيين بـ"المغادرة عبره بسرعة وبالمركبات دون تفتيش" نشر عدد من الغزّيين عبر حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات إلى المجتمع الدولي، للتدخّل السريع، وبثّوا مخاوفهم من كذب الاحتلال المتواصل، ومن القصف المستمر فوق رؤوسهم.


تهجير تحت القصف
الاحتلال، الذي يدّعي فتح "طريق آمن" عبر شارع الرشيد، يواصل في الوقت نفسه، قصفه الجوي الأهوج والمكثّف على الأبراج السكنية في المدينة. إذ وثقت تقارير ميدانية، مُختلفة، تدمير مبنى "برج مشتهى" من جديد، رغم استهدافه سابقا أربع مرات، وسط منطقة مكتظة تضم آلاف النازحين، وجامعتين تحوّلتا إلى ملاجئ.

جرّاء ذلك، أُعلن عن استشهاد أكثر من 40 فلسطينيًا خلال الساعات القليلة فقط (أقل من 24 ساعة)، بينهم 7 أطفال، إثر القصف المتواصل على غزة، الذي لا يرحم فيه الاحتلال الإسرائيلي، لا صغيرا ولا كبيرا، وينتهك فيه كافة القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان، أمام مرأى العالم وسمعه.


"مناطق آمنة".. بلا ماء ولا دواء
رغم إعلان الاحتلال تجهيز المواصي لتكون "منطقة إنسانية"، إلا أن الشهادات التي توصّلت بها "عربي21" من الغزّيين أنفسهم، تفيد بانعدام أبسط مقومات الحياة هناك: لا مياه صالحة للشرب، ولا خدمات صحية كافية، ولا مأوى حقيقي، كما أنّ فيها يتمّ القصف كذلك.
 
كذلك، يقول عدد المتحدّثين لـ"عربي21": "تعتمد العائلات في المناطق الذي يزعم الاحتلال الإسرائيلي أنّها آمنة، كذبا، على مساعدات محدودة تأتي من منظمات إغاثية تعمل تحت القصف والقيود، في ظل منع شبه تام لدخول المواد الأساسية إلى القطاع".

وتُظهر شهادات عدد من النازحين، أيضا، أن "المناطق الإنسانية" التي يروج لها الاحتلال، سبق أن تعرضت للقصف العنيف مرارا وتكرارا، مثلما حدث في خان يونس ورفح. فـ"لا مكان آمن في غزة"، كما تقول الأمم المتحدة منذ بداية الحرب.


مجاعة ممنهجة وقصف مستمر
المأساة في قلب قطاع غزة المحاصر، لم تعد تقتصر على القصف والتهجير فقط، بل باتت تشمل كذلك: الجوع. فوزارة الصحة الفلسطينية، أعلنت عن وفاة 376 شخصا بسبب المجاعة، بينهم 134 طفلا، في ظل الحصار الكامل على الغذاء والدواء والوقود منذ أكثر من ستة أشهر.

ومنذ إعلان المجاعة بشكل رسمي في القطاع، تم تسجيل وفاة 98 شخصا، معظمهم أطفال، بسبب الجوع أو محاولات البحث عن الطعام.


خطة دولية لتفريغ غزة؟
بينما تنفذ قوات الاحتلال الإسرائيلي على الأرض عمليات تهجير منظمة، كشفت تقارير عبرية وأمريكية عن مناقشات وصفت بـ"السرية" تدور في دوائر القرار -بينها الموساد والبيت الأبيض- بخصوص خطة تهدف إلى: إفراغ غزة من سكانها، وتحويلها في وقت لاحق إلى: "منطقة تكنولوجية سياحية" تحت وصاية غربية.

تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" كان قد وصف هذه الخطة بأنّها: "غطاء ناعم لعملية تطهير عرقي، تشارك فيها أطراف استثمارية، وتسعى لتحويل كارثة إنسانية إلى مشروع مربح مغلف بمصطلحات تنموية".


عملية على حساب المدنيين
العملية العسكرية الحالية التي أطلق عليها الاحتلال اسم "عربات جدعون 2"، تُنفذ وسط تحذيرات دولية متواصلة، ممّا يصفوه بـ"كارثة وشيكة"، خصوصا مع استمرار سياسة هدم المباني متعددة الطوابق، مع تشريد قسري لمئات الآلاف من الغزّيين دون أي خطة إنقاذ فعلية.

إلى ذلك، بينما يستمر الاحتلال في إصدار بيانات الإخلاء والوعود الزائفة والكاذبة بـ"المناطق الآمنة"، تتواصل على أرض الواقع المجازر والدمار. وتبقى صرخة "وين نروح؟" التي يطلقها الغزيون، هي العنوان الأصدق والأقسى لمأساة لم يشهد لها العالم مثيلا في العصر الحديث.

ويقول عدد من الغزّيين في حديثهم لـ"عربي21": "في غزة، لا شيء إنساني في ما يسمى بـ"المناطق الإنسانية"، ولا مكان يمكن أن يسميه النازحون: بيتا".

وفي السياق نفسه، واصلت قوات الاحتلال، حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بالتزامن مع تركيز عمليات التوغل ونسف المنازل شرق غزة وفي محيطها، تمهيدا لخطة الاحتلال التي يجري تطبيقها بالفعل منذ أسابيع.

اظهار أخبار متعلقة


وخلال ساعات الليل، فجرت قوات الاحتلال "روبوتات مفخخة" لتدمير منازل المواطنين شرق بركة الشيخ رضوان في غزة، بالتزامن مع قصف مدفعي وإطلاق نار من مسيرات إسرائيلية على منازل الحي المكتظ بالسكان.

وقصفت قوات الاحتلال منازل مأهولة وأهدافا أخرى فجرا في شارع النفق، وفي مخيم الشاطئ في غزة، ما أدى إلى سقوط العشرات بين شهيد وجريح.في سياق متصل، أصدرت قوات الاحتلال، السبت، تهديدات واسعة لإخلاء مدينة غزة من السكان، زاعمة أن المناطق الخصصة للنزوح في منطقة مواصي خانيونس جنوبا، تعد آمنة.

وبدعم أمريكي، ترتكب دولة الاحتلال منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 64 ألفا و300 شهيد، و162 ألفا و5 جرحى من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة قتلت 376 فلسطينيا، بينهم 134 طفلا.
التعليقات (0)

خبر عاجل