ملفات وتقارير

"صوت هند" يستدعي "هوليود" ويُبكي "فينيسيا".. وغياب تام لـ"سينما العرب" عن غزة

الطفلة الفلسطينية المستغيثة هند تهز مهرجان فينيسيا السينمائي دموعا وتصفيقا حارا - جيتي
الطفلة الفلسطينية المستغيثة هند تهز مهرجان فينيسيا السينمائي دموعا وتصفيقا حارا - جيتي

في حدث سينمائي هو الأشهر عالميا الآن، حقق فيلم "صوت هند رجب"، أصداء واسعة بالدورة 82 من مهرجان "فينيسيا السينمائي"، لما له من جانب إنساني بتناول مأساة وفاة الطفلة الفلسطينية (5 سنوات)، التي أطلق الاحتلال الإسرائيلي 355 رصاصة على سيارة علقت بها و6 من عائلتها، 29 كانون الثاني/ يناير 2024.

العمل الفني، الذي جرى تصويره بتونس، يروى مأساة هند رجب وأسرة عمها أثناء فرارهم من الموت بالقصف المدفعي الإسرائيلي بحي "تل الهوى" جنوب غرب غزة، ليلقوا حتفهم بعد عجز قوات الإسعاف الوصول إليهم، لتبقى استغاثة الصغيرة قائلة: "أنا خائفة أمانة تعالوا خدوني"، بعدما ظلت في السيارة وحيدة، أيقونة تكشف للعالم حجم جرائم الإبادة الجماعية بحق 2.3 مليون فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

صوت غزة.. ودعم هوليوودي
مخرجة الفيلم التونسية كوثر بن هنية، صاحبة الترشيحات السابقة لجائزة "أوسكار" عن فيلميها: "الرجل الذي باع ظهره" و"بنات ألفة"، والتي منعت من دخول غزة، قالت لوسائل الإعلام، عن الفيلم الذي يتضمن التسجيل الصوتي الحقيقي لهند رجب، قبل استشهادها: "حينما سمعت صوتها لأول مرة، كان هناك ما هو أعمق من مجرد صوتها، كان صوت غزة تطلب المساعدة، ولم يستطع أحد المساعدة".



وكما تحظى غزة بدعم عالمي من شعوب تظاهر لأجلها أسبوعيا وحكومات عديدة أعلنت الاعتراف بدولة فلسطين، حظي الفيلم، بدعم إنتاجي من نجوم هوليود، ومنهم: براد بيت عبر شركة "بلان بي"، وخواكين فينيكس، ووروني مارا، وألفونسو كوارون، وجوناثان غليزر، والصحفية جيميما خان، والكندي فرانك جيسترا، ومصممة المجوهرات سابين جيتي، كمنتجين تنفيذيين، كما حضر فينيكس، ومارا، العرض الأول للفيلم بمهرجان فينيسيا، الأربعاء الماضي.

قوبل "صوت هند رجب"، وصناعه بتصفيق حاد من الحضور مدة 23 دقيقة و50 ثانية، في رقم قياسي تاريخي لمؤسسة بينالي البندقية، وفق وصف متابعين، اعتبروها رسالة دعم وتضامن مع شعب فلسطين وتكريما لضحايا حرب غزة



وفي إشارة للدعم الدولي للعمل، تتولى شركة "ذا بارتي فيلم سيلز"، ومقرها باريس، مسؤولية المبيعات العالمية للفيلم، بينما تقوم "سي إيه إيه ميديا فاينانس" بالعرض في أمريكا الشمالية.

في المقابل، غاب بشكل لافت حضور ودعم الفنانين العرب للفيلم، الذي رشحته تونس للدورة 98 من جائزة (أوسكار) ربيع 2026، والذي كتبته أيضا، كوثر بن هنية، ومن إنتاج التونسي نديم شيخروحة، والممثلة والمنتجة الكندية أوديسا راي، والأمريكي جيمس ويلسون، وبطولة الفلسطيني معتز ملحيس، وفي دور المسعفين: الأردنية سجا كلاني، والفلسطينية الأمريكية كلارا خوري، والفلسطيني عامر حليحل.

