قضايا وآراء

"حل" الجماعة في سوريا.. خروج من مأزق سياسي أم دخول في مزلق تاريخي؟

رانية نصر
خيار "الحلّ" في السياق السوري الراهن ليس مجرد إجراء تنظيمي أو قرار سيادي، بل هو مفصل حاسم في رسم ملامح الدولة الناشئة..
خيار "الحلّ" في السياق السوري الراهن ليس مجرد إجراء تنظيمي أو قرار سيادي، بل هو مفصل حاسم في رسم ملامح الدولة الناشئة..
في خضمّ التّحولات السياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة؛ برزت مؤخراً أصواتٌ سياسية وازنة تُلوّح بخيار حلّ جماعة الإخوان المسلمين كحزب سياسي في سوريا، وهذا الطّرح الذي لم يأتِ من فراغ؛ يُوَلّد بطبيعته سلسلة من التساؤلات الفكرية والفقهية والسياسية: لماذا يُطرح موضوع الحلّ تحديداً في هذه اللحظة؟ وهل للمسألة ارتباط بما تشهده الساحة من تقارب سوري-خليجي قد تكون له انعكاساته على مستقبل سوريا؟ هل يمكن أن يُقرأ المطلب كخطوة استباقية لتأمين استقرار الدولة وتحصينها من قوى خارجية تناصب الإخوان العداء، وتلاحقهم بالحديد والنار، فيفرض هذا الخيار نفسه "كصكوك تأمينية" لحماية سوريا، وتعزيز مسار نهضتها بعد تاريخ طويل من الاستبداد والتعب والإرهاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أم أنه قد يُقرأ كحلقة جديدة في مسار الإقصاء السياسي الذي يناقض مبدأ التعددية التي تقوم عليه الدولة الحديثة؟

ومن منظور السياسة الشرعية، فالسؤال الأهم هو: أي المصلحتين تقدم عند التعارض؛ مصلحة استقرار الدولة بوصفها ضرورة كبرى لحفظ الكيان، أم مصلحة الحرية السياسية والتعددية بوصفها ضمانة طويلة المدى للعدل والمشاركة وعدم عودة الاستبداد؟ وبالنظر في المآل؛ هل سيحقق "الحل"، مصالح استراتيجية تدفع بعجلة الوحدة الوطنية للأمام، أم أنه قد يتحول إلى مزلق تاريخي خطير يفتح الباب لتعقيدات جديدة الدولة الناشئة في غنى عنها؟

أسئلة مُلحّة تحاول هذه المقالة مقاربتها والإجابة عنها بموضوعية بعيداً عن الاصطفافات والأحكام المسبقة، وذلك من خلال الجمع بين التحليل السياسي الواقعي والميزان الفقهي.

ومن ثمّ، فإن تناول هذه المسألة الحساسة يستدعي كثيرًا من التجرّد والابتعاد عن ردود الأفعال السريعة، وهو ما يدفعنا إلى تمهيدٍ ضروري يسبق النقاش، نوضح فيه بعض الاحترازات المنهجية.

توطئة

لم يكن حديث بعض القيادات السياسية السورية مؤخراً عن فكرة حل جماعة الإخوان المسلمين كحزب سياسي مجرد تصريح عابر؛ بل بدا وكأنه رسالة سياسية مُبطّنة محمّلة بالدلالات التي لها ما بعدها، وحتى نستطيع تفكيك المشهد لا بد في البداية من التنبيه إلى أمرين:

أولاً ـ تجنب التّعصب والانفعالات

كثيراً ما تُقابَل الأفكار الجديدة بقدر من الرّفض التلقائي، خاصة إذا خالفت القناعات الموروثة أو هددت المكاسب القائمة دون نظر عميق في النتائج والمآلات، فالنفوس بطبعها تميل إلى ما يُوافق قناعاتها السابقة وتخشى المجهول أو فقدان المكتسبات، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.

