قضايا وآراء

التلاعب بالجمهور العراقي والدعايات الوهميّة!

جاسم الشمري
"وسط هذا التشرذم السياسيّ والماليّ والمجتمعيّ ينبغي العمل على جعل ناقوس دولة المواطنة هو الأعلى صوتا"- جيتي
"وسط هذا التشرذم السياسيّ والماليّ والمجتمعيّ ينبغي العمل على جعل ناقوس دولة المواطنة هو الأعلى صوتا"- جيتي
الجمهور هم الشعب، وهم المترقّبون للاطّلاع على "إنجازات" الأحزاب والكيانات والشخصيّات العاملة في الميدان السياسيّ! وتمتاز غالبيّة الجماهير بأنّها تميل حيث تميل الريح، وليس لها قرار واضح وحُرّ خلال مرحلة البحث عن تلك "الإنجازات"! وهنالك من الجماهير مَن يتغافل عن أهمّيّة دوره، ويكون مجرّد شاهد زُور على المرحلة التي يعيش فيها، ولو كان هو نفسه من بين الضحايا!

والحقيقة أنّ غالبيّة الجماهير يمكنها قَلْب المعادلات، ومُناصرة مَن يقنعها بدهاء، أو صَدّقت بمشروعه، وأيضا يُمكنها أن تسحق مَن صفّقت له بالأمس إن لم ترَ منه ما يؤكّد جدّيّته ومقدرته على تطبيق شعارات ووعوده! وفي كلّ الظروف تبقى الجماهير الحيّة بيضة القبان في أيّ معادلة داخليّة وإقليميّة!

وبخصوص المشهد العراقيّ، هنالك الآن متغيّرات ميدانيّة جوهريّة تتمثّل بالانسحاب الأمريكيّ "الغامض" من قاعدتيّ عين الأسد وفكتوريا في مطار بغداد، وتداعياته الأمنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة! والانسحاب الفعليّ أو إعادة الانتشار ليس جوهر قضيّة التغيير المتداول في العراق، طالما أنّ الطائرات المسيّرة يمكنها القيام بأيّ مهمّة دون الحاجة لعسكريّين على الأرض!

بعض الشخصيّات تصرّ، ولو إعلاميّا، على موقفها الرافض لحلّ الحشد، وبهذا فنحن أمام جدليّة "داعش والقاعدة والحشد" والقوى الرسميّة، فمَن سيكون مع مَنْ، ومَنْ ضدّ مَنْ، ومَنْ سيتحكّم بالبلاد لاحقا؟

والعقدة المتجدّدة برزت بالتحذير الذي أطلقته السفارة الأمريكيّة في بغداد يوم 24 آب/ أغسطس الماضي بخصوص القلق "من تمدّد تَنظيميّ داعش والقاعدة في المنطقة"! والتحذير، المتزامن مع الانسحاب، لم يأت من فراغ!

والخطر الميدانيّ الآخر تمثّل بتلقي بغداد رسالة أمريكيّة شدّدت على ضرورة وضع خطّة لنزع سلاح "الحشد الشعبيّ" خلال ثلاثة أسابيع، والمهلة ستنتهي بعد عدّة أيّام.

ورغم أنّ حكومة بغداد لم تؤكّد هذه المعلومات، فهنالك بعض الشخصيّات تصرّ، ولو إعلاميّا، على موقفها الرافض لحلّ الحشد، وبهذا فنحن أمام جدليّة "داعش والقاعدة والحشد" والقوى الرسميّة، فمَن سيكون مع مَنْ، ومَنْ ضدّ مَنْ، ومَنْ سيتحكّم بالبلاد لاحقا؟

وبهذا الخصوص، قال مستشار الأمن القوميّ قاسم الأعرجي، الثلاثاء الماضي، "طلبنا تأجيل قانون الحشد لما بعد الانتخابات، ولا تسألوني عن السبب"!

وقبلها بيّن عايد الهلالي، قال مستشار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم 28 آب/ أغسطس 2025 إنّ "استمرار الضغوط الأمريكيّة قد يشعل مواجهة سياسيّة واقتصاديّة بين بغداد وواشنطن"!

قادة الإطار التنسيقيّ الشيعيّ الحاكم فهموا ما بين السطور من التعجيل الأمريكيّ بالانسحاب، والتحذير من عودة "داعش والقاعدة"، فسارعوا لتجميد التصويت على قانون "الحشد"!

وهذه الخطوة ستقلّل من الضغوطات الأمريكيّة، وستطيل عمر النظام الحاكم، وهذه أدلة على بيع "الإطار" لجمهوره مع أوّل موجة أمريكيّة متوقّعة، وهنالك تسريبات صحفيّة من داخل "الإطار" تُبيّن بأنّ "المؤشّرات الواردة من واشنطن مقلقة، وتستدعي التريث"!

حيرة "الإطار" ستُضعفه أمام جماهيره، وقد نرى عزوفا جماهيريا كبيرا عن المشاركة في بالانتخابات القادمة، إن أُجريت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025!

والثلاثاء الماضي ذكر موقع "إنترناشيونال بوليسي دايجست" الأمريكيّ، أنّ "الانتخابات العراقيّة مجرّد مسرحيّة تُستخدم لإعادة توزيع النفوذ بين النخب السياسية"!

وهكذا، فإنّ ساسة العراق يتقلّبون على جمر التوقّعات، وهم بين ربكة التخوّف من "غزو محتمل"، كما ذكر رئيس البرلمانمحمود المشهداني ، أو عقوبات أمريكيّة قاسية، ولهذا آثر قادة "الإطار" البقاء في الضفّة الآمنة!

وهذه المخاوف أكّدها الفريق الرّكن عبد الكريم خلف الاثنين الماضي بالحديث عن "اجتماعات سرّيّة في النجف لتغيير نظام الحكم في العراق"!

ولا ننسى هنا التلاعب بالجماهير عبر الوعود الوهميّة التي أوجزها القياديّ بحزب الدعوة الإسلاميّة غالب الشاهبندر بقوله إنّ رئيس السوداني يستخدم "المشاريع العملاقة غير المنجزة للحصول على الدعم الشعبيّ طمعا بالولاية الثانية"!

وهذه الوعود والمشاريع الوهميّة والمتلكّئة ليست حكرا على السوداني، بل هنالك عشرات الساسة الذين أعطوا مئات الوعود الوهميّة المتعلّقة بالمغيّبين والسجناء والمغتربين وغيرهم من المظلومين؛ وحتّى اليوم تلك الوعود في مهبّ الريح!

وهكذا، فإن صراع النظام السياسي لم "يَعُد مع خصومه فقط بل مع الشعب"، وفقا لتصريح النائب عدنان الزرفي يوم الثلاثاء الماضي! وهذا قمّة التراجع في العلاقة مع الجماهير!

يبدو أنّنا أمام مرحلة النهايات المجهولة، وهذه التخوّفات الرسميّة ربّما حقيقيّة وربّما وهميّة، لتجميع أكبر قدر ممكن من الجمهور المتخوّف هو الآخر من التغيير حوله!

ويبدو أنّنا أمام مرحلة النهايات المجهولة، وهذه التخوّفات الرسميّة ربّما حقيقيّة وربّما وهميّة، لتجميع أكبر قدر ممكن من الجمهور المتخوّف هو الآخر من التغيير حوله!

وسط هذا التشرذم السياسيّ والماليّ والمجتمعيّ ينبغي العمل على جعل ناقوس "دولة المواطنة" هو الأعلى صوتا، وكبح المزاجيّة والتراخي في تنفيذ القانون، وإلا فالمصير المرتقب هو الانهيار والضياع والخراب، وسيول من الدماء!

تداعيات البلبلة المرتقبة كبيرة، ولكنّها غامضة، وهي غالبا -لا قدّر الله- ستحرق الفقراء والمساكين كما الحال في جميع الثورات!

لا تتلاعبوا بالجماهير لكسب المقاعد البرلمانيّة بالوعود والدعايات الوهميّة، وتَذَكّروا أنّ الناس لا ينسون وعودكم!

وبالنتيجة، فإنّ الكرة الحاسمة بيد الجماهير، وعليه فإنّ مَن يقبل منهم أن يبقى ورقة تتلاعب بها رياح الأحزاب السياسيّة فهو يتحمّل تبعات قراره، ومَن يُريد أن يبقى بعيدا عن المزايدات السياسيّة والحزبيّة عليه ألا يبيع صوته للمخربين والمجرمين والمتاجرين بالوطن وأهله!

وهكذا فإنّ القرار الأخير لكلّ فرد من الجمهور العراقيّ هل سيقبل أن يكون لعبة بيد السياسيّين أم لا!

x.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)

خبر عاجل