وعن تلك الحالة قال الكاتب الفلسطيني أيمن اللبدي، عبر "فيسبوك": "الإنسانة كوثر بن هنية، صنعت ما لم تصنعه 53 وزارة ثقافة وإعلام تقول إنها عربية أو إسلامية، الإنسانة كوثر مبدعة تونسية نقلت صورة واحدة من آلاف الصور التي شهدتها  غزة المظلومة منذ قرن تام.


 
الكل ينتحب ويبكي في البندقية
ووفق صفحات فنية، فإن معتز ملحيس، الذي رفع علم فلسطين عقب العرض بمهرجان فينيسيا، تعرض لنوبتين من الهلع أثناء التصوير، معبرا عن صدمته العميقة بقوله: "كان من الممكن أن أكون أنا"، فيما صرح لوسائل الإعلام بأن كل من بالقاعة كان "ينتحب ويبكي" من أول 5 دقائق بالفيلم.
تشير توقعات نقاد إلى احتمال أن يحصد "صوت هند رجب"، جميع جوائز مهرجان فينيسيا، مشيرين إلى أنه "هز عرش البندقية، وحقق رقما قياسيا لحضور أكبر نجوم السينما العالمية، مع رقم قياسي بالتصفيق.


لكن تبقى مخاوف بعض النقاد حاضرة، والتي عبًّر عن بعضها الناقد المصري أمير العمري، بقوله: "لا أظن أن لجنة التحكيم ستمنح (صوت هند رجب) جائزة (الأسد الذهبي) وتُغضب إسرائيل وأنصارها؛ إلا إذا، رغم أنه المرشح الأول باستطلاعات آراء النقاد".


 
ويؤكد متحدثون لـ"عربي21"، أن ردود الفعل الجيدة حول "صوت هند رجب" كشفت أهمية السينما كسلاح للمقاومة الفلسطينية، وفي كشف زيف الرواية الإسرائيلية أمام العالم، منتقدين غياب السينما والدراما العربية عن تقديم الصورة الفلسطينية للعالم، رغم مشاركة "إم بي سي" السعودية في إنتاج الفيلم.

مدّ وعيوي صادق
وفي حديثه لـ"عربي21"، يقول الأديب والكاتب الصحفي الفلسطيني أيمن اللبدي، إن "السينما سلاح هام أمس، واليوم غدت أكثر أهمية، نحن نعيش عصر الصورة النقطية المباشرة، والمادة البصرية في عصر الصورة أصبحت مثلثا كاملا لصياغة الموقف، لأنها اختصرت المسافة بين المرسل والرسالة والمتلقي في آن، وتكفّلت بنقلها في ذات اللحظة، وعندما تكون الدراما في الرسالة ذات كثافة وصدقية عالية، كلما أصبح هذا السلاح أمضى".

ويضيف: "اليوم السينما تستطيع الوصول، وتستطيع الحصول أيضا، والقضية الفلسطينية، وفلسطين نفسها غدت مصباح العالم ووجعه في آن، وهي وفق كل التحليلات المتوقعة مادة استطاعت أن تزيح بالدم وبالتضحيات وبالصمود العظيم، كل ما كان متوقعا من عراقيل تضعها الآليات المعلومة سابقا عن تأثير الصهيونية العالمية وتحالفاتها، نحن أمام مدّ وعيوي صادق ومصرّ على المشاركة، ليس فقط في الوعي نفسه، بل بما بعد الوعي وخدمته، هذا تيار جارف سيكون له ما بعده".

اظهار أخبار متعلقة


ويرى أن: "المادة الدرامية نفسها الذي يحملها هذا السلاح، ليس فقط صادقة وصريحة ومتنوعة وثرية، بل هي مادة نسفت الدعاية الصهيونية في مقتل بفعل التماثل للمادة التي طالما أرسلتها الدعاية الصهيونية نفسها واعتمادا عليها اكتسبت قيمة المعاناة، يعني أفلام ما يسمى المحرقة والهولوكوست وما تمثله أفلامها، لا شيء غير الطرد والعنصرية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، وهذا ما يفعله الكيان بصورة بث مباشر وحي يوميا وعلى مدار الساعة، وبدلا من قصة واحدة ستحصل على آلاف القصص".

يستدرك اللبدي، متسائلا: "لكن أتدري ما هو بظني السبب الرئيس المفسر لهذا الاندفاع العالمي اليوم للتفاعل مع فلسطين ومحرقتها القائمة؟"، مجيبا: "أقول لك باختصار، الشعور بالخيانة، شعور الإنسان الحر الذي قد يكون هتف مطولا لسردية ضحايا المحرقة الهتلرية، واندفع ليحاول تضميد جراحاتها، هو نفسه الذي يشاهد ورثتها المزعومين وهم يمارسون اليوم جهارا نهارا بكل الغطرسة صورة مكبرة ألف مرة، بل ومنوعة ونسخة منقحة ومزيدة في الإجرام، هنا شعر هذا الإنسان الحر بطعنة قاتلة ليس فقط لإنسانيته بل لعقله أيضا".

حصار شبيه بحصار غزة
ويؤكد أنه: "لم تتح لسينما فلسطينية حقيقية قبل ذلك فرصة، ولا حتى عربية، وظلت المادة الدرامية الفلسطينية كما يبدو في حصار شبيه بحصار غزة، وأمام حواجز شبيهة بحواجز الضفة، ولكن في بعد آخر، لماذا؟، لعدة أسباب ليس بينها تأكد قصة (الجمهور لا يرغب)، بل على العكس تماما، وأحيلك إلى فيلم (ناجي العلي) ومسلسل (التغريبة)، كم جهة عربية تفضّلت واشترت العمل وبثته، أو كم جهة كرّمت مثل هذا العمل؟".

ويعتقد أنه: "ربما كانت فيما قبل الطوفان موانع قد تبدو ممكنة الفهم، اليوم بعد نجاح (صوت هند) وبعد هذه التضحيات وحملها، وأيضا بعد انفلات الوحش وإعلانه نية واضحة لافتراس الكثير حول فلسطين، لا عذر ولا عائق يجب أن يُفهم أو يُسمع أصلا، وهذه دعوة مباشرة للفنانين والمخرجين والجهات، تعالوا لأقل ما يمكن تقديمه، ولا تخشوا على نتاجكم فسيكون مقبولا جدا، ورابحا أيضا، ومستمرا"، وفي نهاية حديثه يشيد بنتاج عمل المخرجة كوثر هنية، وطاقم العمل واصفا إياهم بأنهم "أسطول سينمائي رائع، وسيخلّد لهم شرفين، شرف المبادرة، وشرف الإنسانية المقتدرة".

صرخة كل أطفال فلسطين
الصحفية التونسية مونية العرفاوي، تقول لـ"عربي21": "السينما ومنذ وقت طويل مرادف لحركات التحرر الوطني، ومرآة عاكسة، وذاكرة ترصد الأحداث في زمنها الطازج وتتركها للتاريخ، وفيلم (هند رجب) لا يمثلها فقط بل هو صوت أطفال فلسطين ضحايا الحرب الوحشية، وربما أرادت كوثر بن هنية أن تترجم صرختهم من صرخة هند".

وترى أن: "هذا دور السينما التي لم تكن ملتصقة تماما بالقضايا الإنسانية وآلام البشر ومعاناتهم وبؤسهم"، مؤكدة أنه "لا معنى لسينما بعيدا عن القضايا العادلة"، مبينة أن "ترحيب رواد مهرجان فينيسيا بالفيلم ودعم بعض نجوم هوليود، يؤكدان أن الضمير الإنساني مازال حيا ويقاوم وحشية احتلال غاشم وإبادة جماعية وتجويع مستمر لـ700 يوما".

وتوضح أنه "عبر (صوت هند رجب)، تصدرت السينما لحظة المقاومة من خلال رصد معاناة الطفلة وجريمة قتلها البشعة، والطريقة الوحشية، والصرخة الأخيرة التي أطلقتها تتوسل انقاذها؛ وهي اليوم لم تذهب سدى، بل تترجم جزء من الذاكرة المتألمة لشعب عاش أهوال القتل الميداني، وكل الصور المرعبة التي رأيناها في أزمة (هند رجب)، و(يوسف أبوشعر كيرلي)، والطفلة (روح الروح) التي فارقت جدها، وكل صورة لأطفال غزة الذين كبروا قبل الأوان، وستبقى هناك أضرارا ملتصقة بهم بقية حياتهم مع ما عاشوه من تشويه براءتهم وطفولتهم، ولم يبق لهم شيئا سوى القتل".

مخيبة للآمال وتشبه الأنظمة
وعن أداء السينما العربية في هذه الفترة من الحرب على غزة ومعاناة الفلسطينيين، تقول الصحفية التونسية إنها: "مخيبة للآمال، وليست بغريبة وتشبه مواقف الأنظمة والحكومات، ومرة أخرى تخلفت السينما العربية عن إسناد القضية كدأبها دائما، وطوال تاريخها باستثناء بعض أفلام ومسلسلات لم تكن مساندة للقضية".

وتضيف: "ولو نظرنا بالعامين الماضيين عن الإنتاجات سنرى فيلم للتونسية درة زروق، يعرض لمشكلة المهجرين من غزة إلى مصر، وهذه المرة صوت هند رجب، وباستثناء ورشات ينجزها المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي مع بعض نجوم عرب وعالميين ومنتجين لأفلام قصيرة حول غزة، تواكب الواقع اليومي؛ لا نجد أفلاما تهتم رغم ضخامة الاعتمادات الإنتاجية العربية ووجود منتجين أصحاب ميزانيات ضخمة ومفتوحة وممثلين من طراز كبير يمكنهم التأثير بالرأي العام العالمي".

اظهار أخبار متعلقة


وتعرب عن ألمها قائلة: "مع ذلك تخلفت السينما العربية"، مرجعة الأمر إلى "التطبيع الثقافي، الذي التهم النخب العربية رغم عدم وجود تطبيع سياسي مباشر، ورغم أنه من الشركات المنتجة لفيلم هند رجب -أحد الانتقادات التي وجهت للفيلم- (إم بي سي) السعودية، لكن في العموم فإن السينما العربية خارج التاريخ والحدث والقضية، وتمنينا أن تكون قاطرة للدفاع عن الإنسان بغزة وحمل قضيته للعالم".

سلاح اعتراض ومقاومة
وفي رؤيته، يقول الفنان المصري معتز السويفي: "بالطبع الفيلم رسالة فنية قوية للمقاومة وحق فلسطين أرضا وشعبا"، مضيفا لـ"عربي21"، أن "هذه الأفلام عموما سلاح في كل الأمور وكل المواقف، سلاح اعتراض ومقاومة، ومحاربة للظلم بكافة أنواعه وألوانه"، مؤكدا أن "الفن القوة الناعمة بكل العالم بلا استثناء".

وعن غياب الفنانين العرب مخرجين ومنتجين وغيرهم عن تقديم محتوى مماثل داعم لفلسطين، يعتقد أن: "وجودهم سيسبب مشاكل على المستوى السياسي، وسوف يستغله البعض أو كل اللجان للإثارة والتأثير على رأي بعض القيادات العالمية وزرع الفتنة".

في المقابل، يرى أن "حضور نجوم أوروبا وأمريكا هو لصالح القضية وضد واشنطن، لأن شعب أو فناني أمريكا ومنتجيها هم من قاموا بإنتاج العمل، وعرضه وأيضا احتمال إعطائه جائزة، كما قاموا بالدعاية العالمية قبل، وأثناء، وبعد عرضه".
التعليقات (0)