التحدي الذي تواجهه الدولة الحديثة هائل وخطير، وربما هذا ما يدفعها للتعامل بتؤدة وحذر شديدين مع الملفات الخارجية مبتعدة عن المواجهة المباشرة وردود الأفعال غير المحسوبة، على الأقل لحين ترسيخ أوتادها واستقرار أمرها، وهذا يقتضي قدراً كبيراً من المرونة السياسية، والتفكير ببراغماتية سياسية تجنباً للمزالق التي قد تهدد وجودها، حتى ولو كان على حساب الديمقراطية السياسية، لكن هل لهذا "الحلّ" إن افترضنا وقوعه (رغبة أو رهبة) وجه شرعي؟
لكن الشأن العام لا يُدار بالعاطفة؛ وإنما يحتاج إلى تجرّد كامل، وميزان دقيق ينظر في المآلات، وعمق في التفكير، وتبصرٍ  في الواقع وأبعاده.

ثانياً ـ تحديد نطاق النقاش

يقتصر هذا المقال على مناقشة مسألة "الحلّ" في السياق السوري الحالي تحديداً، باعتباره خياراً سياسياً يُنظر إليه من زاوية المصلحة الوطنية العليا في ظل المشهد الدولي المعقّد وعلاقات الدولة الناشئة مع محيطها الخارجي الإقليمي والدولي، ولا يتناول جماعة الإخوان من حيث هي منهج فكري أو مدرسة إصلاحية تربوية لها عُمق تاريخي طويل، فهذا مبحث آخر، إنما السؤال هنا: هل يُمكن أن يشكّل "الحلّ" مخرجاً سياسياً يفتح الباب أمام الاستقرار ويُحصّن الداخل من عدوٍّ متربص، أم أنه سيكون عثرة إضافية في طريق الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة؟

لماذا الآن؟!

يُعتقد أن طرح موضوع "الحلّ" في هذه اللحظة تحديداً مرتبطٌ بما تشهده الساحة من تقارب سوري–خليجي وانفتاح سوري-غربي، له انعكاسات مباشرة على مستقبل سوريا، فسوريا تكاد تكون البلد الوحيد الذي نال حريته من سطوة الاستبداد السياسي في حدث تاريخي غير مألوف، والتقطت أنفاسها بعد مخاض شاق وعسير، ومن الطبيعي أن يدعو هذا القلق والخوف الجميع لاستنزاف كل الطاقات والجهود واجتراح الآليات والوسائل للحفاظ على هذا الاستحقاق الوطني التاريخي المهم، بل إن الخوف الأكبر يكمن في تكرار السيناريو العربي بالالتفاف على الثورة وسط التعقيدات السياسية الدولية واختلال موازين القوى والتحالفات الإقليمية التي تهدد بقاء الدولة وأمنها.

التحدي الذي تواجهه الدولة الحديثة هائل وخطير، وربما هذا ما يدفعها للتعامل بتؤدة وحذر شديدين مع الملفات الخارجية مبتعدة عن المواجهة المباشرة وردود الأفعال غير المحسوبة، على الأقل لحين ترسيخ أوتادها واستقرار أمرها، وهذا يقتضي قدراً كبيراً من المرونة السياسية، والتفكير ببراغماتية سياسية تجنباً للمزالق التي قد تهدد وجودها، حتى ولو كان على حساب الديمقراطية السياسية، لكن هل لهذا "الحلّ" إن افترضنا وقوعه (رغبة أو رهبة) وجه شرعي؟

ارتكاب أخف الضررين

يقرّر أهل العلم قاعدة أصولية في باب التزاحم بين المفاسد، مبناها "إذا تعارض ضرران رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفّهما"، أو كما يُقال "يُرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما"، وقد قرر الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- في باب المصالح، أن "الشريعة كلها مصالح؛ إما بجلب المنافع، أو بدرء المفاسد".

وعليه؛ فقد يُبرّر أحياناً التنازل عن بعض ما يُعدّ من الثوابت أو من الأمور المعتبرة، لا من باب الإلغاء أو التعطيل، ولكن لتحقيق مصلحة راجحة أو دفع مفسدة أعظم، خاصةً إذا تعلّق الأمر بشؤون الدولة وإدارة المجتمع، إذ إن الدولة في التصوّر الإسلامي إنما وُجدت لتحقيق مصالح العباد، ورعاية شؤونهم، وتأمين تطبيق مقاصد الشريعة وفي مقدمتها حفظ الكليات الضرورية الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل والمال.

والشواهد في التاريخ الإسلامي تدل على هذا النمط من الموازنات؛ فقد صالح -النبي صلى الله عليه وسلم- قريشاً في الحديبية مع ما فيه من شروط ظاهرها الإجحاف بالمسلمين، لكنه كان ينظر إلى المآلات لا إلى الجزئيات، فكانت النتيجة فتحاً مُبينا، وكذلك فعل صلاح الدين الأيوبي حين عقد هدنة مع بعض ملوك الصليبيين ليصفّي جبهات أخرى، إذ الحكمة تقتضي تسكين الجبهات لا إثارتها، وجمع أكبر قدر من المصالح وتقديم الأهم فالأهم.

وفي ظل التحولات السياسية الكبرى اليوم وتعقيداتها الكثيرة، فإن إعمال هذه القاعدة يكون من باب أولى، وقد يصبح "حل" بعض الأحزاب -ولو مرحلياً- خطوة تؤدي إلى مصلحة راجحة في ظل انفتاح سوريا على العالم وتقارباتها الإقليمية، خاصة أن هذه التقاربات يتوقع أن تكون مشروطة بمصالح متبادلة أو بكفّ الأذى، غير أن الوجه الآخر للمسألة؛ هو الخطر من أن يتحوّل "الحل" أو المطالبة بالحل إلى ربما إقصاء سياسي يهدد الديمقراطية تحت مسميات جديدة، وهو ما يخالف قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، إذ إن واجب ترسيخ الدولة الحديثة العادلة لا يتم إلا بصيانة التعددية السياسية وضمان حق جميع القوى في التعبير والمشاركة.

وفي الحالة السورية تحديدًا، فإن التحديات الأمنية والضغوط الدولية، تضع صنّاع القرار أمام هذا النوع من المفاضلات الحرجة.

"الحل" بين إلحاح الاستقرار وتهديد الديمقراطية؟

عانت سوريا لسنوات طويلة السطوة الاستبدادية الإقصائية التي تكفر بمبدأ التعددية، والتضحيات كانت جسيمة على طريق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، فهل يعد حلّ الأحزاب السياسية اليوم قبل ترسيخ قواعد الدستور إقصاءً أم دعوة للانضواء تحت مظلة الوحدة الوطنية؟

قد يُفهم حل حزب الإخوان في السياق السوري على أنه استجابة لضغوط خارجية، خاصة من دول عربية وغربية تسعى لتأمين حدود العدو الصهيوني، وهو ما يجعل القرار يبدو وكأنه خطوة استباقية لحماية الدولة من مخاطر محتملة! ومن منظور الدولة، قد يوفر هذا الحل استقرارًا نسبيًا من خلال تسكين هذه الجبهة "لحاجة في نفس يوسف".

عانت سوريا لسنوات طويلة السطوة الاستبدادية الإقصائية التي تكفر بمبدأ التعددية، والتضحيات كانت جسيمة على طريق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، فهل يعد حلّ الأحزاب السياسية اليوم قبل ترسيخ قواعد الدستور إقصاءً أم دعوة للانضواء تحت مظلة الوحدة الوطنية؟
مع ذلك، يظل هذا الأمر محفوفًا بالمخاطر، إذ قد يتحول إلى تهميش سياسي يضعف استقلالية قرار الدولة، والتعددية التي نشأت بعد سنوات طويلة من الصراع ضد الاستبداد والإقصاء، ويؤثر على مهابة الدولة أمام مواطنيها، فالنجاح طويل المدى لأي تجربة انتقالية يعتمد على توازن دقيق بين حماية الدولة من التهديدات الخارجية وبين ترسيخ قواعد الديمقراطية والتعددية داخليًا، وأي حل سياسي يجب أن يُصاغ في إطار دستوري وقانوني واضح، يضمن حقوق جميع الأطراف ويتيح آليات عادلة للاندماج السياسي، حتى لا يتحول الاستقرار القصير المدى إلى مأزق طويل الأمد يهدد مستقبل الدولة الحديثة.

ومن جهة التأصيل؛ فإن القاعدة الفقهية على أن "الضرورات تُبيح المحظورات"، والقاعدة التي تُقيّدها هي أن "الضرورات تُقدّر بقدرها"، أي أن أي إجراء استثنائي إذا تجاوز حد الضرورة انقلب إلى ظلم، والظلم كما يقرر ابن تيمية "لا تقوم به دولة، ولو كانت مؤمنة" بينما العدل هو أساس الملك وشرط البقاء.

الترجيح بين استقرار الدولة وحماية الديمقراطية

قرر العلماء في أصولهم أنه إذا تزاحمت المصالح ولم يمكن جلبها كلها؛ فالمطلوب هو تحقيق أعلاها، وإن تزاحمت المفاسد وتعين ارتكاب بعضها فإنه يتعين دفع أعلاها بارتكاب أدناها، وإن تساوت المصالح والمفاسد فدفع المفسدة أولى من إحراز المصلحة، وإن تفاوتت كان للعلماء موازينهم واجتهاداتهم التي يرجحون بها بين المصالح والمفاسد.

وإن مسألة ترجيح استقرار الدولة أو حماية الديمقراطية والتعددية عند التعارض تُنظر ضمن قاعدة فقهية عامة وهي ترجيح الضرر الأعظم أو المفسدة الكبرى، وتفصيلها على النحو الآتي:

من زاوية النظر إلى أولوية تأمين استقرار الدولة: فالأولوية لتأمين استقرار الدولة، لأن فيه ضرورة كبرى، وانعدامه يؤدي إلى فوضى سياسية، وتدهور اقتصادي، ويهدد النفوس والمصلحة العامة.

وفي السياسة الشرعية حماية الدولة نفسها من الانهيار أو الانقسام هي مصلحة عامة قصوى، تُقدم على مصالح جزئية إذا تعارضت معها، بما فيها بعض حقوق المشاركة السياسية مؤقتاً، لكن على ألا يكون ذلك مطلقاً أو تعسفيّاً.

من زاوية النظر إلى حماية الديمقراطية والتعددية: فتمثل مصلحة شرعية مُعتبرة، لأنها تضمن مشاركة الناس في الحُكم، وتحمي الحقوق من الضياع، وتحقق العدالة الاجتماعية، لكنها مصلحة تابعة لمصلحة استقرار الدولة، فإذا انهارت الدولة، يصبح ضمان الحرية والديمقراطية والتعددية أمراً مستحيلاً.

الترجيح الفقهي: عند التعارض الحاد بين استقرار الدولة وحماية الديمقراطية، فالأولوية المقدمة لاستقرار الدولة، بشرط أن يكون الهدف منه تمهيد الطريق لإعادة التعددية وحقوق المشاركة لاحقًا.

والفقهاء يربطون هذا بضوابط التقييد، فيجب أن يكون التقييد مؤقتاً ومحدوداً ومرهوناً بضوابط شرعية ودستورية، وبحيث لا يتحول إلى ذريعة لإلغاء الحقوق السياسية والتعددية بشكل دائم، بل يكون الهدف منه تمهيد الطريق لإعادة الحقوق والمشاركة السياسية فور توفر الظروف الملائمة.

يقول ابن قدامة إن سلامة الدولة ومصالح الأمة الكبرى يمكن أن تُقدَّم على مصالح جزئية مؤقتة، بشرط ألا يكون ذلك جزافاً أو مطلقاً.

إذن؛ فالاستقرار أولى مبدئيًا لضمان مصالح الضروريات الكبرى، ولكن لا يجوز أن يتحول إلى ذريعة لإلغاء الديمقراطية أو التعددية بشكل دائم، ولا لإلغاء الرقابة العامة على مؤسسة الدولة من قبل تلك الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة.

التعليق على مقال مستشار الرئاسة أحمد زيدان

نظرَ الأستاذ أحمد موفق زيدان إلى مسألة "الحلّ" من زاويةٍ تنظيمية بالدرجة الأولى؛ إذ اعتبر أنّ الجماعة استنزفت ذاتها شيخوخةً وجمودًا، وباتت عبئًا على المشهدين السوري والإقليمي، وتبقى هذه القراءة محصورةً في نقد التجربة الحركية للإخوان، ومع أنّ المقال عبّر عن رأيٍ شخصي؛ إلا أنّ توقيعه بصفته الاعتبارية يمنحه وزنًا سياسيًا إضافيًا، وقد يُشير إلى مزاجٍ عام آخذٍ بالتشكّل داخل البيئة السياسية الحاكمة.

ومع ذلك؛ فإن المقال تجاوز تناول تاريخ طويل من التضحيات التي قدمتها الجماعة في مواجهة الاستبداد والطغيان، إلا أن الأهم في السياق الراهن؛ أن السؤال لم يعد يقتصر على مصير الجماعة؛ بل بات يمسّ الدولة الناشئة ذاتها كمعالجة داخلية لأزمة تنظيمية، تحت ذريعة أن استمرار التنظيم لا يخدم المصلحة الوطنية!

في هذا المفترق؛ يصبح ميزان السياسة الشرعية هو المرجع، بترجيح المصلحة الأعلى، والنظر في المآلات، والاستناد إلى القواعد الشرعية "دفع أعظم المفسدتين"، و"الضرورات تقدّر بقدرها".

السؤال لم يعد يقتصر على مصير الجماعة؛ بل بات يمسّ الدولة الناشئة ذاتها كمعالجة داخلية لأزمة تنظيمية، تحت ذريعة أن استمرار التنظيم لا يخدم المصلحة الوطنية!
ومن الحكمة السياسية؛ إن كانت هناك نية للسير في خيار "الحل"، أن يتم ذلك ضمن مشروع وطني توافقي، يراعي خصوصية المرحلة، ويشمل مشاركة واسعة من القوى السياسية والاجتماعية، على أن يكون محاطاً بضمانات دستورية واضحة تحمي التعددية، وتصون حرية العمل السياسي والفكري، حفاظاً على استقرار الدولة من التهديدات القادمة من الداخل والخارج.

بهذه الكيفية يمكن أن يتحوّل "الحل" إلى خطوة عقلانية مسؤولة تُسهم في إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتثبيت المكتسبات، بدلاً من أن يكون مدخلاً جديداً للتفكك أو الإقصاء.

وفي ضوء ما سبق من معطيات سياسية وشرعية، يمكن القول بأنّ خيار "الحلّ" في السياق السوري الراهن ليس مجرد إجراء تنظيمي أو قرار سيادي، بل هو مفصل حاسم في رسم ملامح الدولة الناشئة، واختبار حقيقي لمدى التزامها بقيم التعددية، والعدالة، والتشاركية السياسية، وإن كان الاستقرار مقصدًا مشروعًا وضروريًا، فإن الطريق الأفضل لبلوغه هو التوافق، من خلال إيجاد عقد وطني جامع يتوافق عليه الجميع.

فالسياسة الرشيدة تُحسن إدارة الاختلاف كما تحسن دفع الضرر لاستقرار الدولة، وتستطيع تحويل أي تهديد إلى فرص للبناء، ومن ثمّ، فإن أي معالجة للملفات الداخلية يُفضّل ألا تتم بعيداً عن إطار مشروع وطني شامل، يضمن الحقوق، ويكرّس الشراكة، ويوازن ما بين المصالح الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.

*باحثة وكاتبة فلسطينية
التعليقات (0)