شهد شهر آب/أغسطس الماضي في مدينة
القدس المحتلة، تصاعدا غير مسبوق في الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت المسجد
الأقصى وسكان المدينة ومقدساتها، وسط تنفيذ مخططات استيطانية كبرى، وإجراءات
تهويدية ممنهجة، في حين ارتقى شابان مقدسيان بعد أن رفضت قوات الاحتلال البحرية إنقاذهما من الغرق في بحر يافا.
في السادس عشر من آب/أغسطس الماضي٬ استشهد الشابان المقدسيان بهاء شويكي وأمين زعرور من حي الثوري، بعد أن تركتهما طواقم الاحتلال البحرية يغرقان في بحر مدينة يافا، ورفضت تقديم المساعدة لهما. بل إن أحدهما قضى متأثرا بجراح أصيب بها جراء شفرات مراوح قارب الاحتلال، فيما أصيب اثنان آخران من أقاربهما بجروح بين الخطيرة والمتوسطة.
إصابات متفرقة
شهدت مدينة القدس وضواحيها خلال شهر آب/أغسطس الماضي سلسلة إصابات بفعل قوات الاحتلال الإسرائيلي، تراوحت بين الرصاص الحي والإصابات الناتجة عن شفرات القوارب والدوس بمركبات الشرطة.
من أبرز الحوادث:
- 2 آب/أغسطس الماضي: إصابة
فلسطيني في القدم برصاص الاحتلال في قرية بين دقو.
- 7 آب/أغسطس الماضي: إصابة آخر في الرأس برصاص الاحتلال في بلدة الرام.
- 16 آب/أغسطس الماضي: إصابتان بشفرات مراوح قارب الاحتلال في مدينة يافا، تزامنا مع استشهاد الشابين المقدسيين بهاء شويكي وأمين زعرور.
- 24 آب/أغسطس الماضي: إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال عند حاجز قلنديا.
- 27 آب/أغسطس الماضي: إصابة طفل فلسطيني إثر دهسه بمركبة شرطة الاحتلال في حي العيساوية.
وقد أثارت هذه الحوادث قلقا واسعا، في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين، خاصة الأطفال، في القدس ومحيطها.
اقتحامات الأقصى.. قفزة غير مسبوقة
كان شهر آب/أغسطس الماضي٬ شاهدا على أعلى حصيلة اقتحامات للمسجد الأقصى منذ احتلاله عام 1967، إذ بلغ عدد المقتحمين 8633 مستوطنا، متجاوزا مجموع اقتحامات شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو الماضيين معا.
وقد شهد يوم إحياء ما يسمى "ذكرى خراب الهيكل المزعوم" في الاحتلال الإسرائيلي وحده اقتحام 3 الاف و969 مستوطنا، وهو العدد الأعلى في يوم واحد منذ الاحتلال.
وتخلل الاقتحامات أداء طقوس توراتية علنية وجماعية بشكل شبه يومي، إلى جانب احتفالات بالزفاف والبلوغ، ونفخ في البوق داخل المسجد، وارتداء لفائف "التيفلين" ثلاث مرات خلال الشهر، في وتيرة لم يشهدها الأقصى من قبل.
المستوطنين وذكرى "خراب الهيكل"
اقتحام وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير برفقة وزراء وأعضاء كنيست المسجد الأقصى٬ وارتدى المستوطنين "التيفلين" و"شال الطاليت"٬ كما رقصوا وغنوا وصفيروا بصوت عال في أرجاء المسجد.
وقاموا بأداء "صلاة بركة الكهنة" والسجود الملحمي و"صلاة الشماع" وتلاوة مراثي إرميا. ورفعت أعلام الاحتلال وغنوا النشيد الوطني الإسرائيلي بشكل جماعي.
كما حاصرت شرطة الاحتلال أبواب المسجد وضيقت على الفلسطينيين واعتقلت ثلاثة من الحراس. وأدى المستوطنين صلوات توراتية عند أبواب الأسباط والحديد والقطانين والغوانمة.
انتهاكات إضافية داخل الأقصى
وشهد المسجد الأقصى المبارك سلسلة انتهاكات إسرائيلية غير مسبوقة، عكست تصعيدا خطيرا في محاولات تهويده وفرض الطقوس التلمودية داخله.
فقد جرى ارتداء "التيفلين" ثلاث مرات خلال الشهر فقط، ليرتفع عدد المرات التي أُدخل فيها هذا الطقس منذ احتلال المسجد عام 1967 إلى سبع مرات. كما أقدمت شرطة الاحتلال على احتجاز خطيب المسجد القاضي إياد العباسي أثناء إلقاء خطبة الجمعة الأولى من الشهر، مهددة إياه بعدم التطرق إلى الوضع في غزة.
وفي تطور آخر، رفع الاحتلال علما إسرائيليا كبيرا داخل الخلوة الجنبلاطية في صحن قبة الصخرة، بالتزامن مع صدور فتوى من أحد الحاخامات دعا فيها أتباعه إلى عدم السجود على أرضية المسجد الأقصى "حتى يتم استبدالها"، في خطوة أثارت استياء واسعا.
كما نظمت جماعات الهيكل المتطرفة لأول مرة مسيرة حول أبواب الأقصى بمصاحبة جوقة موسيقية أطلقت على نفسها اسم "جوقة حرس اللاويين"، فيما شهد المسجد خلال يومين فقط اقتحام أكثر من ألف مستوطن احتفلوا ببداية الشهر العبري عبر النفخ في البوق وارتداء "التيفلين".
ولم تتوقف الانتهاكات عند ذلك، إذ أقيمت احتفالات زفاف وبلوغ داخل الأقصى بالرقص والغناء، في حين حصل أحد المقتحمين على تعويض مالي من شرطة الاحتلال بعد إبعاده عن المسجد، وهو ذاته أول من ارتدى "التيفلين" داخله.
وفي التاسع عشر من آب/أغسطس الماضي، رفعت إحدى المستوطنات علما إسرائيليا كبيرا داخل المسجد الأقصى، في مشهد عده المقدسيون تحديا سافرا لمشاعر المسلمين ومساسا صارخا بحرمة المكان المقدس.
الأسرى والاعتقالات
شهد شهر آب/أغسطس الماضي أكثر من 57 حالة اعتقال في القدس وضواحيها، بينها 12 حالة اعتقال إداري جديد أو مجدد٬ ومن أبرز الحالات:
- اعتقال عشرات الفلسطينيين بتهمة دخول القدس دون تصريح، بينهم 33 عاملا دفعة واحدة في قرية أم طوبا.
- اقتحام منازل 10 أسرى ومحررين ومصادرة ممتلكات وأموال بقيمة 100 ألف دولار.
- اعتقال ثلاثة من حراس المسجد الأقصى أثناء عملهم.
- الحكم على الفتى أشرف دعيس (16 عاما) بالسجن 3 سنوات و3 أشهر.
- إجبار الطفل علي زماعرة (13 عاما) على تسليم نفسه لقضاء 3 أشهر.
الإبعاد والحبس المنزلي
واصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإبعاد المنزلي بحق المقدسيين حيث قام بالتالي٬
- إبعاد خمسة مقدسيين عن المسجد الأقصى، أبرزهم مفتي القدس الشيخ محمد حسين، بتجديد إبعاده 6 أشهر.
- تجديد إبعاد الحارسين عبد الكريم التميمي وعصام نجيب لثلاثة أشهر.
- إبعاد الناشط محمد أبو الحمص والمحرر علاء كركي.
- إبعاد الأسيرين وسام كستيرو ومحمد درويش عن القدس فور تحررهما.
- فرض الحبس المنزلي على طفل مصاب هو إياس أبو مفرح (13 عاما)، والشابة نهلة صيام.
- تجديد منع محافظ القدس عدنان غيث من التواصل مع شخصيات فلسطينية ومن دخول الضفة الغربية، وتقييد حركته داخل سلوان.
- تجديد منع أمين سر حركة فتح في القدس شادي مطور من دخول الضفة الغربية.
- فرض منع سفر ودخول للضفة على المرابطتين خديجة خويص وهنادي الحلواني، إضافة إلى منع التواصل مع شخصيات فلسطينية.
الهدم والتهجير
كما تم توثق 30 عملية هدم خلال آب/أغسطس الماضي، بينها 13 هدمًا ذاتيًا قسريًا بإجبار من بلدية الاحتلال.
ووزعت إخطارات جماعية بالهدم بحق نحو 7 آلاف مقدسي في مناطق العيزرية، وجبل البابا، ووادي الحوض، ووادي جمل ومنطقة بروكة، لتنفيذ مخطط "نسيج الحياة" و(E1).
ومن أبرز الحالات:
- هدم بناية سكنية في مخيم قلنديا وأخرى في بلدة حزما.
- إخطار بإخلاء عائلة السعو في حي الشيخ جراح.
الاستيطان والتهويد
شهد آب/أغسطس الماضي إعلان الاحتلال انطلاق تنفيذ مخطط E1 في شرق القدس بعد توقف استمر 20 عاما، إلى جانب الشروع بمضاعفة حجم مستوطنة "معاليه أدوميم"، ما يعني سلخ القدس عن محيطها الفلسطيني وفصلها نهائيا.
كما شهد أيضا:
- تحطيم شواهد قبور في مقبرة باب الرحمة الإسلامية.
- قيام مستوطن بالتبول على جدار مسجد العزير في قرية أبوغوش.
- توسعة شارع استيطاني من مستوطنة "آدم" حتى حاجز حزما على حساب أراضي الفلسطينيين في جبع وحزما ومخماس.
- منع الدخول إلى أراض في حي المشاهد بقرية أم طوبا تمهيدا لإخلاء 18 عائلة.
- افتتاح حديقة "روبين" على أراضي تلة الشيخ بدر المهجرة، وتطوير غابة استيطانية على أراضي قرية عين كارم المهجرة، وافتتاح منشأة تدوير نفايات على أراضي قلنديا.
- اقتحام مجمع النقابات المهنية في بيت حنينا ومنع انتخابات نقابة الأطباء.
- مطالبة محامي قاتل الشاب فؤاد عليان بإخلاء سبيله بحجة عدم وجود سجل جنائي.
بهذا، يظهر أن آب/أغسطس الماضي كان أحد أكثر الأشهر قسوة على القدس وأهلها، حيث اجتمع فيه الاستيطان والهدم والاعتداءات على الأقصى، إلى جانب اعتقالات وإبعادات ممنهجة، ما يرسخ سياسة الاحتلال في فرض وقائع جديدة على الأرض لعزل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